لم تعد مياه الرافدين عذبة نقية مثلما كانت في الماضي، فالتقارير البيئية والطبية تشير الى ارتفاع معدلات التلوث، خاصة في نهر دجلة الذي تقوم على ضفافه مدن كبيرة ، فتحولت الانهار الى مكب لنفايات المستشفيات ومياه الصرف الصحي والمصانع وحتى مخلفات المطاعم، يضاف الى ذلك شح المياه الذي قل من منسوب الانهار فتركزت نسبة التلوث
هذا كله يؤثر في صحة الانسان واستقراره رغم أخذ الحيطة والحذر فكل عائلة اعتمدت تقنية تصفية الماء (الفلترة) في المنزل خوفا على حياة افرادها من المرض، فالماء سر الحياة واينما وجد يوجد الانسان وباقي الكائنات الحية، وعن هذه الكارثة البيئية تحدث المعنيون كلا حسب اختصاصه.
شح الماء والتلوث
مستشار وزارة الموارد المائية الدكتور ظافر عبد الله بين أن» الوزارة ترصد حالات التلوث وتم تحديد انواعه، لكن من يعنى بالامر وزارة الصحة والبيئة المدمجتان بوزارة واحدة، ويختصر دور الموارد المائية بتوجيه الكتب الرسمية للجهات المعنية المسببة للتلوث ومنها وزارة الصحة المعنية برمي مخلفات المستشفيات في الانهار، وكذلك الى وزارة الاشغال والبلديات بشأن مياه المجاري».
ويؤكد عبد الله»ان شح المياه له تأثيرات كبيرة في تلوثها، فكلما قل منسوب المياه تزداد الترسبات ومنها الملوثات».
مخلفات طبية
الخبير البيئي الدكتور حازم الربيعي يوضح أن»البيئة العراقية بشكل عام تعرضت الى التلوث بكل انواعه سواء في الهواء او المياه او التربة، وبالتالي كل انواع الملوثات انعكست بشكل سلبي على صحة الانسان والحيوان والنبات، ويعد تلوث المياه من اخطر انواع التلوث لخصوصية المياه نتيجة استهلاكه المباشر من قبل الانسان والحيوان وللاستخدامات الاخرى».
ويضيف الربيعي»ان مياه الانهار هي المصدر الرئيس للشرب، وفي عقود سابقة كانت الامطار من موارد المياه عالميا وتصل الى الانهار بشكل اعتيادي نتيجة لغزارتها وذوبان الثلوج، وعليه يكون حجم الكتل المائية الجارية في الانهار كبيرة وبذلك يخفف التلوث اذا ماحصل فيها، ولكن بعد الحروب التي خاضها العراق منذ عام 1980 وحتى الان باتت الملوثات تصل الى مكونات البيئة بتراكيز عالية نتيجة القصف والتغيرات المناخية وشح المياه الامر الذي ضاعف من التلوث سواء كان الفيزيائي او الكيميائي او البايولوجي».
ويتابع الربيعي أن»هناك مشكلة اخرى تعاني منها الانهار تتمثل في بعض الانواع الدخيلة مثل نبات (الشنبلان) وغيرها والتي وصلت بشكل نباتات زينة او بطرق اخرى من خارج العراق فاثرت سلبا في مصادر المياه وبيئة الانهار، ماجعلها بيئة مناسبة لنمو بعض الكائنات المجهرية التي تقوم بإفراز السموم».
ويستدرك الربيعي أن» قانون 29 لسنة 2007 صدر لمعالجة حالات التجاوز لمكونات البيئة، الا انه كان متواضعا، اذ فرض اجراءات ضبابية منها غرامات مالية لا تتناسب مع حجم التلوث، وهي غير دقيقة (مطاطية) لتطبق من قبل الرقابة، فيمكن تفسيرها بما ينسجم والمصلحة، هذا وقد صدر ضمن القانون ذاته فقرة تقر باستحداث المراقب البيئي الذي يمنح سلطة ضبط قضائي، لكن لم يتم العمل به منذ تشريعه».
ويرى الربيعي»ان ما نعاني منه حاليا وبجميع مرافق الحياة والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص هو التجاوز على مصادر المياه، واخطرها وصول المخلفات الطبية الى المياه، وهذه الحالة مشخصة ومستمرة رغم المناشدات والاجراءات التي تتخذها الجهات المعنية من فرض عقوبات وغرامات».
ويسترسل الربيعي الى»ان الامر الاخر الذي اثر في موضوعة التلوث البيئي، وخاصة المياه الاجراء الذي اتخذ بدمج وزارتي الصحة والبيئة، فهل يمكن دمج جهة رقابية مع جهة قد تلوث المياه؟؟، فنحن البيئيون نعد وزارة الصحة من مصادر التلوث، ووزارة البيئة عندما شرع قانونها هي وزارة بالدرجة الاساس لمراقبة حالات التلوث التي تصدر من جميع الجهات سواء كانت حكومية او قطاع خاص».
كارثة بيئية
عضو مفوضية حقوق الانسان فاضل الغراوي يقول:
« المفوضية لديها ملف اساسي ضمن مساحة الحقوق المكفولة يعنى بالصحة والبيئة، وضمن المسؤولية القانونية للمفوضية ان تتابع عن كثب فرقها الرصدية كافة في ما يتعلق بالبيئة وتبين من خلال الرصد ان العراق وصل الى مستوى الكارثة البيئية».
ويضيف الغراوي»ان التلوث في العراق على كافة الاصعدة والقى بظلاله على الانسان فتلوث الهواء جراء انتشار عمليات حرق مخلفات الدوائر والمصانع ومخلفات البلدية بدلا من الطمر الصحي وبالتالي ازدادت الامراض السرطانية بشكل واضح».
ويردف الغراوي:
«ان وجود هذا الكم الهائل من القاذورات والمسطحات المائية في الاحياء السكنية ضمن العديد من المحافظات، خاصة محافظة البصرة في الاونة الاخيرة، اذ تعوم على تلوث بيئي بجميع مستوياته وصل الى 100 بالمئة في بعض مدنها ما يصعب السكن فيها، وتعد هذه النسبة مهولة في كفالة حق الانسان بالبيئة النقية، وهذا مايعانيه العراقيون بشكل عام».
ويستطرد الغراوي:
«نتطلع اليوم كمفوضية حقوق انسان الى امكانية كفالة حق الانسان للجيل القادم في بيئة نظيفة، ومايجري اليوم في هذا الجانب ما هو الا مراقبة وتوثيق، رغم وجود شعارات ومبادرات، لكنها بعيدة عن ارض الواقع، فنحن قمنا برصد المناطق التي تعاني التلوث البيئي وعرضناها في تقارير، وحتى الان لا توجد استجابات تتعلق بالمعالجات الواقعية التي تبعد الخطر عن حياة المواطنين».
متابعة ورقابة
وكيل وزارة الصحة والبيئة جاسم الفلاحي يبين أن» تلوث المصادر المائية من المواضيع المهمة وبموجب القانون تعد وزارتنا ضمن قطاعها البيئي مسؤولة عن متابعة حماية وتحسين البيئة، خاصة حماية المصادر المائية من التلوث، وهناك حقيقة علمية ان الانهار تنظف ذاتها في حالة وجود اطلاقات مائية وامدادات من المصدر، اي ان يكون المجرى البيئي للنهر اكثر من 70 مترا مكعبا بالثانية، وبذلك تحافظ على نقائها وتخفف من تأثير التلوث».
واستدرك الفلاحي:
«ما تقدم ليس مبررا، فالمبدأ العالمي يحذر من القاء لتر واحد الى ماء النهر دون معالجة، ومع هذا فإن 98 بالمئة من التلوث الذي تعاني منه المصادر المائية سببه مؤسسات القطاع العام، فمشاكلنا معهم عديدة تبدأ من القاء مديريات البلديات مياه الصرف الصحي بشكل مباشر دون معالجة الى المنشآت الصناعية ووزارات النفط والكهرباء وامانة بغداد، فضلا عن المؤسسات الصحية».
ويتابع الفلاحي»ان مسؤوليتنا تتلخص في المتابعة والرقابة ومحاولة الحد من اثر التلوث عن طريق قانون تحسين البيئة، وقانون الوزارة الذي يتيح اتخاذ عدة اجراءات تبدأ من الانذار والغرامة الى الاحالة للقضاء بحق المخالفين، فاليوم اصبح تفعيل القانون مهما خاصة بعد اقرار تعليمات قسم الشرطة البيئية المرتبطة بالوزارة من الناحية الفنية وبوزارة الداخلية من الناحيتين الادارية واللوجستية، هدفها الحقيقي تفعيل دور المراقب البيئي والاجراءات
القانونية».
ويذكر الفلاحي أن»محور الحملات والندوات التي تقيمها الوزارة توعوية بشأن الحد من تلوث المصادر المائية بالتعاون مع العتبات المقدسة، اذ استعنا بالمرجعية الدينية في محاولة لتنبيه الرأي العام عن طريق خطب الجمعة بأهمية الماء وخطورة التلوث على صحة الانسان والبيئة».