مِنَ الدنيا برمتُ فلستُ فيها
بذي زُهْدٍ ولا مِنْ مُترَفيها
برمتُ مِنَ الحياةِ بدونِ حظٍّ
ومِنْ أمِّ الحياةِ ومِنْ أبيها !!!
برمتُ بغابةٍ فاضتْ شروراً
بطغيانِ الأراذلِ من بنيها
فإنّي حيثُما ولّيتُ وجهي
رأيتُ شرارَها تختالُ تيها
وكلَّ منافقٍ يُبدي قناعاً
ويُخفي خلفَهُ وجهاً كريها
فما بالمالِ تكتسبُ المعالي
ولا يُمسي الوضيعُ بهِ وجيها
فكم من لابسٍ طمراً رثيثاً
ولكنْ تحتهُ عفّاً نزيها
فما صنعتْ ثيابُ الخزِّ مجداً
ولا حفظتْ كرامةَ لابسيها
فما الدنيا سوى سجنٍ كبيرٍ
وجلّادٍ تعذّبُ ساكنيها
ظلومٌ لا ترقُّ على جريحٍ
ومرأى الظلمِ دوماً يزدهيها
تجورُ على الضعيفِ مِنَ البرايا
وتحتضنُ الطغاةَ وتصطفيها
لها شيمُ العواهرِ فهيَ تهوى
خساسَ النَّاسِ حكراً تعتليها
فكم جدعتْ أنوفاً شامخاتٍ
كما رفعتْ سفاهاً سافليها
تناهتْ في دناياها وساءتْ
ونفسي عفّةً لا ترتضيها
تحاربني لأَنِّي لا أُحابي
غشوماً أو لئيماً أو سفيها
لوِ الدنيا استحالتْ لي حذاءً
أبتْ قدمي امتهاناً تحتذيها
لو انَّ جميعَها عُرِضَتْ بفلسٍ
أَبَتْ نفسي الكريمةُ تشتريها
اذا طابتْ لذي جهلٍ فإنّي
وجدتُ مذاقَها مُرّاً كريها
لها في مكرها الداهي فنونٌ
خوافٍ ليتنا كنّا نعيها
وغدرٌ مُستَكنٌّ لا يُجارى
فليسَ بعاقلٍ من يرتجيها
وصرتُ أخافُ من رمي الليالي
فكيفَ لحاسرٍ أن يتّقيها ؟!!!
ومالي من ظهيرٍ أو معينٍ
سوى عزمي فهلْ يجدي لديها ؟!!!
فإنّي كالأسيرِ يذوبُ حزناً
ومصفودُ اليدينِ في يديها
تَكُونُ لكلِّ مأفونٍ نعيماً
ويشقى صادقُ الإحساسِ فيها
فما من راحةٍ فيها لحُرٍّ
فلا عجباً يئنُّ ويشتكيها
تناصبُ كلَّ موهوبٍ عَدَاءً
وتهزأُ بالعقولِ وتزدريها
وتمقتُ كلَّ إنسانٍ سَوِيٍّ
وتهوى من يَكُونُ لها شبيها
أقولُ سئمْتُها والقلبُ يأبى
لها حبّاً يرفُّ ويشتهيها
عجيبُ أنتَ ياقلبي أتبكي
مِنَ الدنيا كما تبكي عليها ؟!!
ألا يا قلبُ لا تركنْ اليها
وكنْ منها على حذرٍ نبيها
يعيشُ بغصةٍ ويموتُ همّاً
إذا ما المرءُ حبّاً هامَ فيها
ولا أُلقي عليكَ اللومَ لكن
تمنّعَها دعاني أجتويها
تمكّنُ ظهرها لسوايَ طوعاً
وترمحني إذا ما أمتطيها
ويبقى يستبدُّ بنا هواها
ويمتلكُ القلوبَ ويستبيها
همومي والفؤادُ على وئامٍ
إذا ما فارقَتْهُ صَبَا إليها
همومٌ لم تجدْ إلا فؤادي
لها مرعىً ومأوىً يحتويها
وطابَ مُقامها فيهِ سنيناً
فهلْ وجدتْ بهِ عيشاً رفيها ؟!!!
لِمَ الدنيا إذا زرعتْ هموماً
فؤادي وحدَهُ مَنْ يجتنيها ؟!!!