بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته

"حسن الظنّ من أفضل السجايا وأجزل العطايا"(1). هذا الحديث لأمير المؤمنين عليه السلام يُظهر فيه أهميّة حسن الظنّ لدى الفرد المؤمن. ولحسن الظنّ نوعان، أحدهما يتعلّق بالخالق كما ورد في الحديث القدسيّ: "أنا عند حُسن ظنّ عبدي بي، فلا يظنّ بي إلّا خيراً"(2)، والآخر يتعلّق بالمخلوق، كما جاء في كلامٍ مرويّ عن الأمير عليّ عليه السلام: "ولا تظُنّنّ بكلمةٍ خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محمَلاً"(3).

* حسن الظنّ بالله أمرٌ واجب..

ربما يورِد الإنسان في أحاديثه كلمات يشير بها إلى رحمة الخالق، فيما تندرج بعض الكلمات التي قد اعتدنا سماعها ضمن إطار سوء الظنّ بالله تعالى.
إنّ "حسن ظنّ العبد بربّه أمرٌ واجبٌ، فالإنسان لا يمكن أن يتعاطى مع الله في رزق أو عملٍ أو تكسُّبٍ دون حسن الظنّ؛ لأنّ العبد موعود من خالقه بأنّه إنْ أحسن الظنّ به، فسيكون الله عند حسن ظنّ عبده؛ وبالتالي فإنّ إساءة الظن بالله
* حسن الظنّ يجلب الرزق
إنّ الله إذا ما امتحن عبده أو ابتلاه بأنواع البلاء: قلّة في الرزق، في المال، في الولد، في الصحة، وغيرها فإنّ ذلك يهدف إلى اختبار مدى صبر العبد وقدرته على التحمّل فيرفعنا الله من وراء البلاء عنده درجاتٍ ويقرّبنا إليه سبحانه.
".

* احمل أخاك
الإنسان لا يمكنه التعامل مع الناس على اعتبار أنهم سيّئون، فهذا غير صحيح؛ فالدنيا لا تخلو من الخيّرين، وعليه يجب على الإنسان التروّي في إصدار أحكامه على الآخرين، ولكن عليه أيضاً توخّي الحذر.
على المؤمن إحسان الظنّ بأخيه المؤمن، مستشهداً برواية: "احمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير"(4). وهذا الرقم تدلّ المبالغة فيه على التأكيد على أهميّة التروّي والتدبّر قبل الحكم على الأشخاص، وكي لا يسيء المؤمن الظنّ بالمؤمن.
فعلى المؤمن أن ينفّذ تكليفه المأمور به من الله تعالى وعلى الله الجزاء، وعليه بالصبر على البلاء من الآخرين وأن تحكم تصرّفاته أخلاقُه الدينية.

أما في ما يتعلق بغير المؤمنين ممّن يتربصون بالإسلام سوءاً، فهؤلاء مطلوبٌ أخذ الحذر والحيطة في التعامل معه، وأن يَزِن المؤمن كلامهم وتصرفاتهم جيداً ويدرس أبعادها. وبالتالي لا يغفل عنهم من باب حسن الظنّ.

* "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"
بالطبع، كما لكلّ صفةٍ إيمانيّة وأخلاقيّة أثر على الدين والمجتمع والفرد، فإنّ لحسن الظنّ أهميّة في هذه الصعد أيضاً؛ فعندما يحسن المؤمنون الظنّ بعضهم ببعض، يساهمون في بناء صورةٍ جميلة عن الدين والشريعة في وقت تكثر فيه المحاولات لتشويه هذا الدين والعمل على إظهاره بطريقةٍ خاطئة.

إنّ الإسلام يتلطّف بالعباد والمؤمنين ويساهم في خلق جوٍّ من التفاهم والوئام والمحبة بينهم. وكل ذلك ينعكس على المجتمع المؤمن ليصير مجتمع خير، لا يشجّع على الشر أو البغض بين أبنائه

عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم "إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق"(5)، متابعاً أنّ حسن الظنّ من أهم مكارم الأخلاق، أمّا سوء الظن بالآخرين فيترتَّب عليه ضررٌ على المجتمع والفرد. وهذا ما أدرجه فضيلته ضمن الآثار المترتّبة على سوء الظنّ بالآخرين؛ فعنما يسيء المؤمن الظنّ بأخيه قد يؤدّي به إلى القيام بتصرّفات تؤذي الشخص المقابل وقد تسيء إلى سمعته بين الناس وتشهّر به، وكل هذا ليس مبنياً على وقائع ملموسة، بل هو فقط من باب التكهّن المغلّف بإطار إساءة الظنّ.

من يريد اكتساب فضيلة حسن الظن عليه:
أولاً: ترويض نفسه وتعويدها على الثقة بالآخرين. وهذا يتطلّب من الإنسان أن يكون صادقاً مع ذاته ومع ربّه، وصادقاً في أقواله وتصرفاته، قبل أن يحكم على الآخرين، والتصرّف معهم دائماً في إطار الصدق والنزاهة.

ثانياً: عليه الامتثال للأمر الإلهيّ بوجوب حسن الظن بالمؤمنين وعدم إساءة الظنّ. فعندما يفهم الفرد المؤمن طبيعة هذا الأمر ويقتنع به ويسعى لتنفيذه، إضافةً إلى سعيه لترويض نفسه وحجبها عن الإساءة، سيصل بالتأكيد إلى مرحلة حسن الظنّ بالآخرين.

ثالثاً: عدم التسرّع في الحكم على كلامهم وتصرّفاتهم حتّى تتبيّن له جميع الأمور.


وفي الختام، لا بدّ من إدراج نصيحة لعموم المسلمين، أنّه من المفترض الالتزام بكل ما جاء به الدين الإسلاميّ من تعاليم حتّى لو ظنّ الإنسان أنّ له الأثر السلبيّ عليه. فالمطلوب، في التعاليم الإسلامية، من حسن الظنّ التزام أوامر الله تعالى والحصول على رضوانه جلّ وعلا، إضافة إلى إظهار الوجه الجميل والخيّر للشريعة الإسلاميّة فيما يخصّ التعاطي بين المسلمين أنفسهم ومحتوى المجتمع الإسلاميّ في حدّ ذاته.

------------------------
(1) عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص228.
(2) إرشاد القلوب، الديلمي، ج1، ص110.
(3) الوافي، الكاشاني، ج5، ص984.
(4) الحدائق الناضرة، البحراني، ج18، ص312.
(5) مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص8.