ذُكرت (لا أقسم) ثماني مرات في القرآن الكريم، فما الفائدة من النفي، وما الفرق بين هذا القسم بالنفي والقسم بالاثبات كأن يقال : أقسم بـ ؟
ماهر أبو كريم قاسم

وردت اجتهادات كثيرة في كتب التفسير، أذكر منها:
* لا- زائدة مع التوكيد لنفي الجواب، ففي آية {لا أقسم بيوم القيامة}- القيامة، 1- فإن التقدير بعد القسم في هذه السورة- (لا يُتركون سدى).
قال الأخفش: أي أقسم، لأنه قال: "بهذا البلد" وقد أقسم به في قوله: {وهذا البلد الأمين}- التين، 3، فكيف يجحد القسم به وقد أقسم به.
يعضد ذلك أن (لا) قد تقع زائدة في كلام العرب، قال الشاعر:
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة *** وكاد صميم القلب لا يتقطع
أي يتقطع.
ذهب معظم المفسرين إلى أنها زائدة لمجرد تقوية الكلام وتوكيده، فـ (لا) الزائدة وردت في مواقع أخرى في اللغة، فقد وردت في قوله تعالى:{ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني}- طه، 93، والمعنى "أن تتبعني"، وقوله: {لئلا يعلم أهل الكتاب}- الحديد، 29- والمعنى ليعلم،
وقوله: {فلا وربك لا يؤمنون}-النساء، 65- فالحرف (لا) زائد.

...
* هناك من قرأ الآية "لأقسم"، فقد قرأ الحسن والأعمش وابن كثير (لأقسم) من غير ألف بعد اللام إثباتًا. قال الفراء: "وكان من .... يقرأ لأقسم بغير ألف- كأنها لام تأكيد دخلت على "أقسم"، وهو صواب، لأن العرب تقول: لأقسم بالله بيوم القيامة- أي بيوم يقوم الناس فيه لربهم، ولله- عز وجل- أن يقسم بما شاء.
نقل عن الحسن أنه قرأ "لأقسم" على أن اللام للابتداء، وجملة أقسم خبر مبتدأ محذوف، معناه: لأنا أقسم، ويعضده أنه في مصحف عثمان بغير ألف.
وطعن أبو عبيدة في هذه القراءة، وقال: لو كان المراد هذا لقال: لأقسمن، لأن العرب لا تقول: لأفعل كذا، وإنما يقولون: لأفعلن كذا. (لا يقبل بطعنه هذا النحويون الكوفيون).
..
* لا - رد لكلام قد مضى، على سورة أخرى نوقشت فيها مسألة ما، فالقرآن كل واحد، فهنا النفي لكلام المشركين الذين كانوا ينكرون الجنة والنار، ثم ابتدئ القسم ، فقيل: أقسم بيوم القيامة، ألا ترى أنك تقول مبتدئا: والله إن الرسول لحق، وإذا قلت: لا، والله إن الرسول لحق، فكأنك أكذبت قوما أنكروه .
مثال ذلك استمرارية امرئ القيس مع من حاوره:
فلا وأبيكِ ابنةَ العامرِ *** يِّ لا يدَّعي القومُ أني أفِرّْ

* ليست بنفي القسم، وإنما هي كقول العرب بمعنى "ألا" للاستهلال:
لا والله لا فعلت كذا، و لا والله لأفعلن كذا.


...
* حرف نفي بمعنى النفي: "لا" ههنا لنفي القسم، كأنه قال في سورة القيامة: لا أقسم عليكم بذلك اليوم وتلك النفس، ولكني أسألك غير مقسم أتحسب أنا لا نجمع عظامك إذا تفرقت بالموت، فإن كنت تحسب ذلك فاعلم أنا قادرون على أن نفعل ذلك.
وصيغة (لا أقسم) صيغة قسم، أدخل حرف النفي على فعل (أقسم) لقصد المبالغة في تحقيق حرمة المقسم به بحيث يوهم للسامع أن المتكلم يهم أن يقسم به ثم يترك القسم مخافة الحنث بالمقسم به فيقول: لا أقسم به، أي ولا أقسم بأعز منه عندي، وذلك كناية عن تأكيد القسم. وفيه نوع من تأكيد المدح بما يشبه الذم.
..

* أن يكون الغرض منه الاستفهام على سبيل الإنكار، والتقدير: ألا أقسم بيوم القيامة؟
ألا أقسم بالخنّس؟
..
* التعظيم: لا أقسم بهذه الأشياء على إثبات هذا المطلوب، فإن هذا المطلوب أعظم وأجل من أن يقسم عليه بهذه الأشياء، ويكون الغرض من هذا الكلام تعظيم المقسم عليه وتفخيم شأنه.
"والوجه أن يقال: هي للنفي، والمعنى في ذلك: أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظامًا له يدلك عليه قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}- فكأنه بإدخال حرف النفي يقول: إن إعظامي له بإقسامي به كـ لا إعظام، يعني أنه يستأهل فوق ذلك.
..

من قراءاتي لعشرات كتب التفسير أراني أعجبت بالتفسير الأخير، مع أن معظم المفسرين قالوا بزيادة (لا) للتوكيد، وهو الأشيع، مع أننا لا نقيس عليه في لغتنا اليوم.
..

فما رأيك أنت؟ أي التفاسير أقرب إليك؟