هذا الصباح الباكر ومع اطلالة ملاك الرحمة تذكرتك يا حبيبتي و معها تذكرت البيت الشعري القديم :
ولقد لمحتك والرماح نواهل مني
وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لانها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
ان بياض السرير والجدران والاسرة في هذا المستشفى البالغ الاناقة والتعقيم والنظافة يذكرني بك يوميا ، و يطير بي الى بغداد المدينة التي مزقها الارهاب ودمر مبانيها و حطم الكثير من اركانها ، لكنه عجز عن سرقة طيبة اهلها و نكهة ظفائرها وتنوع الدماء في عروقها ، وانت جزء من هذا التنوع .
واذ تذكرتك اليوم فقد استحضرت كما هائلا من تعابير الحب الساخنة التي قرأتها ل(نزار قباني) و (غادة السمان) و لشمس الرواية العـــــــــــربية (احلام مستغانمي) ولا سيما في منجزها الاخير (عليك اللهفة ) واستحضرت كل رومانسيات الشعر التي حفظتها .
لكنني اليوم قررت ان اسرد ، وان اترك الشعر ولو الى حين ففيضان الكلمات و نزف التعابير و احتشاد الجمل في الذاكرة حتم علي اللجوء الى الخطاب النثري اليوم ربما لأ في بالغرض تماما .
والحق انني في عجلة من امري لأن الممرضة تمسك بيدي الى جلسة الاشعة التي تتكرر كل يوم .
بغداد حلوة لأنك فيها ، هذا عنوان قصيدة لي كتبتها ذات يوم عنك وسميتك ماء ســـــواقيها و ضوء نهاراتها و سحر لياليها و قصة الحب التي تتواصل في زوايا هذه المدينة التي تنام على دجلة منذ الازل .
واليوم اذ اوجه اليك هذا الخطاب فلا حاجة للتسمية وان كان البعض سماك شمس بغداد او شجرة الرمان او نرجس كوردستان او غابة الشموع او بحر العطر والطيب والحناء ، اما انا فلن اسميك لأنك اصلا العطر الذي يسيل على جسدي ويفضحني بين الناس فما الحاجة لاعلان الاسم اذن ؟.
سبحان الله كم انا محظوظ بك فحضورك الاخضر الافتراضي كل صباح مع المصل و الابرة والحبوب المسكنة للالام و انبوب المغذي يكاد يمحو اثار المرض و يزرع الامل والتفاؤل بين جوانحي … ولعل كل مريض يتمنى ان يكون له ولو جزء يسير من هذا الحظ الوافر .
وربما تقولين وما العجب في ذلك فاحيلك الى جبل من الكتابات التي تؤكد ان الحب بما له من سحر وقوة وعطاء يجعل اعمق الجراحات تندمل واخطر الامراض تختفي وتعالج .
لذلك فأنني كل يوم اثنين اطير افتراضيا الى بغداد مع الطائرة و قلبي يرقص فرحا لموعد لا بد ان يحين ذات يوم نلتقي فيه مجددا على الرحب والسعة ونتبادل احاديث الهوى والحب ونزور معا قلب بغداد النابض شارع المتنبي و مقهى الشابندر الذي سميته بحق ذات يوم في احد مقالاتي ( وزارة ثقافة الظل ) .
هذا اليوم وكل يوم سنكون على موعد عبر الهاتف مرارا وتكرارا لنستعيد شيئا مما قلناه وكتبناه و ثرثرنا حوله ساعات طويلة ، ونتكلم عن احوال بغداد بدوني وكيف حال الشوارع التي زرعنا على اطرافها وشم الحب .
ومع هذه الاستعادة ينطفيء رويدا رويدا نار الالم داخلي و المرض يخف عن كاهلي ، لأن الحب بذاته كما يقول الشعراء افضل وصفة دواء في تاريخ الطب البشري .
لن اطيل الخطاب اليك يا حبيبتي فالحب علمني انه الموجز المختصر المكثف العاصف المختزل الذي يهرب من الشرح الطويل والاستفاضة ، فيكفي ان اقول احبك ليفهم كل من حولي ماذا اعني .. سأردد في الختام مطلع اغنية وديع الصافي (الحب هالحرفين مش اكثر .. بيعمرو الدنيا واكثر).