امرأة عجوز صغيرة الحجم ، تعيش وحدها فى منزل كبير ، وكانت مشغولة دائما بالعمل فى هذا المنزل ، تنظفه وتفتح نوافذه الوسيعة لتدخل إليه أشعة الشمس والهواء النقى ، وتقوم بتربية الدجاج والبط والأوز فى فناء هذا المنزل ، كان الاسم المعروف لهذه المرأة العجوز الصغيرة الحجم هو " الجدة سعيدة " كل من فى شارعنا من الصغار والكبار ، والأطفال والرجال، والفتيات والنساء ينادونها بالجدة سعيدة ، ولم تكن فى الحقيقة جدة لأحد .
وقلما كانت الجدة سعيدة تخرج من هذا المنزل الكبير ، لأنها كانت دائما مشغولة بالعمل ، فكانت تبيع البيض والدجاج والبط ، فيذهب إليها الكبار من الرجال والنساء ، وكانوا يعودون وهم مسرورون لأنهم وجدوا ما يطلبونه ، أما نحن الصغار فكنا نذهب إليها لشراء حلوى الشام والكرملة واللب والعسلية وغيرها من الأشياء التى تضعها فوق منضدة صغيرة أمام المنزل وتجلس وراءها وهى تقص بمقص كبير البرسيم والحشائش لطيورها .
ذات يوم مرضت الجدة سعيدة مرضا أقعدها داخل المنزل ، فلم تفتح النوافذ و لم تخرج الدجاجات و البط إلى الفناء ، و لم نر المنضدة الصغيرة أمام المنزل . افتقدنا الجدة ، و كنا نحن الصغار أول من افتقدها ,
ذهبت أمى إلى منزل الجدة سعيدة وعرضت عليها المساعدة و إحضار طبيبا لها ، ولكنها رفضت بشدة . وعندما عاد أبى من عمله البعيد بعد يومين، عرف بمرض الجدة .
فقال لأمى :
- هل زارها الطبيب ؟ و هل أخذت علاجاً ما ؟
فردت أمى فى أسى و حزن :
- الجدة السعيدة ترفض زيارة الطبيب ... و تفرض كذلك أن تأخذ أية أدوية .
فقال أبى :
- و ما العمل ؟
فقالت أمى :
- لقد حاولنا أن نقنعها بالذهاب إلى المستشفى أو أن نأتى لها بطبيب فرفضت ، لكنها تمضغ بعض الأعشاب و تغلى بعضها فى الماء و تشربها .
كنت حزيناً لمرض الجدة السعيدة ، فقلت لأبى :
- لابد من عمل شيء للجدة السعيدة .. أنا أحب الجدة السعيدة .
ضحك أبى وقال :
- هل وحشك البيض البلدى أم حلوى الشام ؟
ثم ربت على كتفى وأضاف :
- تعالى معى نزور الجدة السعيدة ، و سأقنعها بأخذ الدواء .
خرجت فى إثر أبى وأنا فى غاية السرور إلى منزل الجدة سعيدة ، لأننا سنساعدها، ونجعلها تعود صحيحة قوية ونشيطة ، وعندما وصلنا الى منزل الجدة سعيدة فوجئنا بهاتستقبلنا مرحبة وكانت نشيطة مثل فتاة صغيرة وكان المنزل الكبير يعج بالحركة فسمعنا صياح الدجاج ، والبط والأوز فى الفناء الخلفى .
ابتسم أبى وقال :
- حمداً لله على سلامتك يا جدة .
وقلت أنا أيضاً :
- حمداً لله على سلامتك يا جدة سعيدة .
شكرتنا الجدة سعيدة ، وأصرت أن ندخل المنزل ، فدخلنا ، وجلسنا فوق كنبة نظيفة فى مدخل المنزل وسرعان ما جاءت الجدة سعيدة بالشاى لأبى وبحلوى الشام لى ، وضحكت وهى تقدمها لى قائلة :
- هذه من غير نقود .
- هل الأعشاب دواء جيد يا أبى ؟
فقال :
- نعم. لقد كان النبى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يعالج نفسه وبعض الصحابة مستخدماً بعض الأعشاب ، يمضغها المريض أو يغليها بالماء و يشرب هذا الماء .
ثم أضاف :
- وليس معنى ذلك يا حسام أن نرفض الأدوية التى يضفها الأطباء، لأن هناك أمراضاً تحتاج إلى هذه الأدوية ، و قد تحتاج بعض الأمراض إلى جراحة و متابعة دقيقة من الطبيب .
ابتسمت و قلت لأبى :
- الجدة السعيدة لا تحتاج إلى متابعة الأطباء .. إنها مثل الطبيب .
ابتسم أبى و قال :
- الجدة السعيدة تحافظ على صحتها،عملاً بالحكمة القائلة " الوقاية خير من العلاج "
عند ذلك افترقنا أنا و أبى، عدت أنا إلى المنزل لأخبر أمى بشفاء الجدة السعيدة ، بينما تركنى أبى لزيارة أحد أصدقائه ، لأنه مريض ، و يحتاج إلى طبيب ، نسيت أن أقول أن أبى يعمل طبيباً .