يوم الرجيع
قال الشيخ: سأحدثكم اليوم يا أولاد عن قصة تبين مدى غدر المشرکین والكفار وحقدهم على الإسلام والمسلمين في كل وقت وحين… وهذه القصة تسمى في كتب السيرة بيوم الرجيع، وسميت بيوم الرجيع لأن المكان الذي غدر فيه المشركون بالمسلمين كان عند منطقة فيها مياه وآبار وكانت تسمى بالرجيع وكانت هذه الحادثة بعد غزوة أحد مباشرة في السنة الثالثة من الهجرة.
وأما عن أحداثها: فبعد انتهاء غزوة أحد، قدم عدد من الرجال من قبيلتي «عضل، والقارة»، ادعوا الإسلام، وقالوا: يا رسول الله: إن فينا إسلاما، ونريد أن تبعث ويقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم عددا من الصحابة كان عددهم ستة، أو أكثر من ذلك وهم: مرثد بن أبي مرشد، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبدالله بن طارق رضي الله عنهم جميعا، وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم مرثد بن أبي مرثد أميرا عليهم.ولما وصلوا إلى هذا المكان الذي يسمى بالرجيع، أحس الصحابة بعلامات الغدر والخيانة تبدو على هؤلاء الناس، فقد رفعوا سيوفهم في وجه الصحابة، ولما وجد الصحابة ذلك أخذوا سيوفهم ليدافعوا عن أنفسهم، فقالوا للصحابة: إنا لا نريد أن نقتلكم، ولكن نريد أن نسلمكم إلى قریش ولكم منا عهد ألا نقتلكم أو نؤذيکم فقال مرفد بن أبي مرثد، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت: والله لا نقيل من مشرك عهد ولا عقد أبدا ولكننا سنقاتلهم حتى يقتل، وفعلا قتل هؤلاء الثلاثة بعد أن قتلوا عددا من المشركين .
ولما قتل عاصم بن ثابت أرادوا أن يأخذوه ليبيعوا جثته لامرأة من أهل مكة كان عاصم قد قتل ابنيها في غزوة أحد، وتريد أن تنتقم منه، وكانت قد قالت: لئن قدرت على عاصم الأشرين في رأسه الخمر، ولكن الله تعالى حفظ عاصم بن ثابت من أيدي المشرکین، لأنه كان قد أعطى الله عهد ألا يمس مشركا ولا يمسه مشرك، لأن المشركين نجس، وعندما أرادوا أن يأخذوا جثته وجدوا عندها نحلا ودبابير، كثيرة، فلم يستطيعوا أن يصلوا إلى جثته، فقالوا لأنفسهم اتركوه حتى إذا أتي الليل ذهبت هذه الأشياء عن جثته، فلما أتوا في الليل لم يجدوا الجثة نهائياً ولذلك لقب عاصم بن ثابت بحمي الدبر وحفظه الله تعالي من ايدي المشركين .
واما الثلاثة الباقون هم زيد بن الدثنه وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق، فسلموا أنفسهم لهم فقدوا أيديهم وأخذوهم إلى مكة ليبيعوهم، وفي الطريق انتزع عبدالله بن طارق يده من القيد، وفر منهم لكنهم لحقوا به وقتلوه، وبقي زيد بن الدثنة، وخبيب بن عدي، فقد أخذوهما وباعوهما في مكة ليقتلوهما، ولما أحضروا زید بن الدثنة ليقتل، قال له أبوسفیان بن حرب: أتحب أن يكون محمد مكانك الآن نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ فقال لهم: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأتي جالس في اهلي فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا، ثم قتلوه قاتلهم الله .
وأما خبيب بن عدي فقد حبسوه في أحد البيوت، فكان يأتيه رزق من الله تعالى، فقد كان الناس يرون عنده العنب وليس في الأرض عنبا يؤكل ولما ذهب إليه أحد الأطفال خافت أم الطفل أن يأخذه رهينة حتى يتركوه ولكن خبيبة لم يفعل بالطفل أي أذي بل تركه يعود إلى أمه، ثم خرجوا به ليصلبوه، ولكنه قبل أن يقتل قال لهم: اتركوني حتى اصلي ركعتين فصلى ركعتين أتهمهما وأحسنهما ثم أقبل عليهم وقال لهم: لولا أن تظنوا أني اطلت في الصلاة خوفاً من القتل لأكثرت من الصلاة فكان خبيب بن عدي أول من سن ركعتين عند القتل للمسلمين ثم رفعوه علي خشبة فلما أوثقوه قال : اللهم انا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يصنع بنا، ثم دعا عليهم وقال : اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً اي متفرقين ولا تغادر منهم احداً، ثم قتلوه .وظل موقف قتل خبيب بن عدي عالقاً في اذهان بعض الصحابة الذين حضروا قتله قبل دخولهم في الاسلام، فكان معاوية بن ابي سفيان يقول: حضرته يومئذ فيمن حضره، فكان أبوسفیان بلقيني إلى الأرض خوفا من دعوة خبيب، وكانوا يعتقدون أن الرجل إذا دعي عليه وألقي إلى الأرض لم تصبه الدعوة وكذلك صحابي آخر كان يسمى سعید بن عامر ولاد عمر بن الخطاب على بعض الشام، فكان يغمى عليه وهو بين الناس فاشتكى الناس إلى عمر بن الخطاب، فلما سأله عن السيب قال: لقد كنت فيمن حضر مقتل خبیب بن عدي حين قتل وسمعت، دعوته فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي على ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم باستشهاد هؤلاء الصحابة وصحابة آخرين قتلوا في حادثة أخرى مثلها حزن عليهم حزنا شديدا، وتأسف الغدر وخيانة المشرکین وظل يدعو على المشركين الخائنين شهرا كاملا في الصلاة.
وهكذا يتبين أن المسلمين دعاة سلام وأمان في كل وقت وحين، وأما المشركون فهم الذين يبدأون بالغدر والخيانة دائماً.