ساعدت ريمة أمها في تنظيف المنزل، ثم جلست أمام النافذة لتأخذ قسطا من الراحة، فأعجبها منظر بعض الغيوم البيضاء وهي تسير على مهل ، تنهدت ريمة : آه ليتني كنت غيمة أطوف الأرجاء ، وأقضي العمر في التجول من بلد
لآخر، فلا واجبات أسرية ولا دروس مدرسية، ولا بيت ينتظر التنظيف والترتيب كل يوم، ما أجمل الحياة بلا مسؤوليات
ولا أعمال ، وما أحلى الكسل وراحة البال.
سمعت كلامها العصفورة وأعادته على مسامع
الغيمة، نزلت غيمة بيضاء صغيرة إلى غاية النافذة وخاطبت ريمة: ما رأيك أن أحقق لك أمنيتك وتذهبي معي في رحلة قصيرة.
ريمة: هل انا في حلم أم حقيقة ، غيمة تدعوني في رحلة ؟.
الغيمة: هذه حقيقة يا صغيرتي، إصعدي على ظهري
وإلا غيرت رأيي.
قفزت ريمة والغبطة تملأ قلبها، وإرتفعت بها على مهل إلى أعالي السماء، إنبهرت رمة لجمال المدينة ، والمناظر الطبيعية الرائعة، فكانت تستلقي على بطنها تارة وعلى ظهرها تارة أخرى، وتطل فتدلي برأسها حتى تكاد تسقط ، ولكن الغيمة كانت محيطة بها جيداً، فكانت تتشكل على هيئة طائرة
حينا وعلى شكل سيارة حينا آخر.
لم تصدق ريمة ما يحصل معها لقد حققت أجمل أمنية
في حياتها، وبعد مدة قصيرة دار بينهما حديث شيق.
الغيمة: هل أنت مسرورة الآن يا ريمة؟.
ريمة: لم أكن مسرورة في حياتي مثل اليوم ، ليته يطول ولا ينتهي أبداً، هذه هي الحياة التي أريدها، حياة الراحة والإستمتاع.
إستغربت الغيمة : كنت أظن أن البشر ينعمون بهذه الحياة فأنا أراهم يعملون لفترات قصيرة من النهار، ثم يركنون
إلى الراحة، وإذا حل الظلام فهم يلجؤون إلى النوم، فلكم تمنيت لو أنني خلقت بشراً، حياتكم منظمة ورائعة، عمل قليل
وراحة كثيرة.
إستغربت ريمة من هذا الكلام وردت قائلة: إن والدي يعمل طول النهار ، وأمي تعمل ممرضة، وهذه المهنة متعبة جداً وعند عودتها إلى المنزل فهي تعد الطعام وتغسل الأواني وترتب الأغراض وتعتني بنا من جميع النواحي ، بلباسنا ونظافتنا وكل ما يلزمنا، أما أنا فأدرس وأساعدها في أعمال البيت ، وعندما أكبر واحصل على وظيفة فإنني أعلم
ما ينتظرني من كد وجهد داخل البيت وخارجه، ألا يكفي
كل هذا لاكره حياة البشر؟ ، فكلها عمل مستمر وواجبات إجتماعية زمسؤوليات جمة، أنا أفضل حياة الغيوم لأنها أفضل من حياة جميع المخلوقات، لا كد ولا جهد سوى الترحال والتجوال.
إبتسمت الغيمة: آه أنت تظنين أننا في حالة خمول وأننا نمرح ونتجول في السماء أليس كذلك؟.
رمية: وماذا إذاً أليست هذه هي حياتكم ؟ كلها لعب ولهو.
الغيمة: إنا لنا أعمال كثيرة لا تحصى ومنها أننا نحافظ على توفير الماء فهو سبب الوجود، ولكن دعيني آخذك
إلى البلدة المجاورة لتشاهدي بنفسك ماذا يحصل، وإنطلقت
بها مسرعة، فرأت ريمة مجموعة من الغيوم الرمادية وأخرى سوداء تتجه إلى مكان واحد وتتجمع ، فتسائلت ريمة لم لونها قاتم هكذا وهي متثاقلة وكأنها تحمل شيأ ما داخلها، وهبت رياح فشعرت ريمة بالبرد وبدأت تحاول تدفئة نفسها، تجمعت الغيوم وإتحدت بفعل الرياح الباردة وصارت غيمة كبيرة غطت سماء تلك البلدة، أخفت ريمة جزعها من تلك الغيوم فهي مخيفة
وما هي إلا لحظات حتى بدات المطار تهطل بغزارة.
ريمة: فهمت الآن لقد كانت محملة بقطرات المطر.
فجأة لمع البرق ، ودوى الرعد بقوة، فإرتعبت ريمة وكادت تسقط، وإنفجرت تبكي وتصرخ وهي تغلق أذنيها: لنبتعد من هنا ، أنا خائفة جداً، أرجوك ، لا أتحمل سماع هزيم الرعد كما انني لا احب رؤسة الغيوم الرمادية
إبتعدت الغيمة: ولكن بياضي لا يدوم طويلا فعملي يتطلب جمل المطر وتحمل ذرات الغبار الذي يصعد إلينا من الأرض
ريمة: كنت أظن أن هطول الأمطار عملية سهلة لا تحتاج إلى كل هذه الجهود، فبفضلكم ترتوي الأرض وينبت
الزرع، وتمتلأ السدود بالمياه العذبة، وهذا كله ونحن نستمتع بالغيث دون أن نقوم باي جهد يذكر
الغيمة: انت لم تري شيأ بعد ، تعالي سوف آخذك
حيث تكون مهمتنا صعبة عند هطول الثلوج
ريمة: خائفة لا لا لا، ارجوك لقد فهمت الدرس ولا أريد أتحول إلى قطعة جليدية، يكفي ما رأيت بعيني ، انا أعترف أن حياتكم مليئة بالصعاب، وكلها عمل دؤوب ومتواصل
الغيمة: ولكنك لم تري الأصعب حتى الآن.
ريمة: وماذا هناك؟
الغيمة: مهمتنا الأصعب عندما تكون هناك عواصف ثلجية وتستمر لأيام، أجل تلك ايام صعبة على جميع الكائنات
حتى علينا نحن، وما غن تنتهي حتى نشعر بالهدوء والسكينة
ريمة: لقد كنت محقة أيتها الغيمة، يبدو أن حياة البشر
هي الأنعم والأسهل من حياتكم، وأنا التي كنت اتذمر دائما
من فعل أشياء بسيطة، لقد كنت مخطئة.
أحست ريمة بدوار فطلبت من الغيمة إعادتها إلى منزلها وشكرتها على هذه الرحلة المميزة وعلى أنها نورت عقلها الصغير بمفاهيم جديدة وكبيرة لم تكن تعرفها من قبل، وودعتها الغيمة قائلة:
أنا ذاهبة إلى مكان بعيد من هذا العالم الواسع حيث ستهطل الأمطار بكميات كبيرة وعلي التواجد والإنضمام
إلى الغيوم الأخرى هناك، الوداع ياصديقتي وإستمتعي
بحياتك، وإرتفعت إلى السماء وريمة تلوح لها بيدها والإبتسامة مرتسمة على محياها، ومنذ ذلك الحين تبدلت حياة
ريمة فأصبحت نشيطة وتحب القيام بواجباتها المدرسية ومساعدة والديها بكل سرور، وأحست بالرضى يملأ
قلبها وإقتنعت أن حياة البشر هي الأفضل من حياة
جميع الكائنات.