لقد كانت كتابات الدكتور علي الوردي عن الشخصية العراقية تشكل طفره مهمة كشفت موطن الاشكال والخلل في هذه الشخصية التي غالبا ما توصف بأنها "زئبقية " والذي عبر عنه الدكتور الوردي بأنه " صراع الحضارة والبداوة" حيث أكد ان الشخصية العراقية ضلت تتأرجح بين ماضيها البدوي بكل قيمة وعاداته وتقاليدة "السلبية والايجابية " وبين حاضرها الحضري الذي لم تتمكن من التاقلم معه على نحو كاف والاندماج فية ... فضل الفرد العراقي يرتكز على قيم وعادات بدوية من جهه رغم انه يعيش في زمن مختلف وقيم وعادات تختلف عن القيم البدوية من حيث سيادة القانون وعدم اعطاء افضلية للعشيرة او من يرتبط معنا برابطة الدم !

والسمه الثانية البارزة التي اشار اليها الوردي هي ضعف نزعة التدين لدى العراقيين مع تعاظم النزعة الطائفية ، فالعراقي ربما لا يلتزم بالدين بمعناه ومفهومة الواسع ولكنة يبرز نزعتة الطائفية المعادية للاخرين ...

لقد مرت عقود عديدة على كتابات الوردي وحدثت حروب وحصار وما تلاه من احتلال وصراعات كلها عصفت بالشخصية العراقية وقذفت بها في مهاوي سحيقة ، ونتيجة لهذه الكوارث قد تنامت العقد في هذه الشخصية فضلا عن كونها ادت في نهاية المطاف الى ضعف الانتماء الوطني ونشاط الولاء الطائفي والمذهبي والعنصري القومي ...

وفي المحصلة النهائية ، ويبدوا ان الصراع قد انتهى للبداوة التي انتصرت على الحضارة وسحقتها ...

مع اني اتحفظ على استخدام الوردي لمصطلح البداوه لان البداوة بذاتها لا تعني شرا مطلقا ، وأفضل استخدام مصطلح تيار الجهل ... فتيار الجهل قد عصف ببقايا الحياة المدنية والحضارية في العراق وقضى عليها ...

والامر الاهم ان الواقع البائس في عراق اليوم وفي كل المجالات لم يكن نتيجة سياسي فاسد او حزب وجهه معينه بل انه نتيجة لتردي واقع شعب فقد حسه الوطني ووضع الانتماءات الفرعية فوق انتمائه الوطني فاضحى يقاسي المرار ... والحقيقة المره ان افراد المجتمع اصبحوا شركاء في صناعة هذا الواقع ، فالفساد المالي والاداري مثلا لم يتوقف عند المراكز السياسية والادارية فقط بل امتد الى اصغر الدوائر وادناها ...

وان يكن ثمه امل فانه موجود لدى دعاة المدنية والليبرالية الحقيقيين ، لان الليبرالية التي ترتكز على اعطاء حرية التعبير لكل الافراد واحترام حقوقهم هي الحل الامثل الذي يحتاجة بلد متعدد الاديان والطوائف والمذاهب كالعراق ...