تتعدد الروايات في اصل (كذبة نيسان)..فالرواية العربية،وفقا للصديق الدكتور هاني الحديثي،ترى ان مصدرها يعود الى سقوط الأندلس حين فر المسلمون الى أعالي الجبال مختبئين بها من جيوش الإسبانفتم إيصال كذبة لهم ان السفن المغربية ترسو على شواطىء البحر لنقلهم،وصدّقهؤلاء فنزلوا الى السواحل وهناك كانت الجيوش بانتظارهم لتوقع اكبر مجزرةبالتاريخ بحقهم يوم واحد نيسان..وشاعت هكذا وصرنا نمارسها عن دون قصد. فيما يرى باحثون اجانب انها تعود إلى القرون الوسطى حين كان شهر نيسان (أبريل )في تلك الفترة وقت الشفاعة للمجانين وضعاف العقول فيطلق سراحهم في أول الشهر ويصلّي العقلاء من أجلهم،فنشأ عيد باسمهم (عيد جميع المجانين) أسوة بالعيد المشهور باسم عيد جميع القديسين. غير ان اكثر الروايات شيوعا ترى ان (الكذبة) بدأت في فرنسا بعد تبني التقويم المعدّل الذي وضعه شارل التاسع (1564) بوصفها اول دولة تعمل بهذا التقويم حيث كان الاحتفال بعيد رأس السنة يبدأ في 21 آذار وينتهي في الاول من ابريل- نيسان،وعندما تحول عيد رأس السنة الى الأول من كانون الثاني ظل بعض الناس يحتفلون به في الاول من نيسان كالعادة.ويرى باحثون آخرون ان (كذبة نيسان) تقليد اوربي قائم على المزاح باطلاق الشائعات او الاكاذيب،لأن فصل الربيع يبدأ في نيسان ومع الربيع يحلو للناس المداعبة والمرح..فاستلطفوها وصارت عادة المزاح مع الأصدقاء وذوي القربى في ذلك اليوم رائجة في فرنسا ومنها انتشرت إلى البلدان الأوربية..وصار الكذب فيها مباحا في هذا اليوم لدى شعوبها باستثناء الشعبين الاسباني لكونه يوما مقدسا دينيا،والألماني لأنه يوافق يوم ميلاد الزعيم الألماني (بسمارك). وفي بريطانيا،وشعبها من اشهر شعوب العالم كذبا في اول نيسان،حمل البريد عام (1860) إلى مئات من سكان لندن بطاقات مختومة بأختام مزورة تحمل دعوة إلى مشاهدة الحفلة السنوية "لغسل الأسود البيض" في برج لندن فسارع جمهور غفير من السذج إلى برج لندن لمشاهدة الحفلة المزعومة. في العراق ،كنا تابعنا كذبة نيسان في عام 2016 فوجدنا انها كانت تكشف عن حاجات ودوافع سيكولوجية تعبر عن شخصية الفرد العراقي..بعضها مقالب طريفة لاسيما بين أصدقاء شباب (ينصبون) على احدهم،غالبا ما تكون عاطفية كأن يقلد احدهم صوت فتاة تبدي له اعجابها به وولعها فيه..فيصدّق،ويطلب منها اللقاء،فيأتي الى المكان الذي فيه من حاكوا له المقلب!.وتوزعت اغلب (كذبات نيسان) العراقية حينذاك بين مقالب تحمل اخبارا مفزعة (شدّ حيلك اخي..ترى الوالد انطاك عمره،او..اخوك..دعمته سيارة وأخذوه للمستشفى،او اسرع يمعود...ترى صار حريق بمنطقتكم...)،وأخرى سياسية تحمل ايضا خبر موت من يكرهون،او مفارقات لا تحصل مهما يكون!. في هذا العام (2018) ذكرت ( الرشيد نيوز) ان أبرز ما تداوله العراقيون في هذا اليوم (1 نيسان): (خبر زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى طهران، عقب تظاهرات شهدتها بغداد ضد زيارة ابن سلمان إلى العاصمة.بينما كتب الأستاذ في علم النفس قاسم حسين صالح، في هذا اليوم أن محطة CNN العالمية نشرت خبراً عاجلاً ينص على إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا للسفارة الأميركية في بغداد برفع الكتل الكونكريتية المحيطة بالمنطقة الخضراء.
ولم تخل مشاركة العراقيين في (كذبة نيسان) من الطرفات، بينها ان صاحب مكتبة ودار نشر المعقدين فارس الكامل، نشر على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك، رسالة درامية محبوكة عن خبر اعتزاله مهنة النشر وبيع الكتب، ذيلها باعتذار إلى أصدقائه ممن قرأوا الرسالة لأنها "كذبة نيسان"). وما لا ينتبه له كثيرون أن نيسان كذب على العراقيين كثيرا بدءا من عام 2003(مستثنين ميلاد الرئيس القائد في 28 نيسان)، فحين تم تشكيل مجلس الحكم،ظن العراقيون ان هؤلاء السياسيين سيعملون لخدمة العراق،وانكشفت الكذبة بعد سنة في كتاب بريمر (عام في العراق) بقوله ان الشيعة جاءوا يطالبون بحقوقهم وكذا فعل السنّة والكورد،ولم يطالب احد بحقوق العراقيين. ومن كذبات نيسان في نسختها العراقية أن قادة اغلبية الاحزاب في العراق يصفون احزابهم بانها سياسية فيما هي تنظيمات دينية مذهبية واثنية لا تمتلك برامج وطنية بقدر ما تهمها مصالحها لدرجة ان المحاصصة عندنا كسرت الرقم القياسي في عدد الوزارات بين بلدان العالم قياسا بعدد السكان ليتقاسموا فيما بينهم ثروة البلد عبر حكومات ما شهد العراق في تاريخه افسد وأفشل منها. ومن كذبات نيسان العراقية تأكيد النائب علي العلاق في مداخلته بجلسة البرلمان (الاثنين 28 آذار 2016) بأن" السيد العبادي مستعد ان يعلن غدا حكومة تكنوقراط مستقله ان وافقت الكتل السياسية"،وعلقنا في حينه بان تشكيل كابينة جديدة مطعمة بتكنوقراط..ممكن..لكن ان يقال ان المحاصصة انتهت في العراق بأمان..فتلك اقوى كذبات الأول من نيسان! ومن كذبات نيسان هذا العام رفع شعار (الأغلبية السياسية للقضاء على المحاصصة والطائفية) فيما اثبتت الأحداث بانه لا يمكن لزعيم طائفي ان يكون ديمقراطيا لأنه يؤمن ان طائفته فوق الجميع وان مرجعيته لها تعلو على مرجعيته للناس والوطن. على ان اقبح واوجع هذه الكذبات في نسختها العراقية يوم هزج العراقيون بساحة الفردوس معتبرين التاسع من نيسان 2003، يوم ( التحرير ) تبين لهم بعدها انه كان بداية لخمس عشرة سنة من الفواجع والتدمير، قابلة للتمديد في مستقبل ليس لهم فيه حق تقرير المصير!.