منقول: مقال للمؤلف راجي نور هيفا
علي (عليه السلام) والمفكرون المسيحيون الشرقيون
المفكرون المسيحيون هم أبناء الشرق، وأبناء تاريخه وحاضره ومستقبله هم أبناء الأمة.. ولهذا كان وما زال الفكر المسيحي فكراً متفتحاً مستنيراً، لأنه فكر مدافع عن الوطن والأرض.. فكر اصيل ملتزم يبحث في اصالة هذه الأمة وفي جذورها، فيقف موقف الباحث والدارس بحيادية حينما يقوم بتحليل الأحداث الهامة في تاريخ الإسلام والمسيحيون الشرقيون أكثر منطقية من غيرهم انطلاقاً من حب البحث عن الحقيقة، تقييمهم للشخصيات الإسلامية البارزة التي لعبت دوراً مهماً في تاريخ الإنسانية.
لو اطلعنا على ما كتبه المفكر والأديب اللبناني المسيحي جبران خليل جبران عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعن الإمام الحسين الشهيد(عليه السلام) وكذلك لو اطلعنا على ما قاله الأديب اللبناني المفكر المسيحي ميخائيل نعيمة، والباحث شبلي شميل عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الذي تفرد - بنظرهما - بصفات الكمال التي لم تجتمع في أحد سواه، لا في الشرق ولا في الغرب.
ولو اطلعنا على شعر بعض الشعراء المسيحيين واستذكرنا أشعارهم من ذلك ما نظمه الأديب الشاعر عبد المسيح الأنطاكي في فضائل الإمام علي (عليه السلام) وفي خصال أهل البيت المحمدي(عليهم السلام) ودورهم في تفعيل المبادئ الرسالية والتعاليم النبوية بين عموم المسلمين..
وكذلك لو استذكرنا أشعار الأديب الملحمي بوليس سلامة، وخليل فرحات وغيرهما ممن أفرد قصائد خاصة في ديوانه أو في مؤلفاته، لعرفنا مقدار الحب والعشق الالهي الذي يحمله هؤلاء الأدباء المسيحيون لوصي رسول الاسلام علي بن ابي طالب عليه السلام .
فلقد كانت أشعار هؤلاء الشعراء وكتابات هؤلاء الأدباء مثالاً ناصعاً للنداء الصادق والصريح الموجه إلى كل مسيحيّ العالم كي يتمثلوا شخصية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكراً وعملاً لأنه هو طريق النور والخلاص وهو الهادي الحقيقي لكل إنسان إلى الخير والحق والفضيلة، فكان الإمام علي (عليه السلام) حتى بالنسبة إلى المفكرين المسيحيين أمثال: جورج جردان، جرجي زيدان، سعيد عقل، فيليب حتي انطون بارا وبوليس سلامة، وأمين الريحاني، وخليل فرحات، وأمين نخلة وغيرهم الكثير، ليس إماماً لكل مسلمٍ، بل إمام كل انسان يبحث عن خلاصه.
***********************
**الكلام عن أمير المؤمنين (عليه السلام)**
***********************
الكلام عن الإمام علي (عليه السلام) إنما هو كلام عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وهذا ما بينه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في أحاديثه النبوية الشريفة: إن الإمام علي (عليه السلام) وحدة جوهرية كلية لا تنفصم عراها أبداً، وان اهل البيت (عليهم السلام) وحدهم لا يقعون تحت أي مقياس، وليس لهم أي شبيه، وقد عبر عن ذلك رسول الله~ بقوله: (نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد) (كنز الحقائق، الحافظ الشافعي: 158)، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام):
(أنا من رسول الله كالضوء من الضوء) (نهج البلاغة، صبحي الصالح: 418).
لقد انطلق المفكر المسيحي الشرقي من دراسة التراث الإسلامي اعتماداً على الكتاب المقدس أيضاً (العهد القديم والعهد الجديد)، وتأملوا الإشارات الواضحة التي كانت تشير إلى ظهور دين جديد يكون خاتماً للرسالات السماوية وعدها المفكرون المنصفون هي نقطة الانطلاق الأولى للبحث في نشأة الإسلام وفي حقيقة الرسول الجديد القادم وفي حقيقة أهل بيته الأبرار (عليهم السلام) الذين يمثلون منار الهدى ومصابيح الدجى وسفينة نوح وباب حطة.
*********
النصارى الاوائل
*********
كان النصارى الأوائل من المحبين لرسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليه السلام)، وذلك لما بلغهم من حب عيسى المسيح (عليه السلام) لهم وتبشيره بهم، أشعار كثيرة وردت على لسان الشعراء النصارى في مدح الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وآل بيته الأطهار (عليهم السلام) منذ فجر الرسالة المحمدية.
ومن ذلك ما قاله ابن إسحاق النصراني:
عدي وتيم لا أحاول ذكرهــــم
بسوءٍ ولكني محبٌّ لهاشـــــــــــــــــمِ
وما يعتريني في علي ورهطــــه
إذا ذكروا في الله لومة لائــــــــــــمِ
يقولون ما بال النصارى تحبهم
وأهل النهى من أعربٍ وأعاجـــــــــمِ
فقلت لهم: إني لأحسب حبهـــم
سرى في قلوب الناس حتى البهائمِ
إنَّ حب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) قد سرى في الخلق جميعاً وسكنوا قلوب المؤمنين من المسلمين والنصارى، لأنهم (عليهم السلام) السر الساري في الكون جميعاً.
ولنقف على قول المفكر والأديب المسيحي (نصري سلهب) الذي يتحدث بكل صدق وتجرد عن مكانة الإمام علي (عليه السلام) وعن تفريط المسلمين بإمامهم ووليهم الذي عينه الله لهم رحمة ورأفة بهم، وسنكتشف كيف أن الكثير قد جحدوا هذه النعمة ورفضوا تلك الرحمة غير آبهين بكتاب إلهي أو بوصايا رسول سماوي كريم، وكيف أن هؤلاء آثروا الظلمة على النور ..
وكذلك فإن الأديب والفيلسوف المسيحي (جبران خليل جبران) كان يرى بروحه المسيحية وبصفاء بصيرته ونقاء سريرته أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لهو في مرتبة واحدة مع النبي (صلى الله عليه وآله) ومع كل نبي أو رسول، وكان جبران يرى في الإمام علي (عليه السلام) صورة كل نبي ورسول عذب في قومه ..
وقد ذكر الباحث المسيحي جورج جرداق في كتابه (الإمام علي صوت العدالة الإنسانية 5/27) إن الإمام (عليه السلام) قد جاء في بلد ليس ببلده وإلى قوم ليس بقومه، وفي زمن ليس بزمنه، ولكن ذلك تم وانقضى وإن لله في ذلك شأناً وهو أعلم.
**********
الادباء المعاصرون
**********
أما سليمان كتاني الأديب والباحث المسيحي المعروف فكان يرى في كتابه (الإمام علي نبراس ومتراس) أن الإمام علياً (هو ركيزة الأساس وهو بالنسبة للرسالة كل الرسالة في تأسيسها وفي طريقة المحافظة عليها، في نشرها وفي مجالات الدفاع عنها .. وأن له سلسلة من الفوت الكريمة يتجلى بها، فهو قوة وإرادة وشجاعة وبطولة وعقل ومعرفة وحق وعدالة ومثال وكمال ..) ويرى أيضاً أن دستور الحياة هو دستور الإمام علي (عليه السلام) ونهجه، لأن الدنيا برمتها ترجع إليه عند كل ساعة تشعر فيها بأنه قد غصَّ بها الطريق، فالإمام علي برأي الكتابي هو دستور الوجود وهو مرجع الإنسانية الوثيق.
أما الأديب والمفكر والباحث أنطون بارفيرى يرى أن إنسانية الإمام علي (عليه السلام) هي معجزة الأجيال على مر العصور والدهور .. واعتبر الأستاذ بارا أن وصايا الإمام علي (عليه السلام) الخالدة لأبنائه ولعماله وولاته على البلدان والأمصار هي دلالة الكمال والتكامل في شخصية الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام) المتربعة على عرش الكمال الإنساني.
أما الأديب والباحث (جورج جرداق) فقد عد الإمام علياً (عليه السلام) المطبق الصحيح للشريعة المنزلة من السماء بعد رسول الله محمد ، ويتجلى ذلك بشكله الأمثل في سلوك ومنهج الإمام علي (عليه السلام) كما يرى أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في وصاياه الخالدة بضرورة معاملة الرعية بالحسنى وبالكلمة الطيبة والسياسة الحسنة، تمثل أحدى صفحات الإنسانية الناصعة البياض في كتاب حياة الإمام علي (عليه السلام) التي ينهى فيها أصحابه عن سب وشتم أهل الشام الذين أساءوا التعامل معه واستعملوا كل وسائل الغدر والمكر والنفاق، فقال (عليه السلام) موصياً أصحابه: (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به).
لقد كان فكر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فكراً موسوعياً إنساني النزعة ومثل هذا الفكر لا بد وأن ينتقل وينتشر في أصقاع الأرض انتشار الأريج في فصل الربيع، على الرغم من كل المحاولات التي قام بها أعداء الله والإنسانية للحد من انتشار الأفكار النيرة والمبادئ الإنسانية السامية إلا أن الفشل كان حليفهم دائماً.
لقد كان الإمام علي (عليه السلام) إماماً بكل ما تحمله كلمة إمام من معان، فالحكم عنده مرهون بالعدل والعدل مرتبط بالمبادئ النبيلة والقيم العالية التي جاء بها الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله) عن وصي ربِ العالمين .
منقول: مقال للمؤلف راجي نور هيفا