قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى
الآية : 26 {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}


اللباس من النعم التي أنعم الله بها على عباده . يقول الله تعالى : - " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ".
وينبغي أن تكون حسنة جميلة نظيفة والله تعالى يقول : - " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " . " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الايات لقوم يعلمون "
1- وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر . فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثويه حسنا ونعله حسنة . قال : إن الله جميل يحب الجمال . الكبر بطر الحق وغمط الناس " مسلم
( أي انكار الحق واحتقار الناس )
2- روى الترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : إن الله الطيب يحب الطيب ، نظيف يحب النطافة ، كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا افنيتكم ولا تشبهوا باليهود .

حكمه :

واللباس منه ما هو واجب ومنه ما هو مندوب ومنه ما هو حرام

اللباس الواجب :

فالواجب من اللباس ما يستر العورة وما يقي الحر والبرد وما يستدفع به الضرر .
1- فعن حكيم بن حزام عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ، عوراتنا : ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك . قلت : يارسول الله ، فإذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها . فقلت : فإن كان أحدنا خاليا ؟ قال : فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه " .

اللباس المندوب :
والمندوب من اللباس ما فيه جمال وزينة .
1- فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش "
( 2 ) وعن أبي الاحوص عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون ، فقال : ألك مال ؟ قال : نعم . قال : من أي المال ؟ قال : قد آتاني الله من الابل والغنم والخيل والرقيق . قال : فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمته عليك وكرامته "
ويتأكد ذلك عند العبادة وفي الجمعة والعيدين وفي المجتمعات العامة .
فعن محمد بن يحيى بن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما على أحدكم إن وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوي ثوبي مهنته


4- اللباس الحرام :

أما اللباس الحرام فهو لباس الحرير والذهب للرجال ، ولبس الرجل ما يختص بالنساء من ملابس . ولبس النساء ما يختص بالرجال من ملابس . ولبس ثياب الشهرة والاختيال وكل ما فيه إسراف .

لبس الحرير والجلوس عليه :

جاءت الاحاديث مصرحة بتحريم لبس الحرير والجلوس عليه بالنسبة للرجال ، نذكرها فيما يلي :

1 - فعن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تلبسوا الحرير فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " ( بخارى )

2 - وعن عبد الله بن عمر : أن عمر رأى حلة من إستبرق تباع . فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله ابتع هذه ، فتجمل بها للعيد وللوفود . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هذه لباس من لا خلاق له .
ثم لبث عمر ما شاء الله أن يلبث فأرسل صلى الله عليه وسلم إليه بجبة ديباج . فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، قلت : إنما هذه لباس من لاخلاق له . ثم أرسلت إلي بهذه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لم أرسلها إليك لتلبسها ولكن لتبيعها وتصيب بها حاجتك " ( بخارى ) .

3 - وعن حذيفة قال : نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها . وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه وقال : " هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة " () رواه البخاري ومسلم ) .

بمقتضى هذه الاحاديث ذهب الجمهور من العلماء إلى تحريم لبس الحرير وافتراشه بل ذكر المهدي في البحر أنه مجمع عليه . وحكى القاضي عياض عن جماعة أباحته منهم ابن عليه . واستدلوا على قولهم هذا بالاحاديث الآتية :

- 1 - عن عقبة قال : أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير فلبسه ثم صلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعا عنيفا شديدا كالكاره له ثم قال : لا ينبغي هذا للمتقين " (بخارى) .
2 - وعن المسور بن مخرمة أنه قدمت للنبي صلى الله عليه وسلم أقبية فذهب هو وأبوه للنبي صلى الله عليه وسلم لشئ منها . فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قباء من ديباج مزردة ، فقال : يا مخرمة خبأنا لك هذا وجعل يريه محاسنه وقال :
أرضي مخرمة ؟ (بخارى)

3 - وعن أنس أنه صلى الله عليه وسلم لبس مستقة () فرو طويل الكمين) من سندس (رفيع الحرير .) أهداها له ملك الروم ثم بعث بها إلى جعفر فلبسها ثم جاءه فقال : إني لم أعطكها لتلبسها . قال : فما أصنع ؟ قال : أرسل بها إلى أخيك النجاشي "

4 - ولبس الحرير أكثر من عشرين صحابيا منهم أنس والبراء من عازب " ( ابوداود ) .
وأجاب الجمهور عن أدلة القائلين بالجواز بالادلة الدالة على التحريم التي ذكرناها أولا وقالوا :
إن حديث عقبة فيه : " أنه لا ينبغي هذا للمتقين " .

فإذا كان لبسه لا يلائم المتقين فهو بالتحريم أجدر .
وقالوا : في حديث المسورو حديث أنس إنهما من قبيل الافعال فلا تقاوم الاقوال الدالة على التحريم . على أنه لا نزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الحرير ثم كان التحريم آخر الامرين كما يشعر بذلك حديث جابر :
قال : لبس النبي صلى الله عليه وسلم قباء له من ديباج أهدي إليه ثم أوشك أن نزعه وأرسل به إلى عمر بن الخطاب . فقيل : قد أوشكت ما نزعته يا رسول الله ! قال : نهاني عنه جبريل عليه السلام . فجاءه عمر يبكي فقال : يارسول الله ، كرهت أمرا وأعطيتنيه ، فمالي ؟ قال : ما أعطيتك لتلبسه وانما أعطيتك تبيعه . فباعه بألفي درهم " ( مسلم ) .

وقالوا أيضا : حديث أنس في سنده علي بن زيد بن جدعان لا يحتج بحديثه . وقالوا : إن ما لبسه الصحابة كان خزا ، وهو ما نسج من صوف وابريسم .

5-اباحة الحرير للنساء وعند الاعذار واليسير عنه :
هذا الحكم بالنسبة للرجال . أما النساء فإنه يحل لهن لبس الحرير وافتراشه . كما يحل للرجال عند وجود عذر . وقد جاء في ذلك من النصوص ما يلي : -
1 - فعن علي قال : أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء (التي فيها خطوط كالسيور وهي برود من الحرير أو الغالب فيها الحرير . وفسرت بغير ذلك . كانت بهما) فبعث بها إلي فلبستها فعرفت الغضب في وجهه فقال : إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشقها خمرا بين النساء " ( بخارى ) .
2 - وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير لحكة (بخارى

قال في الحجة البالغة : لانه لم يقصد به حينئذ الارفاه وإنما قصد به الاستشفاء .
3 - وعن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا موضع اصبعين أو ثلاثة أو أربعة (بخارى) " قال في الحجة البالغة : لانه ليس من باب اللباس وربما تقع الحاجة إلى ذلك .

6-الحرير المخلوط بغيره :

كل ما تقدم خاص بالحرير الخالص .
أما الحرير المخلوط بغيره فعند الشافعية أن الثوب إذا كان أكثره من الحرير فهو حرام وإن كان نصفه فما دونه من الحرير فليس بحرام . فهم يرون أن للاكثر حكم الكل .
قال النووي : أما المختلط من حرير وغيره فلا يحرم إلا أن يكون الحرير أكثر وزنا .

7-جواز لبس الصبيان للحرير :
وأما الصبيان ( 3 ) من الذكور فيحرم عليهم أيضا عند أكثر الفقهاء لعموم النهي عن الليس . وأجازه الشافعية
. قال النووي : وأما الصبيان فقال أصحابنا يجوز إلباسهم الحلي والحرير في يوم العيد لانه لا تكليف عليهم . وفي جواز إلباسهم ذلك في باقي السنة ثلاثة أوجه أصحها جوازه والثاني تحريمه والثالث يحرم بعد سن التمييز .

8-التختم بالذهب والفضة
ذهب الجمهور من العلماء إلى حرمة التختم بالذهب
( 1 ) للرجال دون النساء . واستدلوا بالاحاديث الآتية :
1 - عن البراء بن عازب ، رضي الله عنه ، قال : أمرنا رسول الله بسبع ونهانا عن سبع . أمرنا باتباع الجنائز ، وعيادة المريض ، وإجابة الداعي ، ونصر المظلوم ، وابرار القسم أو المقسم ، ورد السلام . وفي رواية : وإفشاء السلام ، وتشميت العاطس ونهانا عن آنية الفضة وخاتم الذهب والحرير
( 1 ) أما اتخاذ الخاتم من غير الذهب فيجوز للرجال والنساء ولو كان أعلى قيمة من الذهب .

والديباج (الثوب الذي سداه ولحمته من حرير) والقسي (ثياب من كتاب مخلوط بحرير) والاستبرق (غليظ الديباج) والمثيرة الحمراء (غطاء للسرج من الحرير) .
2 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب أو فضة وجعل فصه مما يلي كفه ونقش فيه " محمد رسول الله " فاتخذ الناس مثله ، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال : لا ألبسه أبدا ، ثم اتخذ خاتما من فضة ، فاتخذ الناس خواتيم الفضة .
قال ابن عمر : فلبس الخاتم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان حتى وقع من عثمان في بئر أريس (بئر مجاورة لمسجد قباء بالمدينة .
) . 3 - ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال : يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيطرحها في يده . فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك انتفع به .
قال : لاوالله ، لا آخذ وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( مسلم ) .

4 - وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أحل الذهب والحرير للاناث من أمتي وحرم على ذكورها " ( الصحيحة ) .

5 - وأخرج مسلم وغيره من حديث علي قال : " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسي وعن القراءة في الركوع والسجود وعن لباس المعصفر " (يصبغ الثوب صبغا أحمر على هيئة مخصوصة وقد ذهب جماهير الصحابة والتابعين والفقهاء الى جواز لبس المعصفر إلا الامام أحمد فانه قال : بكراهة لبسه تنزيها) .
هذه أدلة الجمهور لتحريم خاتم الذهب .
قال النووي : وكذا لو ان بعضه ذهبا وبعضه فضة .
وذهب جماعة من العلماء إلى كراهة التختم بالذهب للرجال كراهة تنزيه .
ولقد لبسه جماعة من الصحابة منهم : سعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيدالله ، وصهيب ، وحذيفة ، وجابر بن سمرة ، والبراء بن عازب ، ولعلهم حسبوا أن النهي للتنزيه .


والحمد لله رب العالمين