بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
على الموالي والمنتظر لظهور الحجة بن الحسن (عليه السلام) أن يكون مهموما مغموما لأجل الامام (عليه السلام) في زمن الغيبة وذلك لأمور منها:
غيابه (عليه السلام) عنّا بحيث لا نتمكّن من الوصول إليه وإنارة ابصارنا بالنظر إلى جماله فقد روي في عيون الأخبار عن الامام الرضا (عليه السلام) في ضمن حديث يتعلّق بالحجة (عليه السلام) انّه قال: ثم قال بأبي وامّي سميّ جدّي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران (عليه السلام) عليه جيوب النور تتوقّد بشعاع ضياء القدس كم من حرّى مؤمنة وكم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين .
ونقرأ في دعاء الندبة: عزيز عليّ أن أرى الخلق ولا ترى ولا أسمع لك حسيسا ولا نجوى عزيز عليّ أن تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك منّي ضجيج ولا شكوى بنفسي أنت من مغيّب لم يخل منّا بنفسي أنت من نازح ما نزح عنّا بنفسي أنت أمنيّة شائق يتمنّى من مؤمن ومؤمنة ذكرا فحنّا بنفسي أنت من عقيد عزّ لا يسامى ... عزيز عليّ أن أبكيك ويخذلك الورى ؛ إلى آخر الدعاء الذي هو نموذج لمناجات من ارتشف من كأس محبّته .
ومنها: عدم تمكّنه (عليه السلام) من اجراء الأحكام والحقوق والحدود ورؤيته انّ حقّه في يد غيره فقد روي عن الامام الباقر (عليه السلام) انّه قال لعبد اللّه بن ظبيان: قال: قال يا عبد اللّه ما من عيد للمسلمين اضحى ولا فطر الّا وهو يتجدد فيه لآل محمد حزن قلت: فلم؟ قال: لأنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم .
ومنها: ظهور جمع من لصوص الدين وقطاع طريق المذهب من كمينهم وبثّهم الشكوك والشبهات في افكار العوام بل والخواص من الناس حتى خرج الناس من الدين افواجا وعجز العلماء الحقيقيون عن اظهار علومهم وتحقق ما وعد الصادقان (عليهما السّلام) بوقوعه .
روى الشيخ النعماني عن عميرة بنت نفيل انّها قالت: سمعت الحسين بن عليّ (عليه السلام) يقول: لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض ويتفل بعضكم في وجوه بعض ويشهد بعضكم على بعض بالكفر ويلعن بعضكم بعضا فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير فقال الحسين (عليه السلام) : الخير كلّه في ذلك الزمان يقوم قائمنا ويدفع ذلك كلّه .
وروى الشيخ النعماني أيضا عن الامام الصادق (عليه السلام) حديثا بهذا المضمون وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انّه قال لمالك بن ضمرة: يا مالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا وشبّك أصابعه وأدخل بعضها في بعض فقلت: يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير قال: الخير كلّه عند ذلك يا مالك عند ذلك يقوم قائمنا فيقدّم سبعين رجلا يكذبون على اللّه وعلى رسوله (صلى الله عليه واله) فيقتلهم ثم يجمعهم اللّه على أمر واحد .
وروي أيضا عن الامام الباقر (عليه السلام) انّه قال: لتمحصنّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين وانّ صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها .
وروي عن الامام الصادق (عليه السلام) أيضا انّه قال: واللّه لتكسّرنّ تكسّر الزجاج وانّ الزجاج ليعاد فيعود كما كان واللّه لتكسّرنّ تكسّر الفخّار فانّ الفخّار ليتكسّر فلا يعود كما كان و واللّه لتغربلنّ و واللّه لتميزنّ و واللّه لتمحصنّ حتى لا يبقى منكم الّا الأقلّ وصعّر كفّه .
وهناك أخبار كثيرة بهذا المضمون فقد روى الشيخ الصدوق (عليه الرحمة) في كمال الدين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انّه قال: كأنّي بكم تجولون جولان الإبل تبتغون المرعى فلا تجدونه يا معشر الشيعة .
وروي عن الصادق (عليه السلام) انّه قال لعبد الرحمن بن سيابة: كيف أنتم إذا بقيتم بلا امام هدى ولا علم يتبرأ بعضكم من بعض فعند ذلك تميّزون وتمحّصون وتغربلون ؛ وروي أيضا عن سدير الصيرفي انّه قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطوّق بلا جيب مقصّر الكمّين وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحرى قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغيير في عارضيه وأبلى الدموع محجريه وهو يقول: سيدي غيبتك نفت رقادي وضيّقت عليّ مهادي وابتزّت منّي راحة فؤادي سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد فما أحسّ بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا الّا مثّل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها وبواقي أشدّها وانكرها ونوائب مخلوطة بغضبك ونوازل معجونة بسخطك .
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولها وتصدّعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل وظننا انّه سمت لمكروهة قارعة أوحلّت به من الدهر بائقة فقلنا: لا أبكى اللّه يا ابن خير الورى عينيك من أيّة حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك؟ وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟ قال: فزفر الصادق (عليه السلام) زفرة انتفخ منها جوفه واشتدّ عنها خوفه وقال: ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خصّ اللّه به محمدا (صلى الله عليه واله) والائمة من بعده وتأملت منه مولد قائمنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم التي قال اللّه تقدّس ذكره: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13]، يعني الولاية فأخذتني الرقّة واستولت عليّ الأحزان ... الخ .
ويكفي هنا هذا الخبر الشريف فبما أنّ تفرّق الشيعة وابتلاؤهم في أيام الغيبة و انقداح الشكوك في قلوبهم كان سببا لبكاء الامام الصادق (عليه السلام) ونحيبه وسهره قبل وقوع الغيبة بسنين فحريّ بالمؤمن المبتلى بهذه الداهية والغارق في هذا البحر الموّاج الهائل أن يديم البكاء والنوح والنحيب والحزن والهمّ والغم والتضرّع إلى اللّه تعالى .