اللعب بكرة القدم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
سأل سائلٌ عن مسألة قد ابتُلي بها أكثر المسلمين في كل بلاد الإسلام، فأحَبّ أن يعرف حكم الله -تبارك وتعالى- فيها، ألا وهي اللعب بكرة القدم حيث صارت شهرة كل شابٍّ نشأ في مجتمعٍ فيه شيءٌ مما يسمى اليوم بالمدنية، وجوابي على ذلك كما يأتي:
اللعب بالكرة لا يخرج عن أي لعبةٍ أخرى يتعاطاها المسلم فهي داخلة في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (كل لهوٍ يلهو به ابن آدم باطلٌ إلا ملاعبته لزوجه ومداعبته لفرسه، ورميه بقوسه، والسباحة).
لقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه اللُعب والملاهي التي كان يلهو بها الناس يومئذٍ، فاستثناها من اللهو الباطل، ويجب أن نتنبّه هنا بمناسبة هذا الحديث بأمرين اثنين:
الأول: أن الحديث كما سمعتم رايتم (باطلٌ) وليس بلفظ (محرمٌ).
والأمر الثاني: أننا إذا انتبهنا لهذا الفرق فحينئذ نعلم أن هناك فرقًا فقهيًّا أيضًا فإذا كان الحديث إنما ورد بلفظ باطلٌ فلا يعني أنه بمعنى محرمٌ، لأن الباطل هو أشبه ما يكون من حيث المعنى المراد منه هو (اللغو)، أما المحرم فهو حكمٌ صريحٌ في وجوب الابتعاد عنه، إذا عرفنا ذلك فحينئذٍ نستطيع أن نقول إن كلّ لهوٍ يلهو به الإنسان في أي زمان ومكان فهو لغوٌ باطلُ لا أجر له، هذا إن نجى من الإثمِ، والإثمُ قد يأتي من ذات النوع الذي يلعب به وقد يأتي مما يحيط بنوع اللعب الذي يلعب به، ولنضرب على ذلك مثلين اثنين فالأمر كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21]،
المثلان هما: اللعب بالنرد، واللعب بالشطرنج.
فاللعب بالنرد منهي عنه بالنصّ ولذاته، فقد جاء وصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
( من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه )، والنص الآخر هو:
(من لعب بالنّرد فقد عصى الله ورسوله )
فإذَن لا يجوز اللعب بالنرد لذاته لما فيه من هذا الترهيب الشديد.
(من لعب بالنرد فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه)
ومعلوم عند الجميع أن لحم الخنزير ودمه نجسٌ نجاسة عينية، فلا يجوز إذن اللعب بهذا النوع من الملاهي وهذا هو المثال الأول.
أما المثال الثاني فكما اللعب بالشطرنج، لا يوجد هناك حديث صحيح في النّهي عن اللعب بالشطرنج وإذ الأمر كذلك فما حكمه؟
لا نستطيع أن نقول إنه حرام، لأنه لم يرد فيه نصٌ، ولا نستطيع أن نقول إنه مباحٌ مطلقٌ، لأنه داخل في الحديث الأول وهو: (كل لهوٍ )
والنكنِ عنه باسم راويه وهو جابر بن عبد الله الأنصاري، فحديث جابر هذا فيه هذا العموم أن كل اللعب إنما هو باطل، فمن ذلك إذن اللعب بالشطرنج فهو باطل،
هذا الباطل يجب أن يُنظر إليه بالنسبة لما قد يحيط به من منكرٍ يرفعه ويصُفّه في مصاف المحرمات، وإما أن يرفعه إلى مصاف المباحات، فإذا كان اللعب بالشطرنج كما هو الواقع اليوم فيه بعض التماثيل، مما يُعرف بمثلاً (الفيل) و(الفرس) و(المَلِك)، وأنا لا ألعبها لكن حسب ما أقرأ وأسمع أذكر هذه الأشياء منها، ولا شك عندكم جميعًا إن شاء الله إن لم يكن قد تسرّب إليكم بعض الآراء المنافية للسنة الصحيحة من أن الصور المحرمة إنما هي التي تضر في الأخلاق
وليس هناك ما يضر في مثل هذه الأصنام في العقيدة
لأن النبي صلى الله عليه وسلم -بما زعموا- نهى عن التصوير وعن اقتنائه نهيًا موقتًا من باب سد الذريعة وذلك قبل أن يتمكن التوحيد من قلوب أصحابه، فلما زالت الشبهة من قلوبهم وتمكن التوحيد من نفوسهم فانتفى هذا الحكم الشرعي ألا وهو التشديد في النهي عن التصوير وعن اقتناء الصور،
هذه شبهة طالما سمعناها كثيرًا من بعض من لم يتفقهوا في الدين
ولا أريد أن أطيل في هذا المجال الآن، وإنما حسبي أن أذكّر أن التصوير بكل أنواعه سواء كان مصورًا بالقلم أو بالريشة أو بالدهان أو بالتطريز أو بأي آلة حديثة اليوم وهي كثيرة فما دام أن هناك ما يصح أن يطلق عليه لغةً إنه مُصوِّر وإنها صورة فلا يجوزُ تصويرها،
وبالتالي لا يجوز اقتناؤها لدخول تلك الأنواع كلها في عموم هذه الأحاديث المشار إليها كمثل قوله عليه السلام من حيث تحذيره عن التصوير:
(كل مصور في النار)
ومن حيث نهيه عن اقتناء كل صورة ألا وهو قوله عليه السلام:
(لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة أو كلب)
إذ الأمر كذلك فلا يجوز اللعب بالشطرنج ما دامت هذه التماثيل ظاهرة فيه، وحينئذٍ إذا كان ولا بدّ من اللعب بالشطرنج فيجب القضاء على هذه التماثيل.
بعد ذلك يأتي شرط ثاني؛
ألا وهو ألاّ يصبح اللاعب بالشطرنج عبدًا له، يصرفه عن عبوديته الحق بالنسبة لله -سبحانه وتعالى-، يصرفه عن القيام بالفرائض الواجبة عليه، وليست هي الصلوات الخمس مثلاً ومع الجماعة؛
أي: لايكفي أن نقول إن المحضور من اللعب بالشطرنج هو فقط ألا يلهيه عن القيام بالواجبات والفرائض الخمس ومع الجماعة، بل يجب أن نقرن إلى ذلك أن هذا اللعب لا يصرفه عن كل واجبٍ فرضه الله -تبارك وتعالى-
عليه كمثل مثلاً القيام بواجبه تجاه أهله، تجاه أولاده، تجاه إخوانه بصورةٍ عامة فإن خلا ولا أقول إذا خلا فإن خلا اللعب بالشطرنج من هذا النوع من المعاصي نقول حينذاك فهو جائز تمسكًا بالبراءة الأصلية، حيث أن الأصل في الأشياء الإباحة إلاّ إذا جاء نصٌّ يضطرّنا أن ننتقل منه إلى ما تضمنه الناقل من الحكم إما تحريمًا وإما كراهةً.
هذانِ مثالان من الأمثلة التي ابتلي الناس باللهو بها وإضاعة الوقت عليها مثالٌ منهيٌّ عنه مباشرةً ولا يجوز تعاطيه مطلقًا ألا وهو النرد،
ومثالٌ لم يصح فيه نهي خاص ألا وهو الشطرنج، فيجب أن يدار الحكمُ فيه حسب ما يحيط به من المحاذير، فإن خلا عن شيء من ذلك جاز اللعب به من باب الترويح على النفس ليس إلا كما يقال.
إذا عرفنا حكم هذين المثالين انتقلنا إلى الجواب عن السؤال:
وهو اللعب بالكرة.
لاشك أن اللعب بالكرة هو شأن كل ألعاب أو شأن كل الألعاب التي تعرف اليوم -إلاّ ما ندر منها- فإن أصلها أعجميٌّ، فالنرد اسمه نردشير من فارس، والشطرنج أصله فيما أظن لعله من الصين أو غيره من البلاد، الشاهد كذلك كرة القدم فهذه لعبة وبدعة عصرية جاءتنا من البلاد الأوروبية،
فإذا أراد المسلمون أن يلعبوا بها فأول كل شيء يجب أن ينوُوا التقوِّي؛ تقوية البدن استعدادًا لما يجب عليهم أن يخوضوا في العهد القريب أو البعيد في لقاء أعداء الله تبارك وتعالى فلا بد والحالة هذه أن تكون أبدانهم صلبةً قوية تثبتُ أمام أعداء الله الأشدّاء،
فقد جاء في الحديث الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام:
( إن المؤمن القويّ أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير )
فلا يخلو المؤمن ولو كان ضعيفًا حتى في إيمانه لا يخلو من خير قد ينجيه من الخلود في العذاب يوم يقال لجهنم هل امتلأتِ فتقول هل من مزيد،
فإذا كانت القوة مرغوبه في المسلم فإذَن لا مانع بل لعله يستحب أن يتعاطى المسلم هذا اللعب بهذه النيّة الصالحة، فقد جاء أيضًا في الصحيح قوله صلى الله عليه وآله وسلم في تفسير الآية الكريمة:
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]، قال عليه السلام:
(ألا إن القوة الرميُ، ألا إن القوة الرميُ، ألا إن القوة الرمي)
فاللعب بالرمي سواء كان قديمًا بالقوس أو حديثًا بالرصاص أو القذائف أو نحو ذلك من الأسلحة المدمّرة اليوم، فهو من الوسائل التي لا بد أن يتعاطها المسلم لتقوية جسمه، ذلك قد يتطلب خروجًا عن البلد حتى لا يصاب بعض المسلمين خطأً بأذى الرمي.
أما هذه اللعبة، لعبة الكرة فهذه ليس فيها ما يخشى منها سوى ما قد أشرنا إليه آنفًا مما قد يتعرض له اللاعب بالشطرنج؛ فينبغي أن نقيد الجواز بتلك الشروط.
ومن الملاحظ أن أكثر الألعاب ولنقُل بخاصة المبارايات التي تجري بين فريقين ولو كانا مسلمَين فإنه لا يُراعى في ذلك حدود الله -تبارك وتعالى- فقد تفوت اللاعبين بعض الصلوات كصلاة العصر مثلاً إذا بدأت المباراة قبل العصر أو صلاة المغرب إذا بدأت المباراة بعد صلاة العصر وقبيل صلاة المغرب، فهذا شرط يشمله ما سبق من الكلام.
وثمة شيء آخر يتعلق بهذه اللعبة ومثيلاتها كلعبة كرة السلة ونحوها،
فإن عادة غير المسلمين ما دام أنهم هم الذين ابتدعوا هذه اللعبة أنهم يلبسون لها لباسًا خاصًا، ولباسًا قصيرًا لا يستر العورة الواجب سترها شرعًا، فاللباس هذا يكشف عن الفخذ، والفخذ كما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
( الفخذُ عورة )
فلا يجوز للاّعبين ولو كانوا متمرنين فضلاً عن ما إذا كانوا مبارين لغيرهم لا يجوز لهم أن يلبسوا هذا اللباس القصير، الذي يسمَّى في لغة الشرع -اللغة العربية- بالتُّبّان، والتبان هو السروال الذي ليس له كُمًّا، ويسمى في بعض البلاد باللغة الأجنبية بالشورت،
لأن من الإسلام أن نستبدل الذي هو خير بالذي هو أدنى، أن نستبدل اللفظ العربي باللفظ الأجنبي، أن نقيم اللفظ الأجنبي ونحل مكانه اللفظ العربي لأنها لغة القرآن الكريم.
فهذا اللباس التُّبّان لا يجوز للمسلم أن يلبسه أمام أحدٍ سوى زوجته فقط، فالذي إذَن يلعب هذه اللعبة أمام مرأى بعض الناس فذلك حرام، لا لذاتها وإنما لما أحاط بها من اللباس الغير مشروع فصار عندنا بالنسبة لهذه اللعبة خاصةً ألاّ تلهي كالشطرنج عن بعض الواجبات الشرعية وبخاصة الصلاة،
وثانيًا أن يكون اللباس شرعيًا ساترًا للعورة،
ويأتي ثالثًا أن يكون اللعب بما يسمى اليوم اسمًا على غير مسمّى بالروح الرياضية، أقولُ اسم على غير مسمى لأن كثيرًا مما يقع قتال وضرب بين المسلمين المتبارين فضلاً عن الكافرين، وفي الغرب تقع مشاكل ضخمة جدًا يروح فيها قتلى وهم يزعمون أن المقصود من هذه الألعاب هو تنمية الروح الرياضية، والمقصود بها بطبيعة الحال أن الإنسان لا يحقد إذا ما شعر بأن خصمه سيتغلب عليه أو تغلّب عليه فعلاً،
فالمسلم لا يحقد ولا يحسد، فلا ينبغي أن تصبح هذه اللعبة أداة إفساد للأخلاق فحينذاك ولو توفرت الشروط أو الشرطان السابقان من حيث
عدم أن يكون سببًا لإضاعة الصلوات أو لكشف العورات فلو فرضنا أن هذه اللعبة خلت من هاتين الظاهرتين المخالفتين للشرع ولكنها تنمي وتقوي في نفوس اللاعبين بها روح الانتقام والحقد والتغلب بالباطل على الخصم، فحينذاك يكون هذا الأمر من جملة الأسباب التي ينبغي منع تعاطي هذه اللعبة.
فإذَن الأصل-ألخّص الآن ما تقدم- الأصل في الملاهي التي يلهو بها الناس ما عدا الأربع الخصال المذكورة في حديث جابر أنها باطل لغو لا قيمة له ولا ينبغي للمسلم أن يضيّع وقته من ورائها اللهم إلاّ إذا حسنت النية ولا أقل فيها أن يكون المقصود الترويح عن النفس مع ملاحظة الشروط التي سبق ذكرها، هذا
والحمد لله رب العالمين