من المشرفين القدامى
الحُــــــــــر
تاريخ التسجيل: November-2014
الدولة: والشعراء والصورُ
الجنس: ذكر
المشاركات: 9,375 المواضيع: 672
مزاجي: أرى السعادة.. آتيـة
أكلتي المفضلة: طعام حلال
موبايلي: iphone 15
آخر نشاط: منذ ساعة واحدة
الاتصال:
الاستدلال على جواز الأجتهاد والتقليد - الحلقة ٥ - الشيخ حسين الأسدي
الحلقة الخامسة
في الاستدلال على حجية الأجتهاد والتقليد
إذن كافة المسلمين يتوجهون في الصلاة بالتسليم على النبي وهم لم يخرجوا من الصلاة وهذا من ضروريات المسلمين فقوله: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ)) (٢) يعني لا يتوجهون إلى الله إلاّ بأن يطرقوا باب الله الأعظم وهو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فطرق الباب أوّلاً ثمّ التمكن من الولوج في الساحة الربوبية، قال تعالى: ((وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (٣) والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو باب الله الأعظم، وباب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو علي بن أبي طالب عليه السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تواتر عنه: (أنا مدينة الحكمة وأنت يا علي بابها) (٤) ، فمن أراد المدينة والحكمة فلا بدَّ أن يأتيها من بابها فمن وفودنا على وصي النبي نستطيع أن نفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن وفودنا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتجائنا وتوجهنا وتوسلنا ولواذنا به نكون قد وفدنا على الساحة الربوبية وتوجهنا إلى الله عز وجل. وأيضاً في قوله تعالى: ((وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)) (١) ، فلم يقل: تعالوا إلى الله مباشرةً، إذ الباري لا يباشر ولا يتباشر ببشرة، بل لا بدَّ من الوفود على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أوّلاً فهو الشافع المشفع، ولكن ما هو فعل المنافقين؟ ((لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ))، فالقرآن الكريم يبيّن أنهم ليسوا موحدين، بل هم مستكبرون.
والاستكبار صفة وسُنّة إبليس اللعين إذ استكبر ولم يسجد لآدم عليه السلام حيث يقول: ((قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً)) (٢) فسُنّة إبليس الاستكبار عن التوسل والتوجه.
قال الله تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)) (٣) هذه الآيات من سورة آل عمران يحدّثنا القرآن فيها أن نبوات الأنبياء نالوها بشفاعة سيد الأنبياء محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
وهكذا الآيات من سورة الأعراف: ((إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ)) (١) تبيّن لنا بأنه من دون التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخل المسلم الجنّة ولا ترتفع لديه عقيدة، حيث يقول: ((كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها)) أي تكذيب واستكبار وليس تكذيباً فقط، وإنما تكذيب واستكبار على الأنبياء والرسل والأولياء الصالحين، وهم آيات من آيات الله تعالى، قال تعالى: ((وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)) (٢) وأكبر وأعظم آيات الله هو الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام.
ثمّ إن القرآن عبّر: ((اسْتَكْبَرُوا عَنْها)) ولم يعبر: (استكبروا عليها)، فما الفرق بين استكبروا عليها وبين استكبروا عنها؟
ذكر في كتب الأدب واللغة أن فعلاً ما قد يضمن معنى فعل آخر ثمّ يؤتى بأداة تناسب المعنى المتضمن، فالمعنى حينئذٍ استكبروا وصدوا عنها، فيقول القرآن: إن أولئك استكبروا وصدوا عن التوسل والتوجه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولووا رؤوسهم ويصدون وهم يستكبرون، أي كما فعل إبليس اللعين إذ استكبر عن آيات الله.
وأكبر آيات الله هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فالتوجه والتوسل والخضوع لآيات وحجج الله شرطٌ وركن ركين كي تنفتح أبواب السماء لعملك ولعقيدتك ((مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)) (٣) فالصعود والرفع مشروط بالخضوع والتوجه والتوسل لنبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ولحجج وآيات الله. والمستكبر عن آيات الله محالٌ أن يدخل الجنّة كما يعبر القرآن ((حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ)) (١) إذن لا ننجو ولا يقبل ولا يصح إيماننا إلاّ بالاتيان بفريضة إيمانية من فرائض القرآن الكريم وهي التوسل والتوجه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
إذن لا بدَّ أن نقرأ رواية الدين الجديد الذي يأتي به المهدي عليه السلام في ظل هذه المسلّمات، يعني في منطقة غير الضروريات من فرائض الله تعالى وسُنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهاج الأئمّة عليهم السلام أي في تلك المنطقة الوسيعة وهي منطقة النظريات التي اكتنفها تشابه وريب واختلاط عبر القرون، ومع ذلك لا يأتي عليه السلام في تلك المنطقة إلاّ بما هو حق حقيق.
لذا نقرأ في دعاء الندبة
(أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن، أين المتخير لإعادة الملّة والشريعة، أين المؤمل لإحياء الكتاب وحدوده، أين محي معالم الدين وأهله) (٢) .
وكذا في دعاء العهد:
(واجعله اللهم... ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك ومشيداً لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك صلى الله عليه وآله وسلم) (٣) .
وهكذا في دعاء الافتتاح أيضاً:
(اللهم اجعله الداعي إلى كتابك والقائم بدينك) (٤) . وهكذا في دعاء يدعى به في زمن الغيبة والمروي عن صاحب الزمان عليه السلام: (... وجدد به ما امتحى من دينك وأصلح به ما بدل من حكمك وغُيِّر من سُنّتك حتّى يعود دينك به وعلى يديه غضاً شديداً صحيحاً لا عوج فيه ولا بدعة فيه) (١) .
وغيرها من الأدعية.
ففي دعواتنا والتزاماتنا وتوجهاتنا أنه عليه السلام يحي دين الله ويعمل بكتابه وسُنّة رسوله ويسير على نهج الأئمّة السابقين، لا كما يذكر من الفهم المعوج المزعوم استظهاره من آحاد الروايات _ والعياذ بالله تعالى وحاشاه عليه السلام _ من أنه يميت القرآن وسُنّة النبي ونحو ذلك.
فبالاعتماد على انحفاظ تراتبية الحجج ومعرفة مراتب الصلاحيات نفهم الرواية بالفهم الصحيح، أما إذا اختلطت علينا مراتب الحجج ودلائل الدين وصارت فوضى وفوضوية في البصيرة والمعرفة نصل لفهم واستنتاج خاطئ ومعوج وننزلق في متاهات وظلمات ونخرج من الدين.إذاً هناك تراتبية في منظومة الحجج لا يمكن هدمها ولا تقديم شيء منها على غيره، فإنّ توحيد الله تعالى إنما يتم وفق الموازين العقلية وبديهياته فتكون بديهيات العقل في أعلى مراتب الحجج ثمّ توحيد الله، وأن نبوة أيّ نبي لا بدَّ أن تكون من خلال توحيد الله فنبوة الأنبياء لا بدَّ أن تكون في كنف وظل وهيمنة توحيد الله، وهكذا إمامة أيّ إمام بالنسبة لنبوة الأنبياء، وهكذا بالنسبة للفقهاء مع الأئمّة عليهم السلام، فتكون الحجج مرتبة بالترتيب الهرمي هكذا بديهيات العقل ثمّ توحيد الله تعالى ثمّ نبوة الأنبياء ثمّ وصاية الأوصياء ثمّ النواب الخاصون والنواب العامون.
>>>>>>>>>>>>>>>> يتبع في الحلقة السادسة