إن الـبُغاث بأرضنا يَسْتَنْسِرُ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

ان الحمد لله نحمدة ونستعينة ونستغفرة
اما بعد00 فانة لايخفى على احد اهمية العلم والعلماء في كتاب الله وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – ولكن حينما نسمع بعض الناس يقولوا ان فلانا عالم من العلماء
وان فلان اعلم اهل الارض .
الحقيقة التي أشعر بـها من قرارة نفسي أنني حينما أسمع مثل هذا الكلام أتذكر الـمثل القـديم المعروف عند الأدباء ، ألا وهو
( إن الـبُغاث بأرضنا يَسْتَنْسِرُ )
( إن الـبُغاث بأرضنا يَسْـتَنْسِرُ )
قد يخفى على بعض الناس المقصود من هذا الكلام أو من هذا المثل ، البُغاث :
هو طائر صغير لا قيمة لـه ، فيصبـح هذا الطـير الصغـير ، نسـراً عند الناس ،
لجهلهـم بقـوة النسر وضخامتـه ،
فصدق هذا المـثل على كثيرٍ ممن يـدْعُونَ بحق وبصواب ، أو بخطأٍ وباطلٍ إلى الإسلام .
لكن الله يعلم أنه خَلَتِ الأرض – الأرض الإسلامية كلها –
إلا من أفرادٍ قليلين جـداً جداً ممن يصح أن يقال فيهم :
فلان عالم ،
كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن الله لا ينـتزع العلم انْتِزاعا من صدور العلماء ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حـتى إذا لم يـبقي عالماً – هذا هو الشاهد - حتى إذا لم يـبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهَّالاً فَسُئِلوا فأفـتوا بغير علمٍ فضلوا وأضـلوا ) .
إذا أراد الله أن يقبض العلـم ،
لا ينـتزعه انـتزاعاً من صدور العلماء ، بحيث أنه يصبح العالم كما لو كان لم يتعلم بالمرة ، لا ،
ليسـت هذه من سنة الله عز وجل، في عباده ،
وبخاصة عباده الصالحين –
أن يَذْهَبَ من صدورهم بالعلم الذي اكتسبوه ، إرضاءً لوجه الله عز وجل –
فالله عز وجل حكمٌ عدلٌ لا ينـتزع العلم من صدور العلماء حقاً ،
ولكنه جرت سنة الله عز وجل في خلقه ، أن يقبض العلم بقبض العلماء إليه ،
كما فعل بسيد العلماء والأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ،
حتى إذا لم يُـبْقِِ عالماً ، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ،
فَسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا،
ليس معنى هذا :

أن الله عز وجل يُخْلي الأرض ، من عالمٍ تقوم به حجة الله على عباده، ولكن معنى هذا :
أنه كلما تأخر الزمن كلما قَلَّ العلم ، وكلما تأخر ازداد قلةً ونقصاناً حتى لا يَـبْقى على وجه الأرض من يقول : الله ، الله .
هذا الحديث وهو حديث صحيح – :
( لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله ، الله )
( من يقول : الله الله )
وكثيراً من أمثال هؤلاء المشار إليهم في آخر الحديث المذكور ، قَبْض الله العلـم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يـبقي عـالماً اتخـذ الناس رؤوسا جُهّالاً ، من هـؤلاء الـرّؤوس ، مــن يفـسر القـرآن والـسنـة بِـتَـفـاسـيـر مُخالفــة لما كان عليه العلماء – لا أقول : سلفاً فقط بل وخلفاً أيضاً – .
فإنـهم يـحـتجون بـهـذا الحديث : ( الله ، الله )
على جواز بل على استحباب ذكر الله عز وجل باللفظ المفرد ( الله ، الله ) ... إلى آخره ، لكي لا يغتر مُغْتَر ما أو يـجهل جاهلٌ ما حينما يسمع هذا الحديث بمثل ذلك الـتأويل وهذا التـفسير بـاطلٌ :-

أولاً :
من حيث أنه جاء بيانه في رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وثانياً :
لأن هذا التفسير لو كان صحيحاً لجرى عليه عمل سلفنا الصالح رضي الله عنهم ، فإذْ لم يفعلوا دل إعراضهم عن الفعل بهذا التفسير على بطلان هذا التفسير .
فكيف بكم إذا انضم إلى هذا الرواية الأخرى - وهذا بيت القصيد كما يقال - أن الإمام أحمد رحمه الله روى هذا الحديث في مسنده بالسند الصحيح بلفظ :
( لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول : لا إله إلا الله )
إذن هذا هو المقصود بلفظة الجلالة المكرر ، المكررة في الرواية الأولى ، الشاهد :
أن الأرض اليوم مع الأسف الشديد خَلَتْ من العلماء الذيـن كانوا يملئون الأرض الرحبة الواسعة بعلمهم وينشرونه بين صفوف أمتــهم فأصبحوا اليوم كما قيل :

وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فصاروا اليوم أقل من القليلِ

فنحن نرجو من الله عز وجل أن يـجعلنا من طلاب العلم الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( من سلك طريقاً يلتمس به علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة )
رواه مسلم
وهذا يفتح باب الكلام على هذا العلم
الذي يُذْكَرُ في القرآن كـثيراً وكـثيراً جـداً ، كَمِثْلِ قوله تعالى :
) هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (
وقوله عز وجل :
) يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات
( ما هو هذا العلم الذي أثنى الله عز وجل على أهله والمتلبـسين به وعلى من سلك سبيلهم ؟
الجواب
كما قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تلميذ شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله – :
العلم قـال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالـتَّمْويه
ما العلم نَصْبَكَ للخلاف سفاهة بين الـرسول وبين رأي فقيه
كـلاّ ولا جَحْـد الصفات ونفيها . حذراً من التشبيه والتمثيل

فالعلم إذن نأخذ من هذه الكلمة ومن هذا الشعر الذي نادراً ما نسمعه في كلام الشعراء لأن شعر العلماء هو غير شعر الشعراء ، فهذا رجل عالم ، ويُحْسِنُ الشعر أيضاً ، فهو يقول : العلم :
( قال الله ) ،
في المرتبة الأولى ،
( قال رسول الله )
في المرتبة الثانية ،
( قـال الصحابة )
في المرتبة الثالثة

والحمد لله رب العالمين