يتحسر الباحث الجامعي حين يعلم ترتيب جامعاتنا العربية في العالم، و تزداد الحسرة حين يقارن بين تصنيف جامعاتنا العربية، والجامعات الأخرى. يتساءل الباحث بصدق عن جدوى آلاف الرسائل الجامعية التي تناقش في الجامعات العربية بعناوين رنانة إذا لم تكن تسهم في اكتساب الباحث تجربة بحثية تظهر بوضوح - بعد مناقشة الدكتوراه أو الترقية إلى أستاذ دكتور - في إعداد بحوث علمية تعطي إضافة نوعية وتثري البحث العلمي بجامعاتنا، و ترفع بذلك من درجات تصنيف جامعاتنا في الترتيب العالمي.؟ هل أحصت الوزارة المعنية على سبيل المثال كم بحثا علميا أنتجه هؤلاء بعد حصولهم على الدرجات العلمية؟ هل كل ما يحبر ويكتب عليه:
أطروحة ماجستير، أو دكتوراه أ و دراسة تتوفر فيه المقاييس العلمية مثل: الجدة ، والأصالة ،والإضافة أم أنها أطروحات، وأبحاث مستنسخة بطريقة أو بأخرى تؤخر ولا تقدم ؟ إنك لتجد باحثا مثلا يكتب عن بنية اللغة عند أدونيس ،فيأتي آخر وينجز بحثا عن بنية اللغة عند مفدي زكريا فيحذف ما له علاقة مباشرة بأدونيس
و يجعل مكانه مفدي زكريا رغم الفارق الكبير بين الشاعرين في بنية اللغة والرؤية الشعرية..
ما تفسير أن ينجز طالب دكتوراه أطروحة في 500 صفحة في ظرف قياسي ولما يطلب منه نشر دراسة في عشر صفحات أو أقل حتى يتأهل أو يناقش أطروحته تجده يتضمر، ويعجز -و في الكثير من الأحيان- يلجأ إلى الوساطات،أو إلى دفع مقابل مادي للمجلة حتى ينشر دراسته؟لماذا يلجأ بعض الأساتذة إلى هجر تخصصاتهم وتدريس مواد يجهلون حتى أبجدياتها ؟ ما سر إصدار الجامعات الجزائرية مجلات توضع عليها علامة محكمة وتزين بلجنة استشارية علمية مشهود لها بالعلم والنزاهة غير أنها قد لا تستشار بل لا تدري ما تنشر هذه المجلات من رداءة؟
أسئلة هي أكبر من أن نجيب عنها في هذه الورقة أو يحصرها جهد فردي،لكن أردنا على الأقل أن نساهم برأي بسيط قد يناقشه المختصون ويثرونه.
إن من يطلع على ما ينجز من بحوث جامعية عندنا يجد بعضها مجرد نسخ أو مسخ لجهود وتجارب الغير.
والمسخ كما جاء في معجم العين:مسخ: المسخ تحويل خلق من صورته، وكذلك المشوه الخلق، والمسيخ من الناس:الذي لا ملاحة له،ومن الطعام:الذي لا ملح فيه.ومن الفواكه :الذي لا طعم له.
ومسخ النص قد يكون بتحويل صورته الكلية، وطمس معالمه بحيث يشق على صاحب النص الأصلي معرفة نصه الممسوخ، وخير مثال ما حدث للناقد السعودي مؤخرا مع كتابه النقد الثقافي.وقد يقع المسخ على بعض أجزاء النص بالبتر، أو بتغيير مكانها في النص الأصلي. ولعل هذا هو سر تأخر جامعاتنا عن ركب الجامعات العالمية التي تفرض على الباحث الجدية والجدة في البحث وتحاسبه على النسخ والمسخ لتجارب غيره.
ومسخ النصوص شائع في الأوساط الجامعية، فقد يقرأ الواحد منا عددا من رسائل الماجستير والدكتوراه لكنه لا يجد لها طعما خاصا ولا لونا بل يخرج منها وهو يردد قول الشاعر:
وأنت مسيخ كلحم الحوار:::فلا أنت حلو ولا أنت مر.