لا أدري لماذا تذكرت أيام زمان، حين كنا لا نرى المرأة إلا متدثرة بثوب يسترها من رأسها إلى قدميها.وإن حدث، وكشفت إحدى المستهترات عن ساقها، فسيكون ذلك حديث العام والخاص، وتوصف بقليلة الحياء. ومرت أيام وجاءت أيام، فكشفت المرأة عن الساق، والركبة، والصدر والظهر، وصار الأمر عاديا، وطبيعيا..ولا أدري كيف تذكرت حكاية أحد أبطال رواية اليربوع عبد القادر، القادم من الجنوب،لم ير في حياته ساق امرأة عارية، ولم يغادر قريته منذ أن ولد، حتى قدر له أن زار أحد شواطئ العاصمة رفقة ابن عمه، الطالب بجامعة الجزائر،فرأى النساء يرتدين لباس السباحة شبه عاريات، رآهن مقبلات، ومدبرات فاحمر وجهه، وتغير لونه، وجحظت عيناه، وتحولت إلى مجهر الكتروني يضخم الأشياء فقال لابن عمه وهو يضطرب: هل الحكومة بخبرها؟هل الحكومة بخبرها؟ فطمأنه أن الحكومة تقوم بحراستهن.
وإلى وقت ليس ببعيد كان الباحث الجامعي يستحيي أن يأخذ جملة من كتابات غيره دون توثيق. وكان الأستاذ الجامعي يستحيي أن يدرس مقياسا بعيدا عن تخصصه، أو يشرف على رسالة أو يناقشها إذا لم تكن في تخصصه.ودارت الأيام وأصبح الباحث لا يكتفي بالسرقة بل ينشرها دون حياء ويجادل في أحقيته بما سرق.وصار الأستاذ يدرس كل المقاييس، ويشرف ويناقش في تخصصات بعيدة عنه، فكانت الكارثة حتى صرنا نتساءل بجد:هل الحكومة بخبرها؟
تذكرت كل هذا حين دعاني أحد الزملاء لحضور مناقشة رسالة ماجستير في الأدب العربي بإحدى الجامعات الجزائرية ، ولأن موضوعها كان حول السرد تحمست كثيرا للحضور، وقلت لعلي أجد في الرسائل التي تناقش بجامعتنا ما يثري مدونتي حول السرد، خاصة وقد سمعت أن آخر علامة كانت تمنح للطلبة الذين ناقشوا هي ثمانية عشر من عشرين،وهو ما يعادل ملاحظة مشرف جدا.ولا أبوح بسر إذا قلت: إنني شعرت بالتقصير في حق القاريء وفي حق الباحثين الجدد في السرد خاصة وأن العديد من الجامعات الجزائرية عرفت فتح عدة مشاريع ماجستير في السرد الروائي والقصصي .
عدت إلى بيتي، بعد أن تحصلت على بعض النسخ من رسائل الماجستير التي نوقشت بجامعاتنا وكلي فرح في أن أجد فيها ما استفيد منه.ورغم أني أجريت عملية جراحية حديثة على عيني إلا أنني بدأت في قراءة الرسالة، فأصبت بالدوار، من أول صفحة، وتساءلت إن كانت اللجنة الموقرة قد قرأت الرسائل التي نوقشت؟
بدأ اغلب الطلبة بالسرقة من أول صفحة في المقدمة، فراح ضحيتهم،محمد برادة،و حسن نجمي وسعيد الغانمي وغيرهم كثر.... ولم يكتف الطلبة بالسرقة بل راحوا يشوهون النصوص تشويها حتى يغيبوا أصلها ويستروا بذلك سرقاتهم.
والسؤال الذي نطرحه ما هي مسؤولية المشرفين ولجنة المناقشة في هذه الجريمة التي حولت البحث الأكاديمي إلى بحث أكاذيبي.؟