حقيقة الرؤى والأحلام


أولَت العلومُ الإنسانيَّة والدِّيانات السماويَّة أحلام الإنسانِ ورؤاهم اهتماماً بليغاً، حتَّى أنَّها جعلتها في تصانيفَ خاصَّة ومميزة من العلومِ الشرعيَّة والتأويل، وقد جاءت أهميَّة الأحلامِ والرُّؤى من اهتمامِ النَّاس فيها على مرِّ التاريخ، وتعلُّقهم بأحلامهم وحاجتهم لتفسيرها، وتعلُّق حياتهم وتيسير أمورهم من خلالها، كما تنبع أهميُّة الأحلام والرؤى من اهتمامِ الشَّرائع السماويّة فيها والأمم والملوك والعلماء والمؤرِّخين، وقد ذكرت الكُتب السَّماويَّة أحلام الأنبياء ورؤاهم وجعلتها في قُدسيَّةٍ من الحديث والنَّقلِ والأهميَّة، ومثلُ ذلك ما عرضتهُ آياتُ القرآنِ الكريمِ من رؤيا النِّبيِّ يوسف عليه السَّلام، وتَتبُّعِ تفسيرِ رؤياه، ووصفِ مجرياتِ الأحداثِ بناءً على ما جاء في الرؤيا، ويذكر أهل العلم الرؤى بأنّها العلمُ الأوَّل بين العلومِ، وأنَّ هذا العلم باقٍ باهتمامِ الأنبياءِ به وتحقُّق النَّبوءاتِ من خلاله بوحيِ الله عزَّ وجل حتَّى صارت الرؤيا جزءاً من النُّبوَّة.

الأصل العلمي للأحلام

تحدَّث العلماء في وصف الأحلامِ وطبائعها وأسبابها وأنواعها، وراقبوا النِّيام، وحلَّلوا أحلامهم، وأرجعوها إلى حالاتهم النفسيَّة والاجتماعيَّةِ وحاجاتهم التي يسعون لتلبيتها أو رغباتهم التي يطمحون لتحقيقها، غير أنَّ ذلك كلُّه لم يُسعفهم في التعرَّف إلى الطبيعة العلميَّة الدقيقة للحلم وأسباب تكوِّن تفاصيله، وأحداثه المتنوِّعة بين الخيرِ المفرِح والشرِّ المُفزِع، وقد رأى فرويد أنَّ الأحلامَ مُجرَّدُ حارسٍ للنَّومِ يُطيلُ مُدَّته ويمنع انقطاعه باستحضارِ أحداثٍ تُشبِع الدَّوافع اللاشعوريَّة للإنسان ليستمرَّ في نومه العميق، وفي رأيه أنَّ الأحلام نتاج صراع النَّفس بين رغباتها المكبوتة ومقاومتها لكبح هذه الرَّغباتِ ومنعها، وقد تكون الأحلام مُجرَّد اشتغال تفكير الإنسانِ بأحداثه ووقائعه، فيستمرُّ الدِّماغ بانشغاله، فيُنتِج بذلك نشاطاً فكرياً كنوعٍ من الاستجابةِ للمنبِّهِ الذي تعرَّض له النَّائم أو الدَّافع الذي يشغله ويهمّه، أو تَسرُد أحداث اليومِ أو الأيَّام أو ما سبقَ حدوثه، أو تُظهرُ حلولاً لمشاكله، وقد تحملُ الأحلام الكثير من المُشتِّتات والمزعجاتِ التي تُنهي النَّوم وتُنبِّه الإنسانِ؛ لينسى على الأغلب ما دار في حلمه ويبقى له شعوراً بالراحة أو الانزعاج.

الخوف من الأحلام

يعاني الكثير من الناس مشكلة الأحلام المزعجة والكوابيس الدائمة أو المتباعدة، وتوضِّح الدراساتُ أنَّ فرداً بين اثنين يُعاني من مِثل هذه الأحلام كلَّ ليلةٍ، وبنسبةٍ مرتفعةٍ للفتراتِ المتباعدةِ تصلُ إلى ثمانٍ بالمائة عند البالغين، وترتفع إلى نحو خمسين بالمائة عند الأطفال دون سنِّ الدِّراسة وبين الثالثةِ إلى السَّادسة من أعمارهم تحديداً، ويُعلَّلُ ارتفاع النِّسبةِ عند الأطفالِ لأسبابٍ عديدةٍ تتعلَّقُ بالوضع الصحِّي والنفسي والاجتماعي والأمني للطفلِ، وغير ذلك ممّا يُعايشه الطِّفل يومياً، فأمراض الجهاز التنفسي مثلاً تساعد في ارتفاع نسبة التعرُّض لمثل هذه الأحلام، كما أنَّ التغيُّرات التي يواجهها الطفل أثناء مراحله المبكرة؛ كدخول الدراسة، أو محاولة التأقلم مع الأصدقاء الجدد، والانتقال بالمسكن، ومشاكل الوالدين أو طلاقهما تولِّد لديه جميعها ضغطاً عصبياً مزعجاً يُعبَّر عنه بالكوابيس الليليَّة والأحلام المُزعجة.وفي الغالب، فإنَّ الحالم بالكابوس أو المتعرِّض للأحلام الزعجة يدخل في حالة الخوف من النَّوم كنتيجة لخوفه من التعرُّض للأحلام مرةً أخرى أو خوفه من العودة للحلم ذاته ومعايشةِ أحداثه ومشاهده، فتسيطر عليه مشاعر الخوف والحزن والقلق وممانعة النوم؛ تفادياً للتعرُّض للحلم مرة أخرى، وقد لا يشعر الكثير من النَّاس بأهميَّة الأحلام المزعجة أو لا يولّدون نحوها شعوراً؛ لندرة حدوثها لديهم أو تباعد فتراتها، غير أنَّ البعض يتأثَّر بها بشكلٍ كبيرٍِ، وقد يتولَّد لديهم مضاعفاتٍ نفسيَّة أو أزماتٍ سلوكيَّة يصاحبها الأرق المزمن والخوف من النَّوم، كما قد تتشكَّل لدى البعض فكرة الانتحار لشدَّة الضغط النَّفسيِّ المتكوِّن عنها.


طرق الوقاية من الأحلام المزعجة

يحدثُ أن يتوقَّع الإنسان أحلامه نتيجة تشبُّعه بالخوف منها والقلق من انعكاسها وتكرارها، وتلعب الحالة النفسيَّة للإنسانِ دوراً نسبياً في حدوث الأحلام المزعجة؛ إذ تُعدّ نتاج التفكير في الهموم والمشاكل اليوميَّة، وتترك الأحلام المزعجة أثراً سلبياً نفسياً على الحالم أحياناً، لكنَّ الأسوأ هو ما تُخلِّفه من متاعب وأحمال وهموم وتفكير بعد الاستيقاظ من النَّوم وانتهاء الحلم، ثمَّ التحوُّل إلى حالة الخوف من الأحلام كسلوكٍ دائم، ويمكن للفردِ أن يُجنِّب نفسه من التعرُّض لأزمة الأحلام المزعجة وما يترتَّب عليها من خوفٍ وهلع ببعض الإجراءات الوقائيَة منها: توفير الراحة الجسمية والنفسية في الفترة الزمنية التي تسبق النوم بما يكفي العقل والجسد ليفرِّغ طاقته السلبيّة ويُبدِّل حالته الذهنية، فلا تنشغل النَّفس بالأمور المزعجة أو النشاطات الحياتية التي تستهلك طاقة الجسد وتستدعي انتباه العقل وتشغله بالتفكير والانفعال والجهد، ويشمل ذلك جميع النشاطات البدنية والذهنية التي تُرهق الجسم وتُتعب النَّفس؛ كقراءة الروايات المزعجة، أو مشاهدة البرامج التلفزيونيَّة المثيرة، أو استذكار الأحداث اليومية المزعجة التي تؤدّي إلى حدوث الأحلام المزعجة. مباعدة الوجباتِ الغذائيَّة عن فترة النوم مدة كافية، وتجنُّب الأطعمة الدسمة والمشروبات المُحتوِيَة على الكافيين كالشاي والقهوة والمشروبات الغازيَّة في الفترة التي تسبق موعد النَّوم بمدَّة زمنيَة مناسبة؛ ليتخلّص الجسم من آثارها التي تؤدّي إلى القلق. ممارسة الرِّياضات الصَّباحيَّة وتجنُّب النَّوم النَّهاري مدة طويلة. برمجة الجسمِ وتعويده على النوم بميعادٍ ثابتٍ وتنظيم الوقت المخصَّص للراحة. ممارسة تمارين الاسترخاء المعزِّزة للتنفُّس والمُحسِّنة للشعور والباعثة للسَّعادة؛ كالتأمل في الأحداث المبهجة والذكريات الجميلة وممارسة تمارين التنفُّس. قراءة الأذكار والآيات والأدعية المأثورة في كلِّ صبحٍ ومساءٍ، مع المداومة عليها وتعاهدها والاستمرار بالتعلُّق فيها؛ لما ورد من أفضالها في دفع الشَّيطانِ، ودفعِ الأحلام المزعجة، وتحصينِ المسلم.