لم يكن رئيس جمعية باعة السمك بميناء الحسيمة شمالي المغرب فريد بوجطوي يعتقد أن الدلافين يمكن أن يكون لها وجه قبيح غير الوجه الذي ألفه الناس عنها، وهي التي دأبت على إدخال السرور والبهجة إلى النفوس برشاقتها وحركاتها.
نظرة بوجطوي تغيّرت خلال السنوات الأخيرة منذ أن أصبحت الدلافين تهدد بشكل كبير تجارته، بل وتجارة معظم تجار السمك بسبب استهدافها المتكرر لشباك الصيادين الذين يصطادون الأسماك من السطح مثل سمك السردين.
وأصبحت هذه الدلافين تشكّل في الوقت الراهن كابوسا حقيقيا للصيادين في هذا الميناء وموانئ أخرى في الشريط الساحلي الشمالي للمغرب، كميناء محافظة الناظور والجبهة والمضيق.
ومنذ أن كثف الدلفين الأسود أو "النيكرو" -بتعبير أهل المنطقة- استهدافه قوت يومهم، قرر العشرات من الصيادين هجرة هذه الموانئ إلى موانئ وسواحل هي في الوقت الحاضر في منأى عن الأضرار التي بات يسببها لهم النيكرو في كل مرة
هجمات متكررة
وعلى طول رصيف ميناء الحسيمة، ينهمك عدد من خياطي الشباك في ترقيع وإصلاح ما أفسده النيكرو، يبدؤون عملهم كل يوم من الصباح الباكر وحتى المساء.
وتقتصر مهمتهم على إصلاح الثغرات والثقوب الكبيرة التي يتسبب فيها الدلفين، وهو ما يشكل عبئا كبيرا على أرباب المراكب، فعوض أن يتفرغ هؤلاء لاستثمار مدخراتهم في الأعمال الاعتيادية، من تجهيز المركب بمعدات الصيد التي يمكن أن تتعرض للتلف خلال رحلات الصيد، يضعون في الحسبان دائما مصاريف إضافية بسبب النيكرو.
ووفق إفادة بعضهم، فإن الأضرار التي قد يلحقها الدلفين الأسود الذي يصفونه بوحش البحر، قد تتجاوز 10 آلاف درهم (ما يعادل نحو 1100 دولار) في الهجمة الواحدة.
ولم يجد بعد الصيادون الذين يستهدف الدلفين الأسود شباكهم بشكل شبه يومي تفسيرا علميا لهذا الاستهداف، لكن بعضهم يعتقد بأن قلة الأسماك التي يتغذى عليها ربما كانت سببا دفعه إلى استهداف ما يصطادون.
ويتحين الدلفين الأسود فرصته السانحة لبدء هجومه على شباك الصيادين، إذ بعدما يتجمع السمك عند المصابيح التي تستعملها مراكب الصيد وتشرع في عملية الصيد، وعند امتلاء الشباك بالأسماك، وفي اللحظة التي يستعدون فيها لرفع شباكهم إلى مراكبهم إيذانا ببدء يوم وافر، ينهار كل شيء بعدما تشرع الدلافين في استهداف هذه الشباك من كل حدب وصوب وتقطيعها بأسنانها الحادة لتصل إلى غلة السمك، ويعود الصيادون خائبين يجرون خسائر أخرى.
ويؤكد رئيس جمعية البحارة الصيادين بميناء الحسيمة عادل أزناكي أنه قبل سنوات عدة فقط كان ميناء الحسيمة ينشط فيه أكثر من خمسين مركبا لصيد الأسماك السطحية تشغل المئات من الصيادين بشكل مباشر وعددا من الأشخاص الآخرين المرتبطين بمهنة الصيد البحري بشكل غير مباشر من مجهزين وغيرهم.
لكن -يتابع أزناكي في حديثه للجزيرة نت- بعد تفاقم الوضع أصبح العدد لا يتعدى عشرين مركبا اليوم، في حين الباقي قرر الهجرة إلى وجهات أخرى توجد بمنأى عن أضرار الدلفين الأسود