الثقافة
تتعدد أشكال التعبير لدى الإنسان، ولدى المجتمعات، فكان قديماً التعبير من خلال الكلمة بأساليب التعبير المختلفة فيها، شعراً أو مقالة، أو خاطرة، أو قصة قصيرة، وكلها كانت تحمل رسائل تعبيريّة تصل إلى القارئ، وتمثّل صوراً متعددة في خياله، وهذه الثقافة التعبيريّة، كانت ولم تزل موجودة، ولا تخلو منها صفحات الصحف عبر زواياها وأعمدتها المختلفة، وتعجُّ بها بعض عناوين الكتب والمؤلفات، وكانت هذه الثقافة تعلي من شأن القراءة والكتابة على حدٍ سواء. أمّا اليوم وفي غمرة التقدم التكنولوجي الهائل، فقد جاءت ثقافة الصورة، وأخذت بالانتشار بشكل كبير، فكانت الصورة تعرض بوسائل تقنيَّة هائلة عبر رسائل تعبيريّة مختلفة، تعجُّ بها وسائل الإعلام المختلفة، فأنت تشاهد صوراً متعددة في أشكال عرضها، وهي متنوعة بين الدراما والتمثيل إلى التصوير الفوتغرافي، إلى الوسائط المتعددة عبر الأجهزة الذكيّة، والتي يتمُّ نقل الصور فيها من مكان إلى آخر بشكل سهل وميسور، ولا تحتاج إلى عناء أو مشقّة، حيث الجودة والدقة والسرعة.
العلاقة بين ثقافتي الصورة والكلمة
كان لكلا الثقافتين دور عظيم في الإثراء المعرفي، ولكلٍ أيضاً جمهوره ومنتجوه، فكان دورهما تكامليّاً في معظم الأحيان، فلا غنى للكلمة المكتوبة عن الصورة بوسائل عرضها المتعددة، ولا غنى للصورة أيضاً عن الكلمة التعبيريّة المكتوبة بوسائلها المتعددة، فكلٌ يحتاج إلى الآخر، وهناك من رأى استقلاليّة كل منهما عن الآخر، وتوسع ثقافة الصورة مقابل انحسار ثقافة الكلمة بسبب التقدم التكنولوجي الكبير، ودخول التكنولوجيا كلَّ منزل تقريباً؛ فالإنترنت، والحاسوب، والفضائيات، كلُّها منابر عظيمة لثقافة الصورة التعبيريَّة بوسائل العرض المختلفة، وفيها أيضاً متّسع كبير لثقافة الكلمة. وأياً كان الموقف من الثقافتين، وأياً كانت المقارنة بينهما، فإنًّ ثقافة الكلمة هي الأساس، حيث حملت صوراً تعبيريّة، ورسمت للصورة ذاتها أبعاداً تعبيريّة متعددة، لما تضمنه النص من صور فنيَّة وخيال تعبيري عالٍ، ولما تضمه أيضاً من أشخاص وأماكن؛ كالقصَّة، والرواية مثلاً فهي تترك للصورة حيّزاً عظيماً في التعبير، ومهما بلغ التقدم التكنولوجي، فثقافة الكلمة ما زالت تحملها عقول الأدباء والمفكرين، وتعجُّ بها عناوين الكتب والمقالات المختلفة، ووسائل التعبير المتعددة، وما زالت تقتحم حيّزاً عظيماً في وسائل الإعلام المختلفة التي تتقن إلى حد كبير الجمع وباحترافيَّة عالية بين الثقافتين، فالكاميرا والمونتاج، وقلم الكاتب والأديب لا تنفصل، وهما في التقدم والإبداع عنوانين يلتقيان ويتكاملان.
الواجب والمسؤولية
إزاء تكامل ثقافتي الكلمة والصورة، والحاجة العظيمة إليهما، فلا بدّ من توفير الدعم المهني لكلا الثقافتين، فلا بدَّ من إعلاء شان القراءة والكتابة من خلال منابر إعلاميّة متعددة، وألا تغيب هذه الثقافة في غمرة ثقافة الصورة التي تعددت وسائل عرض الصورة فيها، فالعقل والفكر والإبداع التعبيري يجب ألا يغيب عن الجمهور مهما تقدمت التكنولوجيا وتطورت، فكلمة إقرأ ما زالت الكلمة الأولى التي نزلت في كتاب الله عز وجل