بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين


لقد أُسري إلى بيت المقدس – حسب نصّ القرآن في سورة الإسراء – بالنبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بروحه وجسده من مكّة المكرّمة، وذلك في السنوات الأولى من البعثة. كما عُرج(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بروحه وجسده من بيت المقدس إلى السماء، كما وردت بذلك الأخبار الكثيرة.

وأمّا أهداف الإسراء والمعراج، ي (الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم))، قال: فهي:
أوّلاً: إنّ حادثة الإسراء والمعراج معجزة كبرى خالدة، ولسوف يبقى البشر إلى الأبد عاجزين عن مجاراتها وإدراك أسرارها، ولعلّ إعجازها هذا أصبح أكثر وضوحاً في القرن العشرين وهذا القرن، بعد أن تعرّف هذا الإنسان على بعض أسرار الكون وعجائبه، وما يعترض سبيل النفوذ إلى السماوات من عقبات ومصاعب.

وثانياً: يلاحظ أنّ هذه القضية قد حصلت بعد البعثة بقليل، وقد بيّن الله سبحانه الهدف من هذه الجولة الكونية؛ فقال في سورة الإسراء: (( لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَا )) (الاسراء:1)، وإذا كان الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الأُسوة والقُدوة للإنسانية جمعاء، وإذا كانت مهمّته هي: حمل أعباء الرسالة إلى العالم بأسره، فإنّ من الطبيعي: أن يعدّه الله سبحانه إعداداً جيّداً لذلك، وليكن المقصود من قصّة الإسراء والمعراج هو: أن يشاهد الرسول الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعض آثار عظمة الله تعالى، في عملية تربوية رائعة، وتعميق وترسيخ للطاقة الإيمانية فيه، وليعدّه لمواجهة التحدّيات الكبرى التي تنتظره، وتحمّل المشاق والمصاعب والأذايا التي لم يواجهها أحد قبله، ولا بعده.

وثالثاً: لقد كان الإنسان – ولا سيّما العربي آنئذ – يعيش في نطاق ضيّق، وذهنية محدودة، ولا يستطيع أن يتصوّر أكثر من الأُمور الحسّية، أو القريبة من الحسّ، التي كانت تحيط به، أو يلتمس آثارها عن قرب. فكان – والحالة هذه – لا بدّ من فتح عيني هذا الإنسان على الكون الأرحب، الذي استخلفه الله فيه، ليطرح على نفسه كثير من التساؤلات عنه، ويبعث الطموح فيه للتعرّف عليه، واستكشاف أسراره، وبعد ذلك إحياء الأمل وبثّ روح جديدة فيه، ليبذل المحاولة للخروج من هذا الجوّ الضيّق الذي يرى نفسه فيه، ومن ذلك الواقع المزري، الذي يعاني منه، وهذا بالطبع ينسحب على كلّ أُمّة، وكلّ جيل، وإلى الأبد.

ورابعاً: والأهمّ من ذلك: أن يلمس هذا الإنسان عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه، وعظيم قدرته، من أجل أن يثق بنفسه ودينه، ويطمئن إلى أنّه بإيمانه بالله، إنّما يكون قد التجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلاّ الأصلح، ولا يريد له إلاّ الخير، قادر على كلّ شيء، ومحيط بكلّ الموجودات.

وخامساً وأخيراً: إنّه يريد أن يتحدّى الأجيال الآتية ويخبر عمّا سيؤول إليه البحث العلمي من التغلّب على المصاعب الكونية، وغزو الفضاء، فكان هذا الغزو بما له من طابع إعجازي خالد هو الأسبق والأكثر غرابة وإبداعاً، وليطمئن المؤمنون، وليربط الله على قلوبهم، ويزيدهم إيماناً(1).


(1) راجع: الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) 3: 5 – 50 الفصل (3) الإسراء والمعراج.



تتحدّث عن إراءة الله تعالى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عجائب الآيات الكونية في رحلته عبر السماوات، كما هو نصّ الآية الكريمة: (( لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَا )) (الاسراء:1), وتكون فائدة هذه الرحلة تربوية وتعليمة وإرشادية بالنسبة إلى سائر المؤمنين، إذ أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) سينقل لهم بعض مشاهداته في المعراج، ومن ذلك: تحذيرهم من هول جهنّم التي اطّلع عليها، وحثّهم على العمل الصالح لينالوا ما أعدّ الله لهم من الثواب في الجنان.. وكان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في معراجه قد أطلعه الله تعالى على الجنّة والنار ليصف ذلك للمؤمنين، فيقبلوا على الطاعات، ويتجنّبوا المعاصي.

النقطة الثالثة:
لقد كان العرب لا يعلمون ولا يعرفون شيئاً من العلوم، ولم يعرفوا سوى البادية التي حولهم، ولذلك وصفت حياة العرب قبل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بـ(الجاهلية)، فكان لعروج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى السماء دخل أكيد في فتح آفاق الذهنية العربية على الكون وأسراره، فتحصل لديهم الرغبة في التعليم والمعرفة واستكشاف المجهولات التي اعتادوا عليها.

النقطة الرابعة:
كانت هذه الرحلة السماوية المسماة بـ(المعراج) حافزاً هامّاً للمسلمين لإدراك عظمة الخالق تبارك وتعالى، فيحملهم ذلك على نبذ الأوثان والتخلّص من الشرك؛ لأنّهم سيدركون بأنّ الله تبارك وتعالى هو الخالق لكلّ شيء، فيتوجّهون إلى معنى عظمته وسرّ قدرته، وحينئذٍ يقبلون على الإسلام عن رغبة فيه لا عن إكراه وإجبار، أو عدم قناعة.

وحينئذٍ نفهم بأنّ فائدة المعراج ترجع بالدرجة الأولى للمسلمين؛ فالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) منكشف على عالم الملكوت، وهو على يقين من ربّه وعظمته، فلا يحتاج إلى المعراج ليؤمن أو يطمئن، فليس بشاكٍّ أصلاً، وليس حال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذا يختلف عن حال سائر الأئمّة(عليهم السلام) فهم مثله في درجة اليقين – ولذا قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً)(1).

ولكن لا تنحصر فائدة المعراج بازدياد اليقين حتّى يرد الإشكال، بل هناك أثار أُخرى: منها: تكوينية ترجع فائدتها إلى عالم الدينا، مثل: انعقاد نطفة فاطمة من ثمار الجنّة مثلاً، وأُخرى: آثار ترجع إلى عالم الملكوت، مثل: صلاته بالأنبياء والملائكة، ومنها: الترقّي في الكمالات والقرب المعنوي من الله، ومنها: أسرار لا يعلمها إلاّ الله ورسوله والأئمّة(عليهم السلام).


(1) مناقب آل أبي طالب 1: 317 باب درجات أمير المؤمنين(عليه السلام).