المقدمة
يسعى كل إنسان مؤمن بالله واليوم الآخر إلى الفوز برضا الله سبحانه وتعالى ونيل الجنة، التي وعد الله بها المتقين، وشمل الخالق عز وجل عباده بلطف عنايته الكريمة، ورسم لهم سبل الهداية، التي ما إن اتبعوها حتى ينالوا ما وعدوا به، وكان من بين هذه السبل والوسائل التي تقود إلى الجنات الموعودة، هو سبيل كفالة اليتيم وجعل من وجود اليتيم رحمة للناس ومنفذاً لعناية الخالق عز وجل، واهتم المشرع الإسلامي باليتيم مستمداً ذلك من اهتمام القران الكريم باليتيم، إذ ورد ذكر اليتيم في أكثر من موضع في القران الكريم كما نقلت لنا كتب الحديث والسير أحاديث الرسول الأكرم (ص) عن اليتيم ورعايته وكان لمعنى اليتيم الرمز في التبجيل لاقترانه بالرسول الأكرم (ص)، وفي كتب السير ورد حديث عن الخالق عز وجل (إذا بكى اليتيم اهتز له العرش، فيقول الله تبارك وتعالى: من هذا الذي بكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره، وعزتي وجلالي، وارتفاعي في مكاني ، لا أسكته عبد مؤمن إلا أوجبت له الجنة)[1] ، وبعد التطور الحضاري والتاريخي للمجتمعات وتوسع الآفاق وظهور آليات تنظيم العلاقات بين الأفراد وبين المؤسسات، أولت المجتمعات اهتماماً خاصاً في بيان الحقوق والواجبات لأفرادها وتحديد الالتزامات، بما يضمن سلامة الهيكل العام لبنيتها، وتصدى لهذه المهمة العديد من الباحثين في كل المجالات ذات الصلة وافردوا لها أبحاثاً خاصة، وتوقفوا كثيراً عند تحديد معيار ثابت تتمكن من خلاله منظومة المجتمع من ترتيب الالتزام ومنح الحقوق للأفراد، وكانت الشريعة الإسلامية الغراء، التي تفردت بطرح قيم اجتماعية وأخلاقية عالية التنظيم والدقة والتقدم ، من بين الباحثين في شؤون تنظيم الحقوق والالتزامات، وفي هذا السبيل تصدت إلى تحديد مفهوم اليتيم، فكان تحديدها له بدقة لم يصل إليها أعلى المفكرين والباحثين مستوىً في كل الأمم الغابرة والحاضرة، وانعكست تلك الدقة الموضوعية على القوانين المستمدة منها والدساتير التي تنهل من معينها ، وحيث أن شكل الدولة الحالية قد تغير عما كان عليه في ما سبق، فان الوسائل المنظمة لعمل هذه الدولة قد تطور وظهر القانون الذي كان يتناسب طردياً مع تطور الحاجة إلى التنظيم، وشمل هذا التطور أحوال اليتيم أيضا، مثلما شمل غيره من أبناء المجتمع، إلا إننا لم نجد ما يشير إلى اهتمام المشرع الوضعي باليتيم مثل اهتمام المشرع الإسلامي، وان تناوله لليتيم كان ضمن مفهوم القاصر أو الحدث، ولم يفرد أحكام خاصة به وان كانت هناك إشارات مبعثرة في مجموعة من القوانين والأوامر والتعليمات إلى مفردة اليتيم أو الأيتام ، ولغرض دراسة الأحكام القانونية النافذة، التي تنظم أحوال اليتيم في القانون العراقي، أتقدم بهذه الدراسة لتكون نموذج لبقية التشريعات في الدول العربية أو الإسلامية، وتتناول الدراسة مفهوم اليتيم في الإسلام وكذلك في القانون العراقي مع ذكر التطبيقات العملية القضائية والإدارية لها، وإنها اقرب إلى الدراسة المقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي العراقي، مع ذكر بعض التجارب العربية المحيطة بالعراق . وتتكون الدراسة من فصلين يشمل كل فصل على عدة مباحث وكل مبحث بدوره يحتوي على جملة من المطالب، حسب حاجة البحث والخاتمة، التي أجمل فيها التوصيات والنتائج التي خلصت إليها الدراسة، والغاية من هذه الدراسة هو المسعى لتطوير التشريعات الحالية واقتراح المشاريع القانونية المستقبلية ذات الصلة باليتيم، وأتمنى أن تنال رضا الله قبل رضا الناس وان تكون مفردة في كتاب الجهد الإنساني لتنظيم ورعاية أحوال اليتيم والله ولي التوفيق .
الفصل الأول
مفهوم اليتيم
كلمة اليتيم لها عدة معاني تختلف تبعاً لمحل استعمالها، ولها في اللغة جملة من المعاني تخلتف أحيانا عن المعنى الاصطلاحي، لذا سنتناول التعريف اللغوي ثم الاصطلاحي في الشريعة الإسلامية والتعريف الاصطلاحي في القانون العراقي.
المبحث الأول
التعريف اللغوي
اليتيم كلمة مشتقة من الفعل يتم واليتيم جمعه أيتام ويتامى، وقد يَتِِم الصبي بالكسر يتم يتما، بالتسكين فيهما واليتم في الناس من قبل الأب ، وفي البهائم من قبل الأم[2] ، كما إن اليتيم: من الجواهر : الذي لا أخ له ، ومنه " درة يتيمة "[3]، أي لا أخت لها، وعند أهل اللغة اليتم يأتي بمعنى الحقر والدفع، فإذا مات أبو الصبي فهو يتيم ، وهو مدفع ، أي يدفع ويحقر والدفع هو صرفه أو عدم مزاحمته أو انه مهمل، حيث يقال فلان سيد قومه غير مدافع ، أي غير مزاحم فيه، ولا مدفوع عنه، وهذا طريق يدفع إلى مكان كذا، أي ( ينتهي إليه ) ودفع فلان إلى فلان، انتهى إليه، وقولهم غشيتنا سحابة فدفعناها إلى بني فلان، أي انصرفت إليهم عنا، إلا أن اليتيم لا يكون إلا بفقدان الأب، فاليتيم الذي يموت أبوه، والعجي الذي تموت أمه، واللطيم الذي يموت أبواه[4]، وبموجب هذا التقسيم يكون اليتيم من فقد أباه و العجي لفاقد الأم ومن فقد كلا أبويه يسمى لطيم، ولكلمة يتيم في اللغة معنى الانفراد لا احد له أو معه، واليتيم سمي يتيما لإنفراده، وكل شيء انفرد فقد تيتم[5]، وكل شيء مفرد يعز نظيره فهو يتيم، يقال درة يتيمة[6]، وقد يكون لكلمة اليتم معنى الضعف، حيث إن النساء يقال لهن يتامى وفي حديث الشعبي ( أن امرأة جاءت إليه فقالت إني امرأة يتيمة فضحك أصحابه ، فقال : النساء كلهن يتامى أي ضعائف)[7]، كذلك يقال للمرأة يتيمة ولا يزول عنها اسم اليتم أبدا، وتدعى يتيمة ما لم تتزوج ، فإذا تزوجت زال عنها اسم اليتم[8] ، كما إن اليتم يكون بمعنى الغفلة ، إذ ورد في لسان العرب (قال المفضل : أصل اليتم الغفلة ، وسمي اليتيم يتيما لأنه يتغافل عن بره)[9]، كما إن اليتم بمعنى البطء وقال أبو عمرو : اليتم الإبطاء ، ومنه أخذ اليتيم لأن البر يبطئ عنه[10] . والذي يظهر مما تقدم وما يقوله أهل اللغة في هذا الصدد أن التسمية بهذا الاسم منشأها، عدم الاعتناء الذي يلاقيه من فقد كفيله، وحيث كانت الكفالة في الإنسان منيطة بالأب، كان فاقد الأب يتيماً دون من فقد أمه، وحدد اللغويون نهاية هذا العنوان ، وإذا بلغ زال عنه اسم اليتم حقيقة . وقد يطلق عليه مجازا بعد البلوغ ، كما كانوا يسمون النبي (ص) وهو كبير : يتيم أبى طالب ، لأنه رباه بعد موت أبيه[11]، حيث صرح بمثل ذلك من تضلع بتتبع هذا النوع من المصطلحات.
المبحث الثاني
التعريف الاصطلاحي
أما التعريف الاصطلاحي لليتيم ، فيكون على مطلبين الأول في الشريعة الإسلامية والثاني في القانون .
المطلب الأول
تعريف اليتيم في الشريعة الإسلامية
اتفق الفقهاء المسلمون مع علماء اللغة العربية، على أن اليتيم هو من فقد أباه ولم يبلغ مبلغ الرجال، فمن مات أبوه قبل بلوغه يسمى يتيما ، ولو مات الأب وقد بلغ الصبي لم يكن يتيما، وكذا لو ماتت ألام قبل بلوغه لم يكن يتيما[12]، واجمع الفقهاء على ذلك. وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " لا يتم بعد الحلم " وقوله تعالى " إذا بلغوا النكاح"[13]أراد به البلوغ ، فعبر عنه به ، وقوله تعالى " آنستم منهم رشدا "[14] أي علمتم منهم رشدا ، فوضع الإيناس موضع العلم، كما وضع الإيناس موضع الرؤية[15] في قوله تعالى " آنس من جانب الطور نارا "[16]، أي رأى فهم يرون أن هذا العنوان يتمشى مع الطفل إلى حد البلوغ الشرعي، وسن البلوغ الشرعي له أكثر من صورة على وفق ما توفرت عيه كتب الفقه وأهمية ذلك تكمن في إنهاء حالة اليتم ، حيث يرى بعض الفقهاء إن البلوغ ، هو العمر الذي يحكم فيه على الشخص بالبلوغ سواء احتلم أم لم يحتلم ، وسن البلوغ ، الذي يصبح فيه الإنسان أهلا . للإلزام والالتزام[17]، واختلف في تقديرها وهي تقارب ثمانية عشر سنة[18]، و سن البلوغ عند الأنثى يختلف عن الذكر، حيث أن السن الذي يحصل به البلوغ ، عند الذكر خمس عشرة سنة، وفي الأنثى تسع سنين، والعادة قاضية بأن المرأة في سن البلوغ ترى الحيض[19] ، وقد يتم اللجوء إلى سؤال الفتى، ويكون بإقراره على نفسه بالبلوغ أو باستيفاء عدد سن البلوغ ، وهو أن يشهد أنه ولد في سنة كذا ، فيكون له إلى هذه السنة خمس عشرة سنة[20]، واختلف العلماء في أقل سن تحيض فيه المرأة ويحتلم فيه الرجل وهل تنحصر العلامات في ذلك أم لا وفي السن الذي إذا جاوزه الغلام ولم يحتلم والمرأة لم تحض يحكم حينئذ بالبلوغ وقال أبو حنيفة سن البلوغ تسع عشرة أو ثمان عشرة للغلام وسبع عشرة للجارية وقال أكثر المالكية، حده فيهما سبع عشرة أو ثمان عشرة وقال الشافعي وأحمد وابن وهب والجمهور حده فيهما استكمال خمس عشرة سنة على ما في حديث بن عمر في هذا الباب[21]، كما يعرف البلوغ بأمور خمسة ، ثلاثة مشتركة بين الذكر والأنثى ، واثنان مختصان بالأنثى . فالمشتركة ، خروج المني من القبل ، والسن ، والإنبات . والمختصة ، الحيض والحمل .
ومن خلال ما تقدم نجد إن الذي تقرره الشريعة المقدسة للبلوغ هو في ظهور واحدٍ من
العلامات التالية:
1 ـ إنهاء الطفل خمسة عشر عام من عمره إذا كان ذكراً، وتسعة إذا كانت أنثى.
2 ـ إنبات الشعر على عانته.
3 ـ الاحتلام بخروج المني منه، أو الحيض من الأنثى. والمني - وهو الماء الدافق الذي يخلق الله تعالى منه الولد - سبب للبلوغ ، سواء خرج يقظة ، أو نوما ، بجماع أو احتلام أو غير ذلك ، وسواء قارن شهوة أم لا[22].
حيث تنبئ هذه العلامات بوصوله إلى مدارك الرجال. وحينئذٍ، فينتقل من مرحلة الطفولة، وهي مرحلة عدم المسؤولية إلى مرحلة العبء الاجتماعي، والمسؤولية الشرعية التي تفرض على الرجال البالغين. وفي تعريف معاصر يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل في فتوى منشورة له بموقع (إسلام أون لاين) إن "اليتيم هو الذي مات أبوه ولم يبلغ مبلغ الرجال، فإذا بلغ الصبي الرشد لم يعد يتيمًا، إلا إذا كان في عقله سفه أو جنون؛ فيظل في حكم اليتيم وتستمر كفالته، والبنت تظل في الكفالة حتى تتزوج؛ لقوله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [23](ا، فإذا بلغ الصبي اليتيم رشيدًا ولكنه فقير فيكون الإحسان إليه من باب أنه فقير.[24] لذلك فان تعريف اليتيم في الشريعة الإسلامية يدخل حكما ضمن مفهوم القاصر ويعامل معاملة المحجور
المطلب الثاني
التعريف القانوني لليتيم
بعد أن عرضت تعريف الفقه الإسلامي لليتيم لابد من أن نوضح تعريف القانون العراقي لليتيم لكن لم أجد في المنظومة القانونية العراقية ما يدل على تحديد تعريف محدد لليتيم وإنما وردت أوصاف ومفردات لكلمة اليتيم أو الأيتام في العديد من التشريعات العراقية ومنها ما يلي :-
1. الفقرة (11) من الجدول الملحق نظام رسوم المحاكم الشرعية لسنة 1919 الصادر في 11/4/1919
2. القانون الوقتي للمرافعات الشرعية لسنة 1920
3. القانون الاساسي العراقي لعام 1925 والذي يعتبر اول دستور للعراق
4. قانون طائفة الارمن الارثوذكس الصادر 5/16/1931
5. نظام ادارة الميتم الاسلامي ببغداد رقم (8) لسنة 1932
6. تعليمات التفتيش العدلي الصادرة في 12/3/1933
7. قانون التبليغات القانونية للعسكرين رقم (22) لسنة 1934
8. قانون تحرير التركات وادارة اموال القاصرين والغائبين والمحجوزين رقم (27) لسنة 1934
9. قانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951
10. قانون ميزانية الاوقاف للسنة 1942 المالية رقم (32) لسنة 1942
11. قانون ميزانية الاوقاف العامة لسنة 1944 المالية رقم (17) لسنة 1944
12. قانون المؤسسات الاجتماعية رقم 42 لسنة 1958
13. قانون التبليغات القانونية للعسكريين رقم 106 في 8/29/1960
14. قانون الضمان الاجتماعي رقم (140) لسنة 1964
15. نظام رعاية الاحداث رقم 52 الصادر في 6/4/1964
16. نظام وزارة العمل و الشؤون الاجتماعية رقم (39) لسنة 1967
17. نظام التعديل الاول لنظام المعاهد الخيرية للادارات المحلية رقم 12 لسنة 1961
18. نظام التشكيلات الادارية للحكم الذاتي في منطقة كردستان رقم 4 قي 1/13/1975
19. تعليمات دور الحضانة الايوائية عدد (4) لسنة 1978
20. تعليمات صندوق الزكاة رقم 1 لسنة 1988
21. القبول في قرية عائلة العراق تعليمات رقم 3 لستة 2001
22. تعليمات تخصيص مصروف جيب يومي للايتام رقم 15 لسنة 2002
فهذه البيبلوغرافيا البسيطة لبعض التشريعات في المنظومة القانونية العراقية حول تناولها لمفردة اليتيم او الأيتام لم تحدد تعريف صريح ومحدد لليتيم وإنما ورد على العموم تاركه أمر توصيفه إلى القواعد العامة، ففي نص الفقرة ( و) من المادة (2) من التعليمات المالية رقم (2) لسنة 1970 لتعديل التعليمات المالية عدد 4 لسنة 1962 ورد توصيف لليتيم بأنه القاصر فاقد الأب وعلى وفق ما يلي (لا تعفى من الضريبة العرصة التي يملكها شخص قاصر بسبب عدم إكماله سن الرشد المعين قانونا إلا إذا كان القاصر يتيما فاقدا أباه وفقير الحال فعندئذ يحق له التمتع بالإعفاء عن عرصة واحدة حتى بلوغه سن الرشد)[25] وهذا التوصيف حدد ان اليتيم هو قاصر وهذا يحيله الى التعريف الوارد في قانون رعاية القاصرين كما تضمن ان اليتيم هو فاقد الأب ولا يعتبر يتيما من فقد أمه كما انه قد حدد نهاية اليتم ببلوغ سن الرشد ، لكن ورد في قانون الضمان الاجتماعي توصيف اخر لليتيم اذ اعتبر القانون اليتيم الذي يكون من عيال المتوفى المستحق للراتب التقاعدي هو من فقد الأبوين وليس من فقد احدهم اذ لم يعتبره من الأحفاد الأيتام وعلى وفق نص الفقرة (ج) من المادة (39) من قانون الضمان الاجتماعي رقم (140) لسنة 1964 التي تنص على أن ( الحفيد (اليتيم) لأبوين دون الخامسة عشرة من العمر إذا كان الشخص المضمون أو المتقاعد يعيله عند وفاته )[26] ، بينما حدد اليتيم بالذي لايتجاوز الثامنة عشر من العمر على وفق ماورد في نص المادة (2) من تعليمات القبول في قرية عائلة العراق رقم 3 لسنة 2001 ونصها ما يلي (يقبل في القرية الايتام من الذين تتراوح أعمارهم من اليوم الأول وحتى اكمال الثامنة عشرة من العمر)[27] وفي نظام ادارة الميتم الاسلامي ببغداد[28] رقم (8) لسنة 1932 حدد عمر اليتيم بسن الخامسة عشر ومن يتجاوز ذلك كان يطرد من الميتم بمعنى ان حد اليتم عند الخامس عشر على خلاف ما ورد في التشريعات الأخرى التي أشرت إليها كما ان هذا النظام قد اعتبر اليتيم أيضا من فقد أبويه وعلى وفق ما ورد في نص المادة (4) من النظام (يشترط لقبول (اليتيم) ان لا يكون له من يقدر على اعاشته ممن يكلف بها شرعا ويرجح عند المزاحمة فاقد الابوين على من فقد اباه فقط) بالاضافة الا ان اليتيم يكون ايضا فاقد الابوين وليس الاب فقط اذ ذكرت الفقرة (2) من المادة (8) من نظام رعاية الأحداث[29] رقم 52 لسنة 1964 (فاقد الأبوين أو احدهما وليس له معيل شرعي قادر على إعالته بشهادة مصدقة من الجهة المختصة) وحدد سن نهاية اليتم بثمانية عشر عام على وفق ما ورد في نص الفقرة (1) من المادة (9) من النظام المذكور ، وهذه الأوصاف لليتيم وان تباينت بين ان يكون فاقد الاب او الابوين وكذلك فيما يتعلق بسن انتهاء اليتم فانها لا تخرج عن كون كل يتيم هو قاصر وتراعى شؤونه تبعا لرعاية القاصرين في ظل القوانين النافذة وورد تعربف القاصر وعلى وفق ما عرفته المادة (3) قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 المعدل[30] (1 ـ الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد وهو تمام الثامنة عشر 2ـ الجنين 3ـ المحجور الذي تقرر المحكمة انه ناقص الأهلية أو فاقدها 4ـ الغائب أو المفقود ) ولابد من الاشارة الى ان سن الرشد بأنه (ثمانية عشر سنة كاملة تحتسب من تاريخ تمام ولادته حياً) على وفق احكام المادة (105) من القانون المدني[31] رقم 40 لسنة 1951 المعدل وان ابتداء شخصية اليتيم مثلما يتم تحديد شخصية الإنسان التي تسمى الشخصية الطبيعية اعتبرت ذلك ابتداء الشخصية الطبيعية للإنسان وتنتهي بموته على وفق أحكام المادة (45) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل .
ووجدت أن بعض القوانين العربية سارت على نفس النهج الذي سار عليه القانون العراقي من عدم تحديد تعريف معين ومحدد لليتيم وفي المملكة الأردنية الهاشمية يوجد قانون يسمى قانون الأيتام[32] رقم 69 لسنة 1953 المعدل وعلى الرغم من انه يحمل عنوان قانون الايتام الا انه لم يحدد تعريف لليتيم وانما ذكره على اعتباره قاصر لان هذا القانون وجد لتحرير تركة المتوفى عند وجود وريث لم يكمل الثامنة عشر من عمره على وفق نص المادة (4) منه على ان (الأسباب الموجبة لتحرير التركة هي:-1- وجود وارث لم يكمل الثامنة عشرة من عمره او فاقد الأهلية) وفي المادة العاشرة من القانون المذكور، مثلما فعل المشرع العراقي، اعتبر سن انتهاء اليتم هو الثامنة عشر وعلى وفق النص التالي (اذا اكمل اليتيم السنة الثامنة عشرة من عمره وثبت رشده لدى المحكمة تسلم اليه أمواله من صندوق الأيتام نقدا أو حوالة على احد المدينين من صندوق الأيتام). ومن خلال ما تقدم أرى إن التعريف القانوني لليتيم وعلى وفق ما ورد في التشريعات العراقية (هو الصغير الذي فقد الأب او والديه ولم يبلغ سن الرشد) وكما ورد في المطلب الثاني من هذا المبحث فان فقهاء المسلمين اعتبروا اليتيم هو من فقد الأب دون الأم على اعتبار إن الأب هو من يتكفل برعاية الولد وكذلك القانون العراقي يلزم الاب برعاية االولد بغض النظر عن كونه ذكر او أنثى والزم الأب بذلك على وفق أحكام الفقرة (1) من المادة (التاسعة والثلاثين) من قانون الأحوال الشخصية[33] رقم 188 لسنة 1959 المعدل التي تنص على ما يلي ( إذا لم يكن للولد مال فنفقته على أبيه ما لم يكن فقيرا عاجزا عن النفقة والكسب) بالإضافة إلا أن أجرة رضاع الأم لولدها تكون على نفقة الأب على وفق أحكام المادة ( السادسة والخمسين ) من القانون المذكور التي تنص على إن ( أجرة رضاع الولد على المكلف بنفقته ويعتبر ذلك في مقابل غذائه) وهذا يقودنا الى السؤال عن الطفل او القاصر او الحدث الذي يفقد رعاية الاب لفقدانه وفي العراق وباقي الدول التي عانت من الحروب يكثر فيها القاصرين فاقدي الأب لا لوفاتهم بل لفقدانهم وعدم معرفة مصيرهم ، ما هو مركزه القانوني تجاه تعريف اليتيم لذا فان النظرة إليه يجب أن تكون جدية لمعالجة أوضاعهم لأنهم يختلفون عن مجهول النسب او اللقيط، الذين نظمت أحوالهم في القوانين النافذة أو على مستوى الشريعة الإسلامية .
الفصل الثاني
الأحكام القانونية والشرعية لليتيم
المبحث الأول
الأحكام الشرعية
قبل البحث الأحكام القانونية في القوانين الوضعية وجدت من الضروري أن أشير إلى أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة باليتيم وان كان بشكل سريع وذلك من اجل أن تكون لدينا خلفية نقارن فيها ما موجود من أحكام في القوانين الوضعية التي اجزم إنها لا تمثل إلا نسبة ضئيلة مما تضمنته الشريعة الإسلامية ، لذلك سأقوم بعرض الآيات القرآنية التي ذكرت اليتيم والأحاديث النبوية الشريفة ووصايا الأولياء و العلماء من المسلمين ، ففي القرآن الكريم ذكر اليتيم في ثلاثة وعشرين آية كريمة منها ثمانية آيات مكية وخمسة عشر آية مدنية وبعض الكتاب المسلمين قسم الآيات إلى ثلاثة أقسام كما يلي :ـ
القسم الأول: بيان شمول اللطف الإلهي لليتيم في الشرائع السابقة، والايصاء به.
القسم الثاني: بيان الحقوق الاجتماعية لليتيم
القسم الثالث: بيان الحقوق المالية لليتيم
وهذه الايات هي كما يلي :ـ
1. قال تعالى (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن ، والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما)[34]
2. قال تعالى: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل)[35].
3. قال تعالى: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير)[36]