الإعجاز العلمي الطبي و الهندسي في صلاة المسلمينبسم الله الرحمن الرحيم
يبين هذا الموضوع رحمة الله عز و جل في فرض الصلاة على الإنسان، فكمقدمة لهذا الموضوع إذا تفكرنا في قول المولى عز و جل في الآية 7 من سورة غافر (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم( نجد فيها وصف الملائكة لله عز و جل بأنه وسع كل شيء رحمة و علما، فإذا تدبرنا قول الملائكة هذا نجد بأنهم سبّقوا كلمة الرحمة على العلم و ترتيب الكلمات في القرآن يفيد الترتيب الزمني للأحداث، و لهذا فإننا نتعلم من هذا القول بأن رحمة الله سبقت علمه. وهذا يعني بأن الله عز و جل إذا أراد أن يخلق أي شيء فإن ما تتطلبه الرحمة في هذا المحلوق هي المواصفات الهندسية لتصميم الله له. و يوضح المثال التالي كيف أن رحمة الله سبقت علمه.
رحمة الله و علمه في التصميم الهندسي للمفاصل في جسم الإنسان:
عندما أراد المولى عز و جل خلق المفاصل في جسم الإنسان و التي تتكون عند التقاء عظمة بالأخرى في الهيكل العظمي للإنسان فإن الرحمة تتطلب بأن لا يكون هناك ألم عند انثناء المفصل و أن لا يكون هناك خطر من تمزق الجلد عند هذه المفاصل.
يأتي علم الله لإظهار هذه الرحمة في خلقه للمفاصل بأنه وضع كمية إضافية من الجلد عند المفصل عن طريق خلق تعرجات للجلد في تلك المنطقة كما هو مبين في صورة (1). تزيد هذه التعرجات من طول الجلد عند المفاصل و بالتالي هذه الكمية الإضافية للجلد تقلل من الاستطالة و الجهد المتولد فيه عند انثناء المفصل و نتيجة لذلك لا يوجد شد كبير في الجلد عند انثناء المفصل و توجد راحة تامة عند حركة الإنسان و انثناء مفاصله.
صورة (1): تصميم الله عز و جل للمفاصل في جسم الإنسان (يلاحظ تعرجات الجلد في هذه المناطق).
نستطيع معرفة تأثير الصلاة على جسم الإنسان من التفكر في آية رقم (14) من سورة المؤمنون (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، حيث نجد بأن الله عز و جل بعد وصف مراحل تكوّن الإنسان في رحم الأم لغاية قوله (فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) يقول (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ)، وهذا يعني بأنه بعد تكوّن الإنسان و نموه في رحم المرأة بآلية لا دخل للإنسان فيها فإنه بعد الولادة ينشأ و ينمو بآلية مختلفة عن تلك العاملة لنموه في رحم المرأة و لقد أسميت هذه الآلية بالتأقلم الوظيفي لجسم الإنسان.
فنرى من هذا المثال بأن خلق الله عز و جل مبني على الرحمة و أن كل أوامر الله و شؤونه مبنية على الرحمة و بالتالي يمكن أن نستنتج بأن فرض الصلاة على الإنسان هو من رحمة الله عليه و إذا تفكرنا في آلية الصلاة نستطيع أن نرى هذه الرحمة كما هو مبين فيما يلي.
رحمة الله في الصلاة: تأثير الصلاة على جسم الإنسان
يوضح المثال التالي الذي أعنيه بالتأقلم الوظيفي لجسم الإنسان، فالمثال هو أنه إذا كان هناك توأمان متطابقان في الوزن عند الولادة و سمح لأحدهما أن يلعب بشكل طبيعي كالأطفال الآخرين و أما الآخر فقد تم تحديد حركته و لم يسمح له باللعب. فنتيجة هذا العمل هو أن الطفل الذي سمح له باللعب بشكل طبيعي سيكون جسمه قوي و صحي، أما الذي تم منعه من اللعب فسيكون جسمه صغيرا و ضعيفا على الرغم من تطابق وزن التوأمين عند وقت الولادة.
يمكن تفسير هذه النتيجة من التفكر في قول الله عز و جل في سورة فصلّت (الآية 39): (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، حيث يعلمنا المولى عن و جل أن الاهتزاز هو متطلب أساسي للنمو و يمكننا تعلم ذلك من قول الله (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) حيث ربط المولى النمو بالاهتزاز فمثال التوائم هو أن الاهتزاز الناتج من العضلات في الطفل الذي حددت حركته هو أقل من الطفل الآخر و لذلك يصبح جسمه هزيلا و ضعيفا. إذا نستنتج من هذا بأن التحفيز المستمر للعضلات هو شيء أساسي لصحة الجسم و تجدد أنسجته.
و إذا تفكرنا في الإشارة الناتجة من عضلاتنا عند تحفيزها عن طريق الحركة أو حفظ القوام في وضعية ما نجد بأن هذه الإشارة عبارة عن إشارة اهتزازية أي طاقة على هيئة أمواج الماء (كما هو مبين في صورة (2)) و هذا ما يلزم الخلايا في الجسم لتتحفز و لتعمل على تجديد أنسجة الجسم و بقاء الإنسان في أحسن تقويم.
صورة (2): الإشارة الناتجة من العضلات في جسم الإنسان.
الإعجاز الطبي في الصلاة:
بعد فهم كل ما تقدم نستطيع فهم رحمة الله في فرض الصلاة على الإنسان، فإذا تفكرنا في وضع الركوع في الصلاة من منظور هندسي نجد بأنه في هذا الوضع يصبح هناك إزاحة لمركز ثقل الجسم (الذي هو في نهاية سلسلة العمود الفقري (منطقة العصعص)) إلى الأمام، كما هو مبين في صورة (3).
صورة (3): الإزاحة في مركز ثقل جسم الإنسان من أثر الركوع.
ونتيجة لهذه الإزاحة في مركز الثقل من أثر الركوع يحدث هناك زيادة في تحفيز عضلات الظهر و الساقين لحفظ اتزان الجسم في وضعية الركوع (كما هو مبين في صورة (4)) مما يوّلد طاقة اهتزازية تعمل على تحفيز خلايا العظم و العضلات لتجديد أنسجة الجسم مثل النسيج العضلي، العظمي، الغضروفي، و غيرها. و يؤدي هذا التحفيز إلى زيادة سرعة استبدال الأنسجة القديمة بأخرى جديدة و الذي يؤدي إلى بقاء قوة هذه الأنسجة في أحسن حالاتها و بالتالي لا يوجد ألم و لا أجهاد أثناء قيام الإنسان بوظائفه.
صورة (4): بعض عضلات الظهر التي يتم تحفيزها خلال ركوع الإنسان في الصلاة.
و هذا التحليل لوضع الركوع في الصلاة ينطبق على وضع السجود حيث أنه في هذا الوضع يكون هناك أيضا إزاحة لمركز الثقل في جسم الإنسان و لكن بكمية أكبر من وضع الركوع و لذلك فإن عدد أكبر من عضلات الجسم يحفز في هذا الوضع ليحافظ على اتزان الجسم مثل العضلات المرتبطة بالرقبة، الساقين، الأصابع، و غيرها (كما هو مبين في صورة (5) و صورة (6)).
صورة (5): الإزاحة في مركز ثقل جسم الإنسان من أثر الركوع.
صورة (6): بعض عضلات الظهر التي يتم تحفيزها خلال سجود الإنسان في الصلاة.
و من الجدير بالذكر بأنه في وضع السجود يتم تحفيز جميع عضلات الجسم و فيه أكبر مقدار تحفيزي للعضلات و بالتالي فهو أكثر وضع في الصلاة يتم فيه تحفيز خلايا الجسم و غدده لتجديد الأنسجة و للمحافظة على صحة الجسم. و نستطيع أن نفهم من هذا لماذا التركيز على وضع السجود في الصلاة و لماذا يفضل الدعاء في هذا الوضع حيث أنه عندما يأخذ الإنسان وقتا في الدعاء فإن ذلك يوّلد أشارة اهتزازية قويه من العضلات و هذا من شأنه تسريع عملية تجدد الأنسجة في الجسم، إفراز الغدد، و إنتاج الدم من نخاع العظم و بالتالي المحافظة على صحة الإنسان.
فوائد الصلاة الصحية:
يمكن تلخيص أثر الصلاة على جسم الإنسان في أنها تحفز الجسم ليتجدد و بالتالي المحافظة على صحة الإنسان و هذا له فوائد صحية كبيرة جدا و منها التالي:
· الحماية من هشاشة العظام: فالصلاة بتحفيزها للعضلات تحافظ على حجم العضلات و العظام المرتبطة بها و هذا من شأنه حماية الإنسان من تآكل و ضعف العظام و الذي يسمى بهشاشة العظام (كما هو مبين في صورة (7)).
صورة (7): تآكل و ضعف في العظم (هشاشة العظام).
· الحماية من الروماتزم: تسريع تجدد الأنسجة من أثر الصلاة يؤدي إلى المحافظة على المادة الغضروفية في المفاصل و إلى زيادة إفراز السائل في المفصل الذي يقلل من الاحتكاك عند انثناء المفصل و هذا بدورة يقلل من الإصابة بمرض الروماتزم الذي هو عبارة عن تآكل و ضعف العظم و الغضاريف عند المفاصل كما هو مبين في صورة (8).
صورة (8): مرض الروماتزم.
· الحماية من فقر الدم: تحفيز العضلات من أثر الصلاة يؤدي إلى تحفيز إنتاج الدم من نخاع العظم و بالتالي هذا يقلل من خطر الإصابة بفقر الدم.
و نستطيع من ما ذكر أعلاه معرفة حكمة الله عز و جل من فرض الصلاة في أوقات معينة موّزعة على طيلة وقت النهار و الليل و الحكمة من ذلك هو التحفيز المتواصل للجسم بحيث لا يصبح هناك كسل فيه و الذي يمكن إذا حدث هذا الكسل أن يصيب الإنسان بالأمراض السابق ذكرها من هشاشة عظام، الروماتزم، و غيرها. و نفهم أيضا لماذا هو من الأفضل أن تصلّى الصلاة في وقتها و ذلك لتحفيز الجسم في ذلك الوقت كما يعظنا المولى في آية (238) من سورة البقرة (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) و عدم السماح للكسل بالحدوث.