TODAY - 14 August, 2010
العراق يودّع الدكتور داود سلوم
هوى يوم الجمعة نجم عراقي زاهر ورمز من رموزه العاليات، ألا وهو الأستاذ الدكتور داود سلوم الذي رحل عن الدنيا عن عمر 80 عامًا كانت عامرة بالعطاء، وهو علم من أعلام العراق الثقافية المميّزة وصاحب مسيرة طويلة حافلة بالإبداع والنشاط الواضح الذي أسهم في تنشيط الحركة الثقافية العراقيّة وتأكيد حضورها في المحافل المختلفة، كما أنّه نجم من نجوم الفكر الموسوعي والعاملين في مجال التراث والمدافعين عن اللغة العربية.
إنّه داود سلوم كاظم العجيلي، ولد في الكرادة الشرقية في بغداد عام 1930، الرجل الأديب الناقد المحقّق الكاتب المفكّر، صاحب المؤلفات العديدة، وهو الذي حضر ندوة دولية للثقافة الشعبية في مدينة كوتاك - الهند، فكان من اكتشافاته المعرفية البحوث التي كشفت عن أثر اللغة العربية في اللغة السواحلية واليوريا والهوسا واللغة الأندونيسية وعن أثر اللغة العربية في القصص الصينية والهندية، كما أنّه المحبّ لبلده العراق حدّ الشغف، وهو القائل : "أنا أحبّ العالم وأحب العالم العربي ولكني أحبّ العراق اكثر من حبي لبلد آخر"، كما أنّه يعبر عن ذلك الحب بالقول: "تحدثنا مع طلبة الدكتوراة (هذا العام) وتمّ الحديث عن السفر الى بلدان اوروبا وافريقيا والعالم العربي فقالت سيدة من الطلاب: ماذا اعادك اذًا الى العراق؟ ارجو ان يسمع القارئ الكريم جوابي ويعيه فقلت لها: وهل اترك غبار العراق وذبابه لكم؟ هذا يعني ان كل ذرة تراب وكل بستان وكل نهر وكل قطرة مطر تسقط على الارض العذراء فتفوح رائحتها الزكية - كل هذا، وكل فصول بلدي وحرّه وبرده ومطره جميل جميل جميل، فلو خيرت ان اخلد في الجنة او العراق لفضلت الخلود في العراق. وماذا اصنع وقد اصبت بداء حب الوطن فهذا قدر لا استطيع الفرار منه ولا الفكاك من قيده واني اقول انه نعم القدر ونعم القيد ولو مت وبعثت الف مرة وسؤلت أي وطن اريد، لقلت العراق الف مرة ولذلك لا يمكن ان اغفر لمن يسيء الى (عراقي) مهما كان عرقه او جنسه او دينه".
وعلى لسانه نقرأ في سيرته الشخصية: "ولدت عام 1930 في بغداد ودرست القرآن العظيم في سن الخامسة والسادسة، واذكر (حفلة) التخرج حيث سار بي من هم في سني الى دور اقاربي وهم ينشدون اهزوجة اعدّت لهذه المناسبة ومطلعها (الحمد لله الذي تحمدا)، وسارت بي الحياة الى الابتدائية والمتوسطة والثانوية / الفرع الادبي، ثم دخلت في كلية الآداب عام 49/50 وتخرجت فيها عام 1953 وسافرت في ايلول - سبتمبر من السنة نفسها الى انكلترا للدراسة على حسابي الخاص ولم انل بعثة الحكومة الا في الستة شهور الاخيرة، وتخرجت قبل ثورة تموز بأيام وحدثت الثورة ثم عدت الى العراق، وفي 17 ايلول - سبتمبر عينت مدرّساً في كلية الآداب - جامعة بغداد ثم ترقيت الى استاذ مساعد ثم استاذ مشارك في 18/6/1972، وشغلت رئاسة قسم اللغة العربية في فترتين هما في 14/9/1975 لمدة سنتين تقريباً، ثم في 22/9/1985 لعدّة شهور، واوفدت الى معهد اللغات الافريقية والآسيوية في جامعة همبولدت عام 1961 والى جامعة ايبادن في 1971، وكان لهذين الايفادين اثر كبير في افادتي وثقافتي العملية من خلال معايشة حضارات مختلفة وبعد التقاعد درست في جامعتي آل البيت وجامعة جرش في الاردن".
وللدكتور داود سلوم العشرات من المؤلفات منها: "تطور الفكرة والأسلوب في الأدب العراقي في القرنين 19/20" و"شعر الكميت بن زيد الأسدي" و"النقد المنهجي عند الجاحظ" و"قصص الحيوان" و"الحكاية الشعبية العراقية" مع د.صبري مسلم، و"تطور الفكرة والأسلوب في الأدب العراقي"، بغداد 1955 و"الأدب المعاصر في العراق"، بغداد 1962 و"تاريخ النقد العربي من الجاهلية حتى نهاية القرن الثالث"، بغداد 1969 و"التأثير اليوناني في النقد العربي القديم"، بغداد 1971 و"مقالات عن الجواهري وآخرين"، بغداد 1971 و"دراسات في الأدب المقارن التطبيقي"، بغداد 1984 و"حيث لا تشيب السنون" 1970 والمرأة في حياة السياب" 1971 و"ديوان نصيب" و"مقالات في النقد الادبي" و"مقالات في الادب المقارن" و"اثر الادب العربي في تراث العالم" و"الجاحظ - منهج وفكر"، اضافة الى عدد لا يحصى من الرسائل الجامعية، وفي عام 2005 أصدر الدكتور داود سلوم كتاباً عنوانه "السرقات الفنية للآثار الأدبية (سرقات الدكتور محمد نبيل طريفي أنموذجا)"، ويتحدث عن كتابين مطبوعين للدكتور داود سلوم هما "شعر الكميت في ثلاثة أجزاء"، و"شرح هاشميات الكميت".
رحم الله الدكتور داود سلوم وأسكنه فسيح جنّاته، ونتمنى ألاّ يمرّ رحيله مرور الكرام من قبل المؤسسات الثقافية العراقية.