حين تمرد الناي
كأن هناك عصافير اطلقوا سراحها من بين الثقوب
وهكذا قارب آب على الانتهاء.... وهكذا انتهت إجازة الصيف... وهكذا عاد الروتين وعادت الرتابة للمنازل.. فقد سافر الاهل وأولاد العم، وبنات الخالة إلى أماكن إقامتهم ...انتهى اللعب، انتهى السهر، انتهى الشجار، وعادت القوانين للمنازل... قانون النوم، قانون الأكل وقانون الآيباد...
نهايات آب.... بداية المدارس وسفر الأقارب... حكاية تتكرر منذ مئة عام أو أكثر...فيها نهاية كل شيء جميل، نهاية الصيف، نهاية الزيارات، نهاية اللعب ونهاية السهر، ويحكَ يا آب وأنت تختم وتقفل على كل الأشياء الجميلة!
في كل عام أتخيل نهايات آب كأنها رجل عجوز يترنح بثقله، يمر على البيوت بيتاً بيتاً، ليقف فيسير ثم يمد يديه الاثنتين ويلملم كل ما صار في تموز وحزيران، ويضعها في حقائب السفر، كل عائلة تأخذ حصتها من الذكريات، يساعد الأمهات على إقفال الحقائب، وحملها. يُطفئ الأضواء، وينزل "هاوس" الكهرباء ويغلق أبواب البيوت. كما أنني أتخيله وهو يدفع بكل الأشياء الجميلة نحو بوابات المطارات وشيك الحدود، ثم يقف كما المارد المنتصر ويضحك.... يضحك .... ويشمت بنا... هاقد عدتُ مثل كل عام، عدتُ لكي أُنهي كل جميل.
لعل أكثر ما يؤلم في آب هو عيون الأمهات التي تودع أحفادها وبناتها وأولادها، وأيديهن التي تعانق وجوههم وأنوفهن اللاتي تشم رائحتهم بشدة لكي تكفيهن لعام طويل وشتاء كئيب...
وأكثر ما يوجع في آب هو خطوات الأطفال العائدين إلى دول الاغتراب مع أهاليهم، يحملون على ظهورهم حقائب صغيرة بها أشياء لم نعتد عليها. أطفالاً يكبرون في الغربة لا نعرفهم سوى شهر او شهرين في السنة، يكبرون هناك ويتركوننا وراءهم ويتركوا لنا ألعاب المغتربين الغريبة، وأزياءهم التي تستحدث"موضات جديدة" .
وتستمر الحياه. وتعود إلى روتينها اليومي.. ونحن في الوطن وهم هناك، في كل مكان إلا داخل الأوطان... يكبرون، يتعلمون، يفرحون، يحزنون، يعلمون أو ربما لا يعلمون أن لهم أقارب يحبونهم ويشتاقون لهم ويبكون على فراقهم.
وتظل الحكاية هكذا أناس قادمون وآخرون ذاهبون، وغيرهم باقون ينتظرون بكل شغف أياماً جميلة سيعيشونها قبل أن يعود عجوز نهايات آب
علينا ألاّ نأمل كثيراً..اقتباس
كي لا نتوجّع كثيراً
وأن نُؤمن أنّ الناس قابلون للتغيّر؛ وأن للظروف سُلطة أكبر من المشاعر؛ وأن للحظة قياسات مختلفة عما تخيلناه.
وإنْ لم نُصدّق كلّ ذلك حقيقة...
علينا أن نُقنع أنفسنا به كي نتجنّب خيبة أمل قادمة أو نصحوا من خيبة أمل واقعة.
ولكن فوق هذا وذاك، هناك رسالة واحدة أحبّ أن تصل..
مقدار الخيبة بمقدار الحبّ؛ ومقدار الصدمة بمقدار الصدق.
في الطريق الى محبوبتي اليوم
" من يستند على إمرأة تُحبّه لا يسقط أبدًا "