أحبكِ : هذه الكلمة ، تعني أنها دمعة ، ربما بقيتْ من مياه الطوفان ، فأنا من هناك : من تلك الينابيع التي تفيض غرقا ، كما تفيضُ عطشا ..
تملكين أسباب أن أعيشَكَ في كل العصور ، وأن يتناوب الأمل واليأس في جعل حياتي مثقلة بالخوف ، مثل سفينة مهشمة في بحر عاصف : تصفرُ الريح في الثقوب ، ومنها يتدفق هذا التضرع ، الذي يختصر آهات العالم .
أحبكِ ، وأنتِ تقرئين بصمت ، يعتقده البعض حصنا تحتمين خلفه ، فيما هو الحصار الذي يسبق سقوط المدينة ، أو هو الهدوء الذي يسبق زلزالا ينتظرُ أن يأمنه الجميع ، قبل أن يضربَ فجأة ، فيبتلع كل شيء .
كل شيء : يتضمن اللاشيء الذي يجعلكِ لغزا ، لا تفكه كتبُ السحر ، وتعجز أن تصل إلى تخومه القصائد .
تملكين أسباب أن تصفعي الجميع ، أن تميطي اللثام عن السر في أنكِ امرأة جدا ، كما أنكِ تملكين أن تكشفي عن الهيكل العظمي للزمن ، لأنه لغزكِ : أنتِ المقيمة أبدا في نسغه .
هو الشجرة ، وأنتِ الجذور التي يتشبثُ بها ، من أجل أن لا تعبث الفصول بدفاتره أو بأوراقه .
آه ، تملكين أسباب أن أحبكِ بهذا اليأس ، أن أتخلل الثمرة ، وأن اخترق بَشَرة الرعشة ، أن أتشاجرَ مع الجَمال ، وأن أتبهدل في حروب تبعثني ، بعد كل صلب ، لأكون جنديا غامضا ، لا يذكره أحدٌ في سِفر تجلياتكِ ، من سقوط أور ، إلى حريق روما .
من طوفان نوح إلى آخر برق يضرب عامود كهرباء ، كنتِ أنتِ اليد المعجزة التي توقظ الجندي ، بعد سقوطه مضرجا بالدماء .
ابتسامة منكِ التقطها ، من وراء زجاج نافذة ، مرسومة على شفتي امرأة عابرة ، تؤكدكِ حاضرة في كل عصر .
أغنية تبعثني لحنا في معابدك الضائعة في الخرائط ، وترتيلة غامضة تعيدني إلى عواطف عاصفة ، لا يعرف التاريخ كيف يكتبها ، لأنها إيماءات ، لا يعرف الفلاسفة تفسيرها ، فهي عصية على المنطق ، ولا تعرف الأديان كيف تطردها من مراسم التضرع ، لأنها صافية كقلب الطفل .
لا يعرف كنهها إلا الشِعر ، هذا الذي لا يمنح نفسه ، إلا لمن هو فاقد الوعي من فرط الدهشة ..
• عشتار أو إينانا ، إلهة الحرب والحُب ، في الحضارات العراقية القديمة ، وهي بطلة الشاعر في جميع أعماله ..
عبد العظيم فنجان