قام العلماء بتفكيك الجدار الخلوي للبكتيريا، والذي يوجد في جميع أنواع البكتيريا تقريبا، وهذا الجدار يحمي جزئيات البروتين الخاصة بهذه البكتيريا، ويرفع هذا الاكتشاف الستار عن نقاط ضعف محتملة في التركيبة الجزيئية للبروتين، والتي يمكن أن تمهد نتائجه الطريق إلى الجيل الجديد من العقاقير ذات الطيف الواسع، التي تعطل وظيفة البروتين وتقتضي على البكتيريا الضارة .
الجدار الخلوي للبكتيريا
لطالما كان الجدار الذي يحيط بالبكتيريا لحمايتها من الاعتداءات الخارجية هدفا محيرا لعلاجات العقاقير، في الواقع بعض المضادات الحيوية الأكثر موثوقية في الطب الحديث تنزع البكتيريا الضارة عن طريق تعطيل البروتينات التي تبني دروعها الواقية، ولعقود عرف العلماء عائلة بروتينية واحدة فقط، بعد ذلك في عام 2016 اكتشف فريق من علماء كلية الطب بجامعة هارفارد أن عائلة بروتينات أخرى لم تكن متوقعة من قبل، والتي تنظم انقسام الخلايا وشكل الخلية لديها مهارة سرية وهي : بناء جدران بكتيرية لحمايتها .
الآن وفي بحث علمي آخر تم القيام به لأول مرة في الثامن والعشرون مارس الجاري ونشر في مجلة Nature، كشف أعضاء فريق البحث نفسه عن كتل البناء الجزيئية – وهي نقطة ضعف بنيوية – لعضو رئيسي في تلك العائلة البروتينية .
نتائج البحث
” إن أحدث النتائج التي توصلنا إليها تكشف عن البنية الجزيئية لبروتين RodA، وتعرف على البقع القابلة للاستهداف حيث يمكن للأدوية المضادة للبكتيريا الجديدة أن تقيد وتخرب عملها “، وهذا ما صرح به أحد كبار الباحثين في الدراسة، وهو أندرو كروس أستاذ في الكيمياء البيولوجية والصيدلة الجزيئية بكلية الطب بجامعة هارفارد .
ينتمي البروتين الجديد ” RodA ” إلى عائلة تعرف باسم بروتينات SEDS، وهي موجودة في جميع أنواع البكتيريا تقريبا، وإن الانتشار شبه الشامل لـ SEDS يجعل هذه البروتينات أهدافا مثالية لتطوير المضادات الحيوية واسعة الطيف، لتعطيل هيكلها ووظائفها مما يحيد فعليا مجموعة كبيرة من البكتيريا الضارة .
حلقة ضعيفة
في أعمالهم السابقة أظهر العلماء أن RodA يبني الجدار الخلوي عن طريق حياكة جزيئات السكر الكبيرة مع مجموعات من الأحماض الأمينية، وبمجرد تشييده يحيط الجدار بالبكتيريا، ويبقيها سليمة هيكليا، في حين يتم صد السموم والأدوية والفيروسات، ومع ذلك فإن النتائج الأخيرة تذهب إلى أبعد من ذلك وتضع نقطة ضعف محتملة في تركيبة هذا البروتين .
وعلى وجه التحديد يكشف المظهر الجزيئي للبروتين عن الخصائص الهيكلية لأشياء مثل مستقبلات الخلايا والناقلات العصبية والأستيل كولين والأدرينالين، والتي يتم استهدافها بنجاح من قبل الأدوية، التي تعزز أو توقف مستويات هذه المواد الكيميائية والإشارات العصبية لعلاج مجموعة من الحالات، بما في ذلك أمراض القلب والجهاز التنفسي، وقد لفتت إحدى هذه الخصائص انتباه العلماء حيث كانت عبارة عن تجويف شبيه بالجيب يواجه السطح الخارجي للبروتين، وقال الباحثون إن حجم وشكل التجويف إلى جانب حقيقة أنه يمكن الوصول إليه من الخارج، يجعله هدفا سهلا بشكل خاص .
تصريحات الباحث ديفيد رودنر
يقول المؤلف المشارك في الدراسة ديفيد رودنر، أستاذ علم الأحياء الدقيقة والطب المناعي في كلية الطب بجامعة هارفارد : ” ما يجعلنا متحمسون هو أن هذا البروتين لديه جيب منفصل إلى حد ما، يبدو أنه يمكن استهدافه بسهولة وفعالية، من خلال دواء يرتبط به ويتداخل مع قدرة البروتين على القيام بعمله ” .
حول الدراسة
في مجموعة من التجارب غير الباحثون تركيب RodA في نوعين من البكتيريا – ممثلين عن الكتب الدراسية للطبقتين العريضتين اللتان تشكلان معظم البكتيريا المسببة للأمراض، وكان واحد منهم يدعى Escherichia coli، والذي ينتمي إلى فئة من الكائنات الحية مع غشاء مزدوج الخلايا المعروفة باسم البكتيريا سالبة الجرام، أما البكتيريا الأخرى فهي Bacillus subtilis وهو كائن أحادي الغشاء ينتمي إلى ما يسمى ببكتيريا إيجابية الجرام .
وعندما تسبب الباحثون في تغييرات بسيطة في بنية تجويف RodA، فقد البروتين قدرته على أداء عمله، وبالتالي فقد تعطلت خلايا E.coli و B.subtilis مع بنية RodA بسرعة وأصبحت مشوهة، وفي النهاية انفجرت وتسربت محتوياتها، وقالت مؤلفة الدراسة الأولى ميغان سجودت وهي زميلة أبحاث في كلية الطب بجامعة هارفارد : ” إن مركبا كيميائيا – مثبطا – يرتبط بهذا الجيب، سيتداخل مع قدرة البروتين على تركيب الجدار البكتيري والمحافظة عليه، وهذا من شأنه أن يقوم بكسر الجدار، وإضعاف الخلية، وبدء سلسلة من الأحداث تتسبب في موتها في نهاية المطاف ” .
تصريحات الباحث توماس بيرنهاردت
بالإضافة إلى ذلك ولأن البروتين محفوظ بشكل كبير عبر جميع الأنواع البكتيرية، فإن اكتشاف مركب مثبط يعني أنه من الناحية النظرية على الأقل، يمكن أن يعمل الدواء ضد العديد من أنواع البكتيريا الضارة، وقد قال الباحث المشارك توماس بيرنهاردت أستاذ علم الأحياء الدقيقة والطب المناعي في كلية الطب بجامعة هارفارد : ” هذا يسلط الضوء على جمال الاكتشافات العلمية الأساسية الفائقة، حيث يمكنك الوصول إلى المستوى الأساسي من الأشياء الموجودة في جميع الأنواع، وعندما يعمل شيء ما في أحد هذه الأنواع، فمن المحتمل أن يعمل على جميع الأنواع الأخرى ” .