في هذه المهنة الخسيسة، الاعلام، رأيت العجب.
عقوق الاعلاميين، ومن يعمل في الاعلام، اداريا، او غيره، ونكرانهم للجميل قبيح بمقدار قبح التناقض بين عناوينهم وشهاداتهم، واخلاقهم وسلوكهم، قبل أيام قابلت ابو عبد، ابو عبد هذا مدير ادارة، وخريج ادارة، وعمل مديرا للادارة في قناة الملائكة، ثم قناة الملائكة الفرع الثاني.
طلب مني يوما تدقيق رسالته في الماجستير لغويا، استغرق تدقيقها اسبوعا كاملا، كانت 80 ألف كلمة، احتوت على اخطاء املائية ولغوية، وركاكات في الصياغة، واخطاء في التواريخ والاسماء، وسوء اقتباس من القوانين الادارية.
انفقت عليها جهدا كبيرا، أبدأ بالعمل فيها من الساعة الخامسة عصرا حتى الساعة الحادية عشرة ليلا، وعندما انهيتها، شعرت بالغبن، هذا المقدار الكبير من التعب ليس صحيحا ان يكون مجانيا، ومع هذا لم أطلب منه شيئا، أرسلت له الرسالة على الواتس اب مصححة.
بعد اشهر، قابلني في الكرادة، امام مقهى البغدادي، رآني، تجاهلني وظل يمشي، فناديت وراءه وسلمت عليه، فأدار وجهه باتجاهي وهو مستمر في السير، ورمقني بنظرة اخبرني فيها انه رآني، لكنه لم يسلم علي، ثم سمع ندائي وسلامي، ومع هذا لم يسلم عليّ.
وأنا أستذكر هذا الشخص، وعقوق الاعلاميين وخسة نفوسهم بصورة عامة، تذكرت موقف كلب جمال.
عندما كنت اسكن في مجمع فدك السكني، كان لجارنا، وهو قريبنا في العشيرة، كلب، كنا نطلق عليه كلب جمال، نسبة لجارنا جمال.
في أحد الايام، هرّجَ عليّ جلادي، فخرجت من البيت، احترت في أين أبيت، نفدت قائمتي المعدة لهذا الغرض، استنفدت اقربائي بيتا بيتا، واصدقائي صديقا صديقا، فقررت المبيت في هيكل يبعد عنا ثلاثة بيوت.
دخلت الهيكل ومعي كارتون مقوى كفراش، ومعي بطل ماء طلبته من جارتنا ابتسام، ولفة فلافل، فرشت الكرتونة، وفتحت كيس عشائي، فدخل الكلب، عرفته، فرميت له بعض اللفة، فأكلها، وبدأ يتودد لي ويقترب حتى مس الكرتونية وشممت رائحته الكريهة، فكششته عني، خشية ان يوسخ فراشي، ابتعد مترا، لكن ظل مقعيا حتى نمت، وفي الصباح عندما استيقظت وجدته على جلسته، قمت وطويت كرتونة نومي وثقّلت عليها بطابوقة، لاطمأن عليها، فسأعود ليلا لأنام في هذا المكان، خرجت من الهيكل والكلب يمشي ورائي، وإلى جانبي، وأمامي احيانا، كان يريد بطريقته هذه ان يلفت نظري الى وجوده، حتى وصلت الى نهاية المعسكر.
بعد ثلاث ليال من المبيت قضيتها انا وهذا الكلب المسكين في هذا الهيكل، عدت الى البيت، وبعد اسبوعين تقريبا حصلت على عمل مع اسطة بناء في الكمالية، عندما كنت اخرج من البيت في الفجر كان الكلب يتبعني الى نهاية المنطقة، حيث تنتهي منطقة المعسكر ويبدأ حي النفط في المشتل ثم شارع المدارس.
كانت نقطة توقفه عن المسير خلفي ثابتة، يعرفها هو، لم أشاهده يتخطاها مرة، لا أعرف لم اختار هذه النقطة بالذات، كان قد حمل نفسه مسؤولية حمايتي لحد نهاية المنطقة.
بقيت اعمل مع هذا الاسطة لمدة اسبوع، وطيلة هذا الاسبوع، كان الكلب متحضرا في باب الدار فجرا، كنت أشاهده يجلس الى جنب (باية) اي درجة من درجات السلم، كانت مبنية بجنب الباب ليجلس عليها جلادي في العصر، كان دائما بجنب هذه الباية.
مرة، زارتني احدى عماتي، كنت واقفا في البيت والكلب مقعٍ أمام منزل صاحبه، اقتربت عمتي مني وسلمت عليّ، فظن انها تريد ايذائي، فانتفض من مكانه راكضا نحوها وهو ينبح اشد النباح، وكاد ينهشها بعظة في ساقها لولا أني طردته.
مات كلب جمال مسموما، قالوا في البيت، ان بيت جمال وجدوا كلبهم مسموما وقربه قطعة لحم عليها سم (طوز) . كان هذا في عام 2011.
مات كلب جمال، أما أبو عبد، فما يزال حيا، هناك خطأ كبير في توزيع الموت وتوزيع الحياة.
كان لجاري كلبٌ
يدعى كلب جمال
قدمت له يوما بعض طعامي
صار صديقي
او صرت صديقا لطهارته
صار يرافقني في دربي
حتى مات بسمٍ
قيل تسمم بطعام
وضعته له بعض بغايا الحي
وأبو عبدٍ حيٌ حتى الان
ليس عقوق الناس بمؤلمنا
إن قارناهم بوفاء كلاب الشارع
لكنْ توزيع الموت على الاحياء
يشهد اخطاء بالجملة
ما أبشعها من أخطاء
في الفقه يقولون الكلب نجاسة
لكن تجاربنا قالت
لا انجس من قلب الناس اذا عقوا
ما آذى كلب صاحبه قط
قصة هاتشيكو تخبركم
هذا فقهي:
ان نجاسات الارض ثلاث
قلب المرء اذا آذى الناس
وناس تنظر شريرا يؤذي لكن لم توقفه
وعيون نظرت شرا بشريا يقع ولم تنطق