الرسالة الأولى
ايهما تفضل ، ان تعيش كوحش او ان تموت كرجل صالح ..! نهاية غامضة ورائعة استحقت كل اللغط اللذي رافقها وطوفان الأسئلة والتفسيرات اللتي سرقت ذهن كل من شاهد رائعة سكورسيزي نهاية تجبرك ع إعادة مشاهدته بشغف.. فيلم ” Shutter island ” او الجزيرة المغلقة.. يظهر المحقق تيدي دانيالز ” ليوناردو دي كابريو ” للبحث عن مريضة تدعي ريتشيل اختفت من احدى المصحات العقلية لأخطر المجرمين في جزيرة نائية .. ويرافقه رجل البوليس الأخر تشاك .. بعد تسلسل الأحداث نكتشف ان تيدي دانيالز نفسه يعاني من إضطراب نفسي وذلك بعد قتله لزوجته اللتي اغرقت اطفاله في البحيرة .. وعند إقتراب نهاية الفيلم ينكشف اللغز الغامض .. تيدي دانيالز لم يكن إلا احدى نزلاء المصحة النفسية وجميع الأحداث لم تكن إلا مسرحية كبيرة اتقن ترتيبها د.كولي بغية ان يواجه رجل البوليس السابق حقيقته كمجرم قاتل لزوجتة دورثي.. نجح سكورسيزي بخلق اللغط اللذي احاط بنهاية الفيلم التلاعب العقلي وتغيير الهويات والعمق النفسي هي اللتي جعلت الفيلم للمشاهد العادي مربك ولكن سيكون من اقوى الأفلام للمشاهدين الذويقة .. النهاية بعد إستعادة مريض الفصام لشخصيتة الحقيقية وبمجرد تذكره لعالمه الواقعي فضل التمثيل ع الفريق الطبي بأنه مازال هاربا من حياتة الطبيعية ليخضع لعملية غسيل الدماغ الخطرة اللتي ستفقده هويتة وحقيقتة وتغيب حياته للأبد في تلك المنارة الكئيبة .. يتساءل تيدي بعد ان نفث دخان سيجارته محدثا رفيقه تشاك : أيهما الأفضل .. ان تعيش كوحش او ان تموت كرجل صالح !! نهاية تعمق الصراع الأبدي بين رغبة الخير ونزعة الشر .. تستحق ان تعلق بالذاكرة .
الرسالة الثانية
يقال أن { السر } عادة ما يكون في التفاصيل المهملة ..
هذا ما رأيته في فيلم ( shutter island ) جزيرة شاتر المأخوذ عن رواية كتبها ” دينيس ليهان ”وسيناريو ” لايتا كالوجريدس ” واخرج ” مارتن سكور سيزي ” ..
بعد نقاشه مع أحد الأخوة ، دفعني استنتاجه إلى متابعة الفيلم مره ثانية ، لتكون المفاجأة ، وكأني اتابع فيلم آخر ، بملاحظة أدق وأعمق ..
( تيدي دانيالز ) يظهر في بداية الفيلم على أنه محقق مع مساعد له اسمه ( تشارلي ) ، وذلك للكشف عن سر اختفاء إحدى المريضات ، والتي تدعى ( ريتشل ) .
ولكن في الحقيقة أن أحداث الفيلم تدور في منتصف الخمسينيات ، وهذه الفترة كانت نقلة في تاريخ الطب النفسي ، فمع تطور تقنيات البحث والعلوم الكيميائية قام الإنسان بتصنيع العديد من العقاقير في ضوء دراسته للعلاقة بين العقار وكل من السلوك وكيمياء المخ .
فقد كانت في السابق منتشرة طريقة العمليات الجراحية لعلاج المرضى المستحيل شفاءهم ، والتي كانت تقوم على قطع أحد فصوص المخ ، وهي عملية خطيرة رغم انتشارها ، لأنها تؤدي إلى الوفاة ، أو العجز الكامل ..ولكن في العقود التالية أصبح هناك بديل لهذه الطرق الجراحية ، وهو العلاج بالعقاقير .
الفيلم يصور لنا هذه النقلة في تاريخ العلاج النفسي ، وتحول العلاج من الجراحي إلى العلاج الدوائي ، عن طريق تجربته على ( تيدي ) ، فـ الدكتور ( كولي ) والدكتور ( شيهان ) مع فكرة العلاج بـ العقاقير ، على عكس الدكتور ( جيرماي ) الذي يتبع الطريقة التقليدية في العلاج .
وثوق الدكتور ( كولي ) بشخصية ( تيدي ) الذكية ، هي ما دفعته للقيام بهذه التجربة .. ونلاحظ ذلك في تكراره لكلمة ( ريتشل ذكية ، ومتّقدة الذكاء ) ولكن ريتشل شخصية لا وجود لها في المصحة ، ويظهر ذلك في عدم اكتراث فريق البحث أثناء انتشارهم في الجزيرة ، فهي شخصية تحمل اسم ابنة ( تيدي ) والتي قامت بدورها أمام ( تيدي ) ممرضة تظهر في مشهد أخير في نهاية الفيلم .. .. ..
ليس كل ما نراه حقيقة .. فـ احداث الفيلم في المشاهد الأولى صورت ( تيدي ) على أنه محقق فيدرالي …ولكن !! عندما تشاهد النهاية ، تجد أنك كنت تتابع قصة خيالية مختلقه ، خلقها ( تيدي ) للهروب من نفسه الحقيقة .. من عدم تخيله أمر قيام زوجته بقتل أطفالهم .. ومن عدم تقبله لواقعه ..
ويتضح ذلك في تصويره لشخصيته ، عندما كان يصفها للدكتور ( شيهان ) والذي يعتقد بأنه مساعده في التحقيق .
سخّرالدكتور ( كولي ) المنشأة بـ الكامل لتمارس هذه الأسطورة دورها البطولي ، مع قصة ( ريتشل ) والتي كانت قلقة من المطر ، ومتذمرة من الطعام في المنشأة ، والتي كانت تملك في غرفتها زوجان من الأحذية الرجالية ، والتي تظن أنها ما زالت في منزلها ، فهي لم تسلم أنها داخل هذه المنشأة لمدة سنتين … مسرحية كاملة قامت بها المنشأة لتكون مع ( تيدي ) ليصح عقله ..
وهنا بعض من سطور حوار دار بين ( تيدي ) والدكتور ( كولي ) عن المريضة ( ريتشل ) كان المقصود فيه( تيدي ) ..
{ قال الدكتور ( كولي ) : كانت ( ريتشل سولاند ) تتلقى مجموعة من العقاقير .. كانت تهدف إلى منعها من أن تصبح عنيفة ، وكانت فعّاله بشكل متقطع فقط . ولكن ، أكبر عقبة أمام علاجها كانت رفضها مواجهة ما قد فعلته ..
فقال تيدي : كانت . أثمة سبب بأن تشير باستمرار إلى مريضتك في الزمن الماضي يا دكتور ؟
هنا نظر الدكتور ( كولي ) إليه نظرات متأمله ، ثم نظر إلى الدكتور ( شيهان ) ، وصرف نظر عما كان يتحدث عنه } .
المشاهد التي كانت تصورها مخيلة ( تيدي ) أو أحلامه ، والتي كانت تأخذنا إلى لقطات من الصراعات الداخلية .. المخاوف .. الذنب .. الفقد .. الألم .. الكره .. الندم .. والخطأ .. والحب .. والتي حملتها لنا المشاهد المتقطعة في معسكر داخاو النازي الشهير ، وجثث الأبرياء مدفونة بالثلج ، وقتلهم للعزّل ، والحريق ، والمياه..
كل الصور المتداعية من الذاكرة كانت تحمل رائحة الدم ، الحقيقة التي لم يستطع ( تيدي ) تقبلها عندما تعلق الأمر بزوجته التي يحبها .
إن ( تيدي ) والذي هو في الحقيقة المريض رقم ( 67 ) واسمه ( أندرو لايديس ) ما هو إلا أحد نزلاء المصحة النفسية ، وأن كل هذه الأحداث التي شاهدناها ما هي إلا ليواجه الطبيبان الدكتور ( كولي ) والدكتور( شيهان ) ( تيدي ) بجرائمه والاعتراف بها .
لقد قتل ( أندرو لايديس ) زوجته التي قتلت أطفالها الثلاثة غرقاً لأنها مضطربة عقليًا ، وبذلك تتغير زاوية الرؤية التي ننظر من خلالها على أحداث الفيلم ، من البداية وحتى النهاية ..
لم يكن يريد الانتصار في الحرب الداخلية ، وإنما كان يريد الهروب من الحقيقة ..
قصة من عمق الواقع البشري ، وهي قصة تستحضر أهمية الالتفات للمعالجة النفسية وتصوير أبعادها ، وأن دورها قد يكون حاسماً أحياناً ، وقد يكون كما صور لنا الفيلم في نهايته ..
في المشهد الأخير ، يتضح لنا أن المريض استجاب للعلاج ، ونجح فريق المدرسة الجديدة التي تحدث عنها الدكتور ( كولي ) قائلاً : (عندما تعالج المريض بـ احترام ، وتصغي إليه ، تحاول أن تفهمه ، قد يمكنك أن تصل إليه ) إلى استعادة شخصية المريض الفصامي ، وتقبلها للواقع بعد أن كانت مفككه ، تقودها أوهام خياليه ..
لكن بمجرد ما تذكر ( تيدي ) الواقع الحقيقي ، واصبح واعياً لما قد جرى ، قام بـ ايصال رسالة للأطباء بأنه لايزال مريضاً هروبا من العالم الحقيقي ، ليأتي المشهد الأخير ويحكي القصة كلها ..
تيدي ( أندوا ) كان مارشالاً ، اقتحم الجناح ” ج ” ليحصل على دليل للمريض الـ 67 ..
يعطي الدكتور ( كولي ) ( تيدي ) تقرير خاص به ، مذكور فيه أن ( تيدي ) مريض متقد الذكاء ، ومصاب بالأوهام ، تقلد وسام المحاربين القدامى في الجيش ، سُجن بسبب تحرير ” داكاو ” ، مارشال سابق ، معروف بنزعته للعنف ، لم يبد أيّ ندم على جرمه لأنَّ نكرانه يصف أنه لا توجد أي جريمة قد ارتكبت من قصصٍ في درجة عالية من التطور والخيال ، وهو ذلك السرد الذي يحول دون مواجهة حقيقة أفعاله …
يمكن للظلام أن يخفي الكثير من الأمور .. ولكنه لا يمكن أن يخفي شعورنا بالذنب والألم .. مثل البحر ، لا يمكن لـ انغماسنا فيه أن يغسل أوجاع قلوبنا ..
إن الظروف التي نصادفها في مراحل حياتنا قد توصلنا إلى طريق مسدودة .. إلى نهاية قاتمة .. إلى بؤس لا يمكن أن ننتصر عليه ..
تأنيب الضمير الذي رافق ( تيدي ) في رحلته الطويلة لم ينتهي بعد العلاج الجديد .. لذلك أختار العلاج بالعملية الجراحية ومع أن العلاج بالطريقة الجديدة نجح معه ..
في نهاية الفيلم لا يُخفي ( تيدي ) امتنانه للطبيبين .. ولكن هذا خياره مع الطريق المسدودة .. مع البؤس اللانهائي .. فما يمر به قد يكون له مخالب حادة يحدث في النفس جروحاً أكثر مما تحدثه العملية الجراحية التي تقتصر جروحها على الجسم فقط .
حقاً إنه شخص محارب .. فمقولته الأخيرة كانت خياراً بالنسبة له ( أيهما تُفضل .. أن تعيش كوحش .. أو تموت كرجل صالح ) . في نظره الموت وأنت تصارع ألم الجراحة { موت شريف } مثل الموت في الحروب حتى لو أصابتك الكثير من التشوهات .
وهكذا انتهى الفيلم .. ليخلد في ذاكرتنا الكثير من الصراعات التي قد تواجه الإنسان .. فما نعيش فيه ، وما نمر به ، يعلب دوراً في شخصيتنا النهائية .. فيُحدث ذلك فرقاً في حياتنا .
على الهامش .. لمن شاهدوا الفيلم ..
لاحظت في الفيلم تعدد أساليب العلاج وتدرجها مع المريض ( تيدي ) وسأنقل لكم مشهد بنصه ، لكي تصل إليكم فكرتي ..
في المشهد الذي يقابل فيه ( جورج نويس ) وهو مشهد متقدم وليس في البداية من الفيلم ، تنكشف الكثير من الحقائق في الحوار الذي دار بينهم .. وهذه سطور من المشهد ..
{ تيدي : أخبرني كيف أوصلوك إلى هنا ؟
– عرفوا ! ألا تفهم ؟ كلّ شيء كنت مخططاً له . كامل خطتك . هذهِ لعبة . كلّ هذا من أجلك أنت . إنك لا تحقق في أي شيء .
– جورج أنت مخطئ .
– حقاً ؟ كنت وحيداً منذ أن وصلت هنا ؟
– أنا مع شريكي .
– لم تعمل معه من قبل ، صحيح ؟
– جورج اسمع ، أثق بهذا الرجل .
– سيقومون بأخذي إلى المنارة ، للقيام بالعملية الجراحية . أنا هنا فقط بسببك أنت !
– جورج ، سأخرجك من هنا ، لن تذهب إلى المنارة .
– لا يمكنك قتل ( لا يديس ) وكشف الحقيقة في الوقت ذاته . عليك أن تختار ، تفهم ذلك ، صحيح ؟
– لست هنا لقتل أيّ شخص .
– كاذب !
– لن أقتله ! أقسم لك ..
– إنّها ميّته . دعها تذهب .. عليك أن تقوم بذلك .. لا يوجد طريقة أخرى .. دعها وشأنها .. عليك أن تقوم بذلك ! .. إنّها تلعب بعقلك ! .. ستقوم بقتلك . ستقتلك .
أترغب في كشف الحقيقة ؟ فعليك أن تدعها وشأنها إذن ..
– لا أستطيع .
– عليك أن تدعها وشأنها !
– لا أستطيع !. }
فيلم لم يصيبني بـ الملل أبداً ، ففي كل مره أتابعه فيها ، أجد أن هناك الكثير من الأمور التي لم أنتبه لها في مشاهدتي الأولى .
تقيم IMDb
8.1
تقيمي كمشاهد
9