في يوم ١٢/آذار (مارس) من سنة ٦٢٤ ميلادية ، حصلت معركة بدر الكبرى ، التي نحتفل في شهر رمضان من كل عام بإنتصار المسلمين فيها ، وهم القلة المستضعفين ، على ظالميهم وغاصبي حقوقهم ..
وقد أحببت بهذه المناسبة أن أشير الى ثلاث أمور مهمة مستفادة من أحداث معركة بدر :
أولها - أن العبرة والمقياس في النجاح والإنتصار ليس بالقوة والكثرة ، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، والله مع الصابرين .
وإنما العبرة بالإيمان والثبات والتوكل على الله رب العالمين ، فإذا إلتزم الإنسان بذلك فقد أدى ماعليه ، وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم ..
مع الإلتفات الى ان النصر قد يكون مادياً ظاهرياً ، وقد يكون النصر معنوياً ، وذلك حين تنتصر المباديء السامية والقيم النبيلة التي يفترض ان تنتصر وتعلو في هذا العالم الذي سيطر عليه الفساد بما كسبت أيدي الناس .
ثانيها - ان الإسلام كان يقاتل دفاعاً عن حقه في الوجود ، وعن حقوق أهله وأبنائه ، ورفعاً للظلم الذي وقع عليه وعلى أتباعه ..
وقد قال الله تعالى :
( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ) .
وفي بعض مصادر التاريخ ، أن النبي المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال للمشركين قبل معركة بدر : ( يا معشر قريش , إني أكره أن أبدؤكم , فـخلوني والعرب وإرجـعوا ) .
ولكنهم رفضوا , فوقعت الـحرب ..
وحتى في لحظات الإنتصار على ظالميه والمعتدين عليه ، كان الإسلام يجسد أنبل القيم وأسماها ..
فحينما دخل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منتصراً الى مكة , لم يفعل ما تفعله الدول الـمنتصرة اليوم حينـما تدخل أراضي أعدائها ..
لم يعلن الأحكام العرفية ..
ولم يؤسس مـحاكم عسكرية ..
ولم يسمح بإعدامات ميدانية شاملة ..
ولم يعتقل القادة ..
ولم يلق القبض على كل من حمل السلاح بوجهه ..
وإنـما أمر مناديه بأن ينادي في الناس بأن هذا اليوم هو يوم الـمرحـمة ..
فعفى عنهم وأطلق سراحهم بقولته الـمشهورة :
إذهبوا فأنتم الطلقاء ..
هذا هو النبي الـمصطفى مـحمد المبعوث رحمة وبشرى للعالمين ..
وهذا هو الإسلام الـحقيقي ..
ثالثها - أن الدين الإسلامي قوي جداً ، قوي الى درجة التحدي بكل شجاعة وإطمئنان ..
فقد ركز من بداياته ، في أغلب تعاليمه وتشريعاته ، على أهمية طلب العلم ومكافحة الجهل والأمية ، وأعطى للعلم والمتعلم والعالم مزايا كثيرة ومتعددة .
حتى أن النبي محمد (ص) حوّل ساحة الحرب في معركة بدر الى مدرسة ودار علم ، حينما جعل حرية أسراه من الكفار مقابل تعليم المسلمين القراءة والكتابة ، حيث ورد أنه (ص) أصدر حكماً يقضي بأن كل أسير يعلّم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة ، فإنه يكون حراً .
هذه عظمة الإسلام ، وعظمة رسول رب العالمين ..
وهو إن دل على شيء ، فإنما يدل على ثقة الإسلام بمصدره الإلهي ، ويدل على ثقة النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنفسه وبرسالته السماوية ، حيث يطالب الناس بأن يكونوا على علم ومعرفة ليميزوا الحق من الباطل .

.