من تمام التحية أن يصافح المسلم أخاه
تحية الإسلام... حق من حقوق المسلم على أخيه بأحكام وآداب وفضائل
شرعها الله تعالى لتميزنا عن غيرنا وأمرنا بإفشائها ورتب عليها الأجر والثواب
•السلام تحية المسلمين ولا يصح أن نبدلها بغيرها من الألفاظ وإلقاء السلام سنة والردُّ فرض
• على المسلم أن يرفع صوته بالسلام ويتلفظ بكلماته ويشير بيده إن كان من يسلّم عليه بعيداً عنه
• المسلم يلقي السلام على الجماعة ما دامت في مكان واحد ولا يخص واحداً منهم دون الآخرين
التحية: مصدر حياه يحييه تحية، ومعناه في اللغة: الدعاء بالحياة، فيقال: حياك الله، أي أبقاك، ثم توسع في إطلاق التحية على كل ما هو في معناها من الدعاء الذي يقال عند الالتقاء ونحوه. والتحية أعم من السلام، فالسلام نوع من أنواع التحية.
قال ابن حجر رحمه الله: وقد اختلف في معنى السلام فنقل عياض: أن معناه اسم الله أي كلاءة الله عليك وحفظه، كما يقال الله معك ومصاحبك.
وقيل معناه: أن الله مطلع عليك فيما تفعل، وقيل معناه أن اسم الله يذكر على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيها وانتفاء عوارض الفساد عنها.
وقيل معناه: السلامة، كما قال تعالى (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) [الواقعة: 91]
فكأن المُسَلَّمَ أَعْلَمَ مَنْ سَلَّمَ عليه، أنه سالم منه وأن لا خوف عليه منه.
وقال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: السلام يطلق بإزاء معان:
منها: السلامة.
ومنها: التحية.
ومنها: أنه اسم من أسماء الله.
قال: وقد يأتي بمعنى التحية محضا، وقد يأتي بمعنى السلامة محضا.
وقد يأتي مترددا بين المعنيين، كقوله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) [النساء:94]
فإنه يحتمل التحية والسلامة وقوله تعالى: (وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس: 57، 58]
وقد شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لنا تحية تميزنا عن غيرنا، ورتب على فعلها الثواب، وجعلها حقاً من حقوق المسلم على أخيه، فتحولت هذه التحية من عادة من العادات المجردة إلى عمل يفعله العبد تقرباً إلى الله تعالى، واستجابة لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن تبدل هذه التحية العظيمة بعبارات أخرى لا تؤدي ما تؤديه تحية الإسلام المباركة، وهي: ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) هذا أكملها، وأقلها: (السلام عليكم ).
أمرنا الله -عز وجل- بإفشاء السلام، فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} [النور: 27]. وقال تعالى: {فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة } [النور: 61]. وقال تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}[النساء: 86].
كما حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على إلقاء السلام بقوله:
أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) [ابن ماجه] فالتحية تجعل المجتمع يمتلئ بالحب والوئام، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) [مسلم].
آداب التحية
للتحية آداب يلتزم بها كل مسلم، منها:
*الالتزام بتحية الإسلام: فالسلام تحية المسلمين، ولا يصح أن نبدلها بغيرها من الألفاظ، مثل: (صباح الخير) أو (نهارك سعيد) قال صلى الله عليه وسلم: (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك -نفر من الملائكة جلوس- فاستمع ما يحَيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله) [متفق عليه].
*تحية كل المسلمين: السلام حق للمسلم على أخيه المسلم، وإلقاء السلام سنة والردُّ فرض، قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس) [متفق عليه]. وسئل صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) [متفق عليه].
*رفع الصوت بالسلام: على المسلم أن يرفع صوته بالسلام، ويتلفظ بكلماته ويشير بيده إن كان من يسلم عليه بعيدًا عنه، ولا يسمع صوته.
*المبادرة بالتحية: يبدأ المسلم إخوانه بالسلام قبل أن يتكلم؛ لأن من يبدأ بالسلام هو الأفضل عند الله، قال صلى الله عليه وسلم: (... وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) [مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: (يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير) [البخاري].
*رد التحية: إلقاء السلام سنة مستحبة، أما الرد عليه فواجب، فيجب رد التحية متى أُلقيت عليه شفاهة كانت أو كتابة، وسواء رأينا من يلْقيها أو لم نره، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال صلى الله عليه وسلم يومًا: (يا عائشُ، هذا جبريل يقرئُك السلام) فقالت (وهي لم تره): وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. [متفق عليه].
*تكرار التحية: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا لقى أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو حائط أو حجر ثم لقيه، فلْيُسلم عليه) [أبوداود].
*المصافحة عند التحية: ومن تمام التحية أن يصافح المسلم أخاه، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمَيْن يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا)
[أبو داود] وإذا أمكن ابتسم في وجهه، قال صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة) [الترمذي].
*تحية النساء: للمسلم أن يلقي السلام على النساء، فإن كانت واحدة ويأمن على نفسه الفتنة سلم عليها، لكن بدون مصافحة، وإلا فالأولى تركه، والأمر كذلك بالنسبة للمرأة، فعن أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ علينا في نسوة، فسلم علينا. [أبو داود].
*تحية الصبيان: المسلم الكبير يلقي السلام على الصبيان لإشعارهم بالود والحب فعن أنس -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على غلمان فسلم عليهم. [مسلم].
*عدم التحية في بعض المواقف: كما هو في الخلاء (دورات المياه) وعند الأذان والإقامة وفي الصلاة، وأثناء خطبة الجمعة وعند الاستغراق في الدعاء، وأثناء التلبية بالحج والعمرة.
*تحية الجماعة: المسلم يلقي السلام على الجماعة ما دامت في مكان واحد، ولا يخص واحدًا منهم بالسلام دون الآخرين، بل يكون السلام عليهم جميعًا، ويمكن تمييز بعض منهم؛ كأن يسلم التلميذ على أستاذه سلامًا خاصَّا بعد السلام على الجميع.
*تحية البيت الخالي: إذا دخل المسلم بيتًا، ولم يجد فيه أحدًا، فإنه يلقي السلام قائلا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
*تحية المغادرة والعودة: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم؛ فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثم إذا قام فلْيسلم؛ فليست الأولى أحق من الآخرة) [أحمد
من فضائل السلام
1- أنه من خير أمور الإسلام، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير ؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف».
2- أنه من أسباب المودة والمحبة بين المسلمين، والتي هي من أسباب دخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم».
3- أن كل جملة منه بعشر حسنات، وهو ثلاث جمل، فلمن جاء به كاملاً ثلاثون حسنة، عن عمران ابن حصين ـ رضي الله عنهما ـ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «عشر»، ثم جاء رجل آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، ثم جلس، فقال «عشرون»، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، وجلس فقال: «ثلاثون».
حكم السلام ورده
السلام سنة مؤكدة ورده واجب عيناً، إذا قصد به شخص واحد، وعلى الكفاية إن قصد به جماعة، فإن رد جميعهم فهو أفضل.
صفة رد السلام
الواجب في الرد أن يكون مثل السلام، وإن زاد عليه فهو أفضل، لكن لا ينقص عنه، فمن سلم فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فجوابه الواجب: وعليكم السلام ورحمة الله، وإن زاد: وبركاته، فهذا أفضل، لكن لا يجوز الاقتصار في الجواب على: ( وعليكم والسلام ) فقط، لأنها دون السلام، قال تعالى ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها )
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أي: إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة. اهـ.
ومما يعتبر جواباً غير سائغ شرعاً أن يرد بقوله أهلا ومرحبا، أو نحوها، مكتفياً بها، وذلك لأنها ليست بجواب شرعي للسلام، ولأنها أنقص من السلام بكثير، فإن قوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وما تحمله من معانٍ عظيمة أفضل من قول القائل: أهلا ومرحباً، ولكن لا بأس بقولها لا على أنها رد السلام، إنما يرد السلام، ويقولها بعد ذلك، فقد ثبت قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مرحباً بأم هانئ»، وغير ذلك. التلفظ بالسلام السنة في السلام والجواب الجهر، لأن السلام هو التلفظ بقولك: ( السلام عليكم)، والإشارة باليد وغيرها لا تعتبر سلاماً، وأما الجواب فإنه يجهر به حتى يسمع المسلم، لأنه إن لم يسمعه فإنه لم يجبه
السلام في القرآن الكريم
ذكر بعض المفسرين أن السلام في القرآن الكريم على أوجه:
أحدها: اسم من أسماء الله عز وجل ومنه قوله تعالى في سورة الحشر: (ٱلْمَلِكُ ٱلقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ) الحشر:23].
قيل: وصف بذلك من حيث لا يلحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق.
والثاني: التحية المعروفة، ومنه قوله تعالى: (فَسَلّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ) [النور:61]
الثالث: السلامة من كل شر، ومنه قوله تعالى في سورة الواقعة: (فَسَلَـٰمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ) [المعارج:91].
والرابع: الخير، ومنه قوله تعالى في سورة القدر: (سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ) [القدر:5] أي: خير هي.
والخامس: الثناء الجميل، ومنه قوله تعالى في الصافات: (سَلَـٰمٌ عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ) [الصافات:109].
السادس: الجنة ومنه قوله تعالى: (لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ عِندَ رَبّهِمْ) [الأنعام:127]
قال الراغب: والسلامة الحقيقية ليست إلا في الجنة، إذ فيها بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وصحة بلا سقم.انتهى.
فضل السلام يعم أمة الإسلام
نعم فضل السلام لا يقتصر على شخصك وحدك، بل يمتد ليشمل أمة الإسلام كلها، نعم أمة الإسلام كلها، فمن المعلوم أن من أهم عوامل ترابط وتقدم وقوة أمة الإسلام، هو نزع الحسد، والبغضاء من بين أفرادها، وبذر بذور المحبة والألفة موضع ذلك.
وأحد أهم وسائل إنبات بذور المحبة والألفة، يتمثل في إفشاء السلام بيننا، كما أُمِرنا ؛ بإلقاء السلام على من تعرف ومن لم تعرف.
ولا شك أن حاجة أمة الإسلام إلى الترابط والقوة أكثر ضرورة من ذي قبل، و أمنية كل مسلم منا الآن.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ).
نقل ابن حجر في الفتح [ج11- ص21] قول ابن العربي على هذا الحديث قال: «فيه أن من فوائد إفشاء السلام حصول المحبة بين الْمُتَسَالِمَيْنِ، وكان ذلك لما فيه من ائتلاف الكلمة لتعم المصلحة بوقوع المعاونة على إقامة شرائع الدين وإخزاء الكافرين، وهي كلمة إذا سمعت أخلصت القلب الواعي لها عن النفور إلى الإقبال على قائلها»
قال ابن علان: قال العاقولي: وكأن معنى قوله (لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا) أي يأمن كل منكم أخاه بوائقه، كما جاء في الحديث الآخر، ولا يأمن أحدكم بوائق صاحبه، إلا إذا حصلت المحبة بينكم، لأن المحب يأمن محبوبه، ولا شك أن السلام يزيل الإحن من الصدور، ويترقى حتى تحصل المحبة.
ثم قال ابن علان في الصفحة التي تليه:والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكين ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين، وفيه أنه يتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء، وفساد ذات البين التي هي الحالقة، وأن يكون سلامه لله تعالى، ولا يتبع هواه، ويخص به من يعرفه.
إِفْشَاءُ السَّلامِ مِنْ الإِسْلامِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ).
قَوْله: ( وَمَنْ لَمْ تَعْرِف ): أي: لا تخص به أحدا تكبرا أو تصنعا بل تعظيما لشعار الإسلام ومراعاة لأخوة المسلم. قال ابن علان: المراد من الحديث: أن تسلم على كل من لقيته عرفته أم لم تعرفه، ولا تخص به من تعرفه كما يفعله كثير من الناس.
وفي بذل السلام لمن عرفت ولمن لم تعرف إخلاص العمل لله وترك المصانعة والتملق، وفيه مع ذلك استعمال خلق التواضع، وإفشاء شعار هذه الأمة.
وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفشوا السلام تَسْلَمُوا ).
إلقاء السلام صدقة
نعم البخل بالسلام أشد من البخل من المال، ويستحق من بخل به، أن يوصف بأبخل الناس، كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم، فها هو يبخل بصدقة، لا إنفاق فيها ولا غرم.
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (..وَتَسْلِيمُكَ عَلَى النَّاسِ صَدَقَةٌ).
اقتران الرحمة والبركة بالسلام
قال ابن القيم رحمه الله: ما الحكمة في اقتران الرحمة والبركة بالسلام ؟
فالجواب عنه أن يقال: لما كان الإنسان لا سبيل له إلى انتفاعه بالحياة إلا بثلاثة أشياء:
أحدها: سلامته من الشر ومن كل ما يضاد حياته وعيشه والثاني: حصول الخير له، والثالث: دوامه وثباته له فإن بهذه الثلاثة يكمل انتفاعه بالحياة.
لقد شرعت التحية متضمنة للثلاثة، فقوله (سلام عليكم) يتضمن السلامة من الشر، وقوله (ورحمة الله) يتضمن حصول الخير وقوله (وبركاته) يتضمن دوامه وثباته، كما هو موضوع لفظ البركة وهو كثرة الخير واستمراره.
ولما كانت هذه الثلاثة مطلوبة لكل أحد بل هي متضمنة لكل مطالبه، وكل المطالب دونها، ووسائل إليها، وأسباب لتحصيلها، جاء لفظ التحية دالا عليها بالمطابقة تارة وهو كمالها، وتارة دالا عليها بالتضمن، وتارة دالا عليها باللزوم.
فدلالة اللفظ عليها مطابقة إذا ذكرت بلفظها، ودلالته بالتضمن إذا ذكر السلام والرحمة فإنهما يتضمنان الثالث، ودلالته عليها باللزوم إذا اقتصر على السلام وحده، فإنه يستلزم حصول الخير وثباته إذ لو عدم لم تحصل السلامة المطلقة فالسلامة مستلزمة لحصول الرحمة كما تقدم تقريره.
قد عرف بهذا فضل هذه التحية وكمالها على سائر تحيات الأمم ولهذا اختارها الله لعباده وجعلها تحيتهم بينهم في الدنيا وفي دار السلام.
وقد بان لك أنها من محاسن الإسلام وكماله فإذا كان هذا في فرع من فروع الإسلام وهو التحية التي يعرفها الخاص والعام فما ظنك بسائر محاسن الإسلام.
إلقاء السلام على مَنْ تعرف فقط ... مِن علامات الساعة!
لأن السلام أمان الله في الأرض، وهو تحية المؤمنين في الجنة، وتحية أهل الإسلام في الدنيا، وهو طريق المحبة والتعارف بين المسلمين، وفي المداومة عليه تمييز للمسلمين وكيد لأعداء الدين.
فكان هجره وتخصيصه على المعارف، على غير ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من إلقائه على من تعرف ومن لا تعرف، كان هذا التخصيص من علامات الساعة، وفناء الدنيا.
ولا يدل هذا إلا على أهمية السلام وخطورته، وأثره العظيم في إشاعة الود والمحبة بين أهل الإسلام، وأن هذا التخصيص ينافي الغرض الأساسي من السلام، فكان هذا إشارة لقرب انتهاء تلك الأيام.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ، لا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلا لِلْمَعْرِفَةِ).
حسد اليهود لأمة الإسلام على تحيتهم
هذا خير قليل من كثيرٍ تحصلُ عليه بتحية الإسلام فلِمَ تُضيعه ؟ وتحرص على قولك، صباح الخير، أو مساء الخير أو غيرها من الكلمات التي شاعت بين المسلمين واستخدموها بديلاً عن تحية الإسلام، فهي كلمات جوفاء لا خير فيها ولا طائل من ورائها.
بل تُضَيعُ على نفسك كل هذا الخيرِ الذي سبَقَ وذكرناه، وأكثر من ذلك أنك قد تأثم لتشبهك بغير المسلمين، ونحن قد أُمِرنا بمخالفتهم، بل هم يحسدوننا على تحيتنا هذه، وأنت تفرط فيها عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( مَا حَسَدَتْكُمْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ).
قال الحافظ ابن حجر عقب هذا الحديث: وهذا يدل على أنه شُرِعَ لهذه الأمة ـ يقصد أمة الإسلام ـ دونهم (أي اليهود)
عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ).
فقوله: (فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ) دليل على أنها شاملة لكل ذريته من هذه الأمة أو غيرها.
ويؤكد عدم الخصوصية قوله تعالى: (قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ)(هود /69) أي رد إبراهيم عليه السلام على الملائكة فقال: سلامٌ: أي عليكم السلام.
وقال النووي في الأذكار باب كيفية السلام (صفحة: 191) وهذا وإن كان شرعاً لما قبلنا فقد جاء شرعنا بتقريره.
قال ولي الدين أبو زرعة العراقي رحمه الله: فيه دليل على تأكد حكم السلام فإنه مما شرع وكلف به آدم عليه السلام ثم لم ينسخ في شريعة من الشرائع فإنه سبحانه أخبره أنها تحيته وتحية ذريته من بعده فلم يزل ذلك شرعا معمولا به في الأمم على اختلاف شرائعها إلى أن انتهى ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فأمر به وبإفشائه، وجعله سببا للمحبة الدينية، ولدخول الجنة العلية.
فعلى هذا يكون السلام قد شُرع لأمم سابقة علينا – وهذا كما في حديث آدم عليه السلام،كما أنه لم يشرع لأمم أخرى ومنهم اليهود، لهذا فقد حسدونا عليه. والله اعلم.
الحكمة في السلام عند اللقاء
الحكمة في السلام عند اللقاء دون غير من الدعاء أن عادة الناس الجارية بينهم أن يحيي بعضهم بعضا عند لقائه، وكل طائفة لهم في تحيتهم ألفاظ وأمور اصطلحوا عليها.وكانت العرب تقول في تحيتهم بينهم في الجاهلية: أنعم صباحا، وأنعموا صباحا، فيأتون بلفظة أنعموا من النَعمة، وهي طيب العيش والحياة، ويصلونها بقولهم صباحا ؛ لأن الصباح في أول النهار، فإذا حصلت فيه النعمة استصحب حكمها، واستمرت اليوم كله فخصوها بأوله إيذانا بتعجيلها، وعدم تأخرها إلى أن يتعالى النهار.وكذلك يقولون: أنعموا مساء، فإن الزمان هو صباح ومساء، فالصباح في أول النهار إلى بعض انتصافه، والمساء من بعد انتصافه إلى الليل ؛ ولهذا يقول الناس صبحك الله بخير، ومساك الله بخير، فهذا معنى أنعم صباحا ومساء إلا أن فيه ذكر الله.
وكانت الفرس يقولون في تحيتهم: (هزا رسالة ميمايي) أي تعيش ألف سنة.وكل أمة لهم تحية من هذا الجنس، أو ما أشبهه، ولهم تحية يخصون بها ملوكهم من هيئات خاصة عند دخولهم عليهم كالسجود ونحوه، وألفاظ خاصة تتميز بها تحية الملك من تحية السوقة، وكل ذلك مقصودهم به الحياة ونعيمها ودوامها.
ولهذا سميت تحية وهي تفعلة من الحياة، كتكرمة من الكرامة لكن أدغم المثلان، فصارا تحية فشرع الملك القدوس السلام تبارك وتعالى لأهل الإسلام تحية بينهم سلام عليكم وكانت أولى من جميع تحيات الأمم التي منها ما هو محال وكذب نحو قولهم: تعيش ألف سنة، وما هو قاصر المعنى مثل: أنعم صباحا، ومنها: ما لا ينبغي إلا لله مثل: السجود، فكانت التحية بالسلام أولى من ذلك كله لتضمنها السلامة التي لا حياة ولا فلاح إلا بها، فهي الأصل المقدم على كل شيء.
ومقصود العبد من الحياة إنما يحصل بشيئين: بسلامته من الشر، وحصول الخير كله.
والسلامة من الشر مقدمة على حصول الخير وهي الأصل ؛ ولهذا إنما يهتم الإنسان بل كل حيوان بسلامته أولا، ثم غنيمته ثانيا، على أن السلامة المطلقة تتضمن حصول الخير فإنه لو فاته حصل له الهلاك والعطب أو النقص والضعف.
ففوات الخير يمنع حصول السلامة المطلقة، فتضمنت السلامة نجاته من كل شر وفوزه بالخير فانتظم الأصلان اللذان لا تتم الحياة إلا بهما، مع كونها مشتقة من اسمه السلام ومتضمنة له.
المصدر ,, جريدة الرأي