تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أولاده
الأولاد زينة الحياة الدنيا، سواء كانوا بنين أو بنات، وقد رُزِق النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة بنين، وأربع بنات، وهم على التوالي: القاسم، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وعبد الله، وإبراهيم، ووُلِدوا كلُّهم من زوجته خديجة، إلا إبراهيم فأمُّه مارية القبطية، التي أهداها إليه المقوقس ملك مصر، وكانت بيضاء جعْدَة جميلة، فتسرَّى بها ـ تزوجها ـ، وقد مات كل أولاده قبله، إلا فاطمة ماتت بعده بستة شهور، وكانت قد أنجبت من زوجها علي أحفاداً للنبي هم: الحسن والحسين رضي الله عن الجميع.
وقد تجلَّى تعامله صلى الله عليه وسلم مع أولاده وأحفاده بالعديد من المظاهر الإنسانية الكريمة الرحيمة، ومن ذلك ما يلي:
1ـ فرحه بولادتهم وحبه لهم ورحمته بهم وممازحته إياهم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أولاد المسلمين عامة وأولاده وأحفاده خاصة، ويفرح لولادتهم، وإذا ولد له مولود أذَّن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى؛ ليكون أول ما يسمعه في الدنيا تمجيد الله وتعظيمه، ويحنِّكه بشيء حلو كالتمر، ويسميه باسم حلو جميل، ويذبح عنه عقيقة، ويختن الصبي، ويحلق رأسه ورأس البنت المولودة ويتصدق بوزنه فضة، وكانت هي النقد يومئذ.
وكان أرحم الناس بالصغار، يمسح رؤوسهم، ويقبِّلهم، ويداعبهم، ويطيِّب خواطرهم، ويحملهم بين يديه وينفق عليهم، ويسوي بينهم في العطية، وكان يقبِّل ابنه إبراهيم ويشمُّه. وحمل حفيدته أمامة بنت زينب وهو يصلي؛ رحمة بها وكفَّاً لبكائها.
وحينما تعجَّب الأقرع بن حابس من تقبيله لحفيده الحسن بن علي، وأن له عشرة من الأولاد ما قبَّل واحدا منهم، أجابه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: من لا يَرْحَم لا يُرْحَم. وروي عنه أنه كان يمازح الحسن أو الحسين، ويأخذ بكفَّيه ويجعله يرقى بقدميه على صدره صلى الله عليه وسلم، ثم يقبله.
وكان يخاف على أولاده وأحفاده، ويرقيهم بالمعوِّذات، ويقول للحسن والحسين: ( أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامَّة ).
2ـ تعليمه لهم واهتمامه بتربيتهم وتنشئتهم على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور:
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على تعليم أولاده وأحفاده وتربيتهم وإرشادهم إلى مكارم الأخلاق ومعالي الأمور، وقد روي عنه أنه قال:(أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم).
وروي عنه أنه صافح وبايع أطفالا صغارا من أقربائه، منهم الحسن والحسين، وليست هذه بيعة تكليف، وإنما يراد بها تعويد الأولاد على تحمل المسؤولية، والتأسي بالكبار.
وحينما أراد حفيده الحسن وهو صغير، أن يأكل تمرة من الصدقة، نهاه عن ذلك، تنشئة له على معالي الأمور ومكارمها.
3ـ تدريبهم على أنواع النشاطات البدنية والرياضية:
اهتم النبي القدوة بتدريب أولاده وأقربائه على أنواع من النشاطات البدنية؛ لتقوى أجسامهم، وتصلب أعوادهم، ويذهب عنهم الخمول والكسل، ويتعودوا على النشاط والعمل الجماعي، فكان يُركب الحسن والحسين على ظهره، ويقول: ( نِعْم الجملُ جملُكما، ونعم العِدْلان أنتما ). وكان يقول: ( من كان له صبي فليتصابَ له ).
وكان يَصِفُّ عبد الله، وعبيد الله، وكُثَيِّرا أبناء عمه العباس، ثم يقول: من سبق إليَّ فله كذا وكذا، فيتسابقون فيقع بعضُهم على صدره وبعضهم على ظهره، فيلتزِمُهم ويقبِّلهم، وفي هذا ونحوه ما لا يخفى من التعويد على العمل الجماعي، فضلا عما فيه من إضفاء جو الحماس والفرح والمنافسة الشريفة بين الأولاد.
4ـ تربيته صلى الله عليه وسلم الأولاد على السلوك والعادات الصحية السليمة:
اهتم الإسلام بصحة الإنسان عامة، ودعا الآباء والأمهات إلى رعاية أولادهم وإرشادهم إلى السلوك الحسن وما يحفظ سلامة أجسادهم وصحتهم، وفي هذا الصدد دعا إلى تقليم الأظفار، واستعمال السواك، وغسل اليدين قبل الطعام وبعده، والشرب قاعدا، والامتناع عن التنفس في الإناء، والبعد عن الشراهة والتخمة، وتجنب السهر فيما لا فائدة فيه، كما دعا إلى النوم على الشق الأيمن، والاستيقاظ مبكرا، ومما يروى في هذا أنه صلى الله عليه وسلم استرضع لابنه إبراهيم امرأة، لأن أمه مارية كانت قليلة اللبن. ودخل على ابنته فاطمة وهي نائمة فأيقظها وقال: ( قومي فاشهدي أضحيتك ).
وحينما رأى على ابن عمه الفضل بن عباس ـ وكان صغيرا ـ خرزة أو تميمة وضعت لتحميه ـ بزعمهم ـ من العين، قطعها لأنها من أفعال الجاهلية، وأرشدهم إلى الرقية بأدعية الكتاب والسنة.
الخاتمة: هذه صور عملية من تعامل النبي مع أولاده، يعرف لكل واحد منزلته، فيعامله بمعاني الصدق، والحب، والوفاء، والرحمة، والصبر، ويحب له الخير، ويسعى في النصح له وإصلاح حاله، وهي تضع أمام الآباء والأمهات مبادئ كريمة لأسوة حسنة، ونصرة حقيقية لهذا النبي العظيم صلوات ربي وسلامه عليه، وصدق الله العظيم إذ يقول: (قل إن كنتم تحبون الله فاتَّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) سورة آل عمران/ 31.