ظاهرة الانتحار وموقف الإسلام منها

الحمد لله شافي الصدور ، وقاضي الأمور ،باعث الأمل في نفوس عباده المؤمنين، وناشر رحمته بين عباده الموحدين فقال تعالي (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)الشوري. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد وهو علي كل شئ قدير..ذم اليأس والقنوط في القرآن الكريم واعتبرهما من لوازم الكفر والضلال فقال تعالي علي لسان نبيه يعقوب عليه السلام (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (يوسف: 87)وقال علي لسان نبيه إبراهيم عليه السلام (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) (الحجر: 56). وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه أَُنزل عليه الكتاب شفاءً لما في الصدور،ورحمة للناس أجمعين .. ربي الأمة علي الأمل واليقين في الله تعالي فعن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (“إن الله عز وجل بقسطه جعل الفرح والروح في الرضا واليقين، وجعل الغم والحزن في السخط والشك” مسند الشهاب. فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ...
أما بعد :ـ فيا أيها المؤمنون
لقد ابتليت الأمة بنكبات كثيرة علي مر الدهور والأزمان حتى إلي يومنا هذا … وأشد أنواع النكبات التي قد تبتلي بها الأمة أن يتسرب اليأس إلي القلوب وتتفرغ القلوب من الأمل واليقين ،فيتخلص المرء من حياته عن طريق الانتحار ، ولقد ظهر في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية جريمة تعد من أبشع الجرائم علي الإطلاق وهي جريمة الانتحار . لذلك كان موضوعنا اليوم حول هذه الجريمة ويتناول هذه العناصر الرئيسية التالية :
ــ 1ـ تعريف الانتحار .
2ـ أعراض الانتحار.
3ـ أسباب الانتحار .
4ـ موقف الإسلام من الانتحار .
5ـ علاج ظاهرة الانتحار .
6ـ الخاتمة .
العنصر الأول :ـ تعريف الانتحار :ـ الانتحار هوقتل الإنسان نفسه ، أو إتلاف عضو من أعضائه أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال مثل الشرق ،أوالحرق أوتناول السموم ،أو تناول جرعة كبيرة من المخدرات ، أوالقاء نفسه في النيل، أو قتل نفسه بمأكول أو مشروب، وذلك لأسباب يعتقد صاحبها معها بان مماته أصبح أفضل من حياته .
العنصر الثاني :ـ أعراض الانتحار:ـ هناك بعض العلامات التي تظهر علي الشخص الذي يقدم علي الانتحار من أهمها :ــ 1 ـ الاكتئاب:ـ والذي يعني (الشعور بالحزن الشديد والتعاسة، والإحباط، والعجز وعدم القيمة، واليأس من الحياة ومن تغيّر الواقع). 2 ـ التغيرات المفاجئة في السلوك:ـ مثل التغير في نمط النوم أو نمط الطعام، والإهمال في الدراسة أو العمل، إهمال الشخص لعلاقاته الاجتماعية ولمظهره الخارجي، التحدث عن الانتحار والموت بصورة غريبة، فقد الاهتمام بالأنشطة المعتادة والانسحاب منها، فقد المتعة في الأمور المحببة له، التحدث عن فقد الأمل والشعور بالذنب أو اليأس، نقد الذات، القلق النفسيّ، الخمول، السوداوية، الانعزال والانطواء، الحقد على المجتمع، الشكوى من الصداع، قلة التركيز، التخلّص من المقتنيات الشخصيّة الثمينة ) 3ـ تعاطي المخدرات والمسكرات. 4 ـ القيام بأعمال المخاطرة المبالغ بها كالقفز من مكان مرتفع، أو عبور الطريق وسط سير كثيف أو مسرع . 5ـ الامتناع عن أخذ دواء ضروري كالأنسولين مثلا . 6 ـ محاولة فاشلة أو أكثر في تجربة الانتحار . إن وجود أيٍّ من هذه العلامات يستحق الاهتمام من قبل الآخرين كالوالدين أو المقربين، وإن وجود عدد منها يعتبر مؤشرًا واضحًا على أن الشخص في خطر وعلينا إدراكه. إن الذين يعانون من اضطرابات انفعالية يؤذون أنفسهم بشكل أكبر وأشدّ قسوة. فلا يجب على الوالدين التهاون بأي من حالات إيذاء النفس لأنها قد تتطور إلى تفكير جديٍّ في الانتحار.
العنصر الثالث:أسباب الانتحار:ــ حوالي 35% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كـالإكتئاب والفصام و الإدمان. و65% يرجع إلى عوامل متعددة مثل التربية وثقافة المجتمع والمشاكل الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض الجسمية أو تجنب العار أو الإيمان بفكرة أو مبدأ مثل القيام بالانتحاري. وهذه بعض الأسباب التي تؤدي إلي الانتحار :ـــ
1 ـ ضعف الوازع الديني عند الإنسان ، وعدم إدراك خطورة هذا الفعل الشنيع والجريمة الكُبرى التي يترتب عليها حرمان النفس من حقها في الحياة ؛ إضافةً إلى التعرض للوعيد الشديد والعقاب الأليم في الدار الآخرة .
2 ـ عدم اكتمال المعنى الإيماني في النفس البشرية: إذ إن الإيمان الكامل الصحيح يفرض على الإنسان الثقة واليقين في الله تعالي،و الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ، وعدم الاعتراض على ذلك القدر مهما بدا للإنسان أنه سيءٌ أو غير مرضِ . ولا شك أن الانتحار لا يخرج عن كونه اعتراضاً على واقع الحال ودليلاً على عدم الرضا به . و غلبة الظن الخاطئ عند المنتحر أنه سيضع بانتحاره وإزهاقه لنفسه حداً لما يعيشه أو يُعانيه من مشكلاتٍ أو ضغوطٍ أو ظروف سيئة ، وهذا مفهومٌ خاطئٌ ومغلوطٌ وبعيدٌ كل البُعد عن الحقيقة .
3 ـ الجهل والجزع وعدم الصبر ، والاستسلام لليأس والقنوط وما يؤدي إلى ذلك من الهواجس والأفكار والوساوس
4ـ المشاكل الاقتصادية: كالفقر، والبطالة وعدم الحصول على المهن اللازمة على الرغم من الشهادات والمؤهلات، أو فقدان المهنة أو المنزل… وقد أعربت منظمة الصحة العالمية عن خشيتها من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية إلى ارتفاع حالات الانتحار خاصة بعد إقدام بعض رجال الأعمال على الانتحار..
5 ـ الانفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر: الأمر الذي دعا إلى تقليد الآخرين والتأثر بهم في كل شأنٍ من شؤونهم ، وهو أمرٌ غيرُ محمودٍ لما فيه من ضياع الهوية واستلابها .
6 ـ المشاكل الأسرية واحترام الذات :ـ قد تؤدي الصراعات الأسرية المتكررة أو الشديدة بين أفراد الأسرة وبالأخص الوالدين، وكذلك عيش الطفل أو المراهق مع زوجة أب قاسية او زوج أمّ قاسٍ، أو تعرض الطفل للضرب والإيذاء أو الحرمان العاطفي بشكل متكرر، أو الإهمال للطفل وحاجته النفسية والجسدية، أو تعرّض المراهق للنقد المستمر أو الاستهزاء وعدم احترام ذاته ومشاعره، وتعليم الوالدين المتدني، وحالات الاغتصاب للنساء.. قد تؤدي جميعها إلى الوصول إلى حالة اكتئاب شديدة ومن ثم التفكير في الانتحار والتخلّص من الحياة.
7 ـ الفشل: يعد الفشل المالي كالفشل في سداد الالتزامات المالية أو التعرض للخسائر، أو الفشل العاطفي، أو الفشل الدراسي، أو الفشل الاجتماعيّ، أو الفشل المهني كتأمين وظيفة كريمة والمحافظة عليها، أحد الأسباب الرئيسيّة المؤدية للانتحار، وقد أظهرت الدراسات الدولية أن 60 % من حالات الانتحار كانت بسبب الفشل.
8 ـ الشعور بالذنب أو الوحدة: ويُعتبر هذا سببًا رئيسيٍّا في الانتحار وهو الشعور بالذنب والرغبة في عقاب الذات، أو الشعور بالوحدة والاعتقاد بأن العالم لا يفهمه ولا أحد يشعر به، وبسبب عدم القدرة على توجيه العقاب للآخرين فيوجه العقوبة لذاته، وتكثر هذه الحالة عند المراهقين وغير الناضجين فكريًا أو المضطربين نفسيًا.
9 ـ المشاكل الصحية الخطيرة: فالحالة الصحية لها علاقة مباشرة بالاكتئاب والانتحار، فالمرضى المصابون بأمراض مستعصية الشفاء كالإيدز والسرطان، أكثر إقبالا على الانتحار، وتتراوح نسبتهم بين 15- 18% من بين المنتحرين، أما المدمنون على الكحول والمخدرات فتصل نسبة انتحارهم إلى 15% وفق إحصائيات في المجتمع المصري.
العنصر الرابع :موقف الاسلام من الانتحار:ـ هذا العمل كبيرة من كبائر الذنوب ، وقتل النفس ليس حلاً للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان ، والوساوس التي يلقيها في النفوس ، ولو لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب لهانت كثير من النفوس على أصحابها ، ولكن بعد الموت حساب وعقاب ، وقبر وظلمة ، وصراط وزلة ، ثم إما نار وإما جنة . ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله من قتل الإنسان نفسه ، أو إتلاف عضو من أعضائه أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال ، أو قتل الإنسان نفسه بمأكول أو مشروب . ولهذا جاء التحذير عن الانتحار بقول ربنا جلت قدرته وتقدست أسماؤه حيث قال : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً }(النساء 29 ،30) ، وقال تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } (لبقرة195) . وقال تعالى : “وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)الفرقان . وكذلك جاء التحذير في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن شرب سماً ، فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ” ( رواه مسلم) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار ” ( رواه البخاري ). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال وكثرت به الجراح فأثبتته فجاء رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت الذي تحدثت أنه من أهل النار قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار فكاد بعض المسلمين يرتاب فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح فأهوى بيده إلى كنانته فانتزع منها سهما فانتحر بها فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله صدق الله حديثك قد انتحر فلان فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ” ( رواه البخاري ). وعن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من خنق نفسه في الدنيا فقتلها خنق نفسه في النار ومن طعن نفسه طعنها في النار ومن اقتحم فقتل نفسه اقتحم في النار “( رواه ابن حبان ). وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ) رواه البخاري ( 5700 ) ومسلم ( 110 ).
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات . قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ) رواه البخاري ( 3276 ) ومسلم ( 113 ). هذه عاقبة الانتحار والعياذ بالله ، ويجب على المسلم أن يعلم أن الانتحار فيه تسخط على قضاء الله وقدره ، وعدم الرضا بذلك ، وعدم الصبر على تحمل الأذى ، وأشد من ذلك وأخطر وهو التعدي على حق الله تعالى ، فالنفس ليست ملكاً لصاحبها وإنما ملك لله الذي خلقها وهيأها لعبادته سبحانه ، وحرم إزهاقها بغير حق ، فليس لك أدنى تصرف فيها ، وكذلك في الانتحار ضعف إيمان المنتحر لعدم تسليم المنتحر أمره لله وشكواه إلى الله . ما كان الانتحار علاجاً ولن يكون ، فالانتحار حرام بكل صوره وأشكاله ، وليس دواءً يوصف للمعضلات والمشكلات ، بل داء يسبب الانتكاسة والحرمان من الجنة ، ويجلب سخط الرب تبارك وتعالى ، قال صلى الله عليه وسلم : ” تداووا ولا تداووا بحرام ” ، وقال عليه الصلاة والسلام : ” ما جعل الله شفاءكم فيما حرم عليكم ”
. العنصر الخامس:علاج ظاهرة الانتحار:ــ
1 ـ التربية الإسلامية الشاملة الواعية:ـ إن العودة إلى الدين أو التدين هي أفضل وسيلة للحماية من كل الأمراض النفسية التي تعاني منها البشرية جمعاء, كما أن العودة للدين الإسلامي الحنيف هي العلاج الأفضل للحماية من هذه الأخطار التي تتهدد مجتمعاتنا وقيمنا. والتربية الإسلامية الشاملة تتلخص في ثلاثة أهداف رئيسية :ــ
أ ـ وهو تمكُّن واستحكام اليقظة من القلب، فلا نريد يقظة لحظية، بل نريدها يقظة حقيقية دائمة تتمكن من القلب لتبدأ معها الحياة تدب في جنباته . **ولقد أجمل آثارها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن علامات دخول النور القلب فقال : « الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله ) الطبري والبيهقي .
ب ـ ولادة القلب الحي: هذا الهدف لا يمكن الوصول إليه إلا باستمرار تزويد القلب بالإيمان بعد تمكُّن اليقظة منه، والمقصود بولادة القلب الحي : أي تحرره من أَسر الهوى وانفصاله عنه.أو بمعنى آخر : انقطاع الحبل الذي يجمع العلائق التي كان القلب مُتعلقًا بها من دون الله كالمال والجاه والناس، التي تحول بينه وبين التعلق التام بالله عز وجل، والالتزام به، والتوجه الدائم نحوه . هذه الولادة تتم عندما يعلو النور في القلب على الظلمة بصورة كبيرة، ومن علامات حدوثها: رقة القلب وسرعة تأثره بالمواعظ، وهبوطه وخشوعه وسجوده لله، وسهولة استدعائه إذا أراد صاحبه استحضاره، ومن آثارها كذلك : تحسن ملحوظ في علاقات المرء المختلفة، فيزداد قربه من ربه، وتعلقه به، وتنقص رغبته في الدنيا بصورة ملحوظة، ويقل طمعه في الناس، ويزداد تشميره نحو الجنة … **ومن آثارها كذلك : راحة البال والشعور بالسكينة والطمأنينة والسلام الداخلي .
ج ــ الحضور القلبي الدائم مع الله، والتعلق الشديد به سبحانه أو بمعنى آخر : تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الإحسان فقال : « أن تعبد الله كأنك تراه »». متفق عليه أخرجه البخاري ومسلم. وهذا يحدث إذا ما استمر الإمداد الإيماني للقلب، فيزداد فيه النور، حتى يصير قلبًا سليمًا أبيضًا. والشعور الدائم برقابة الله تعالى ، فالذي يؤمن بالله يعلم ما توسوس به نفس الإنسان ، وإنه محص عليه كل أعماله صغيرة كانت أم كبيرة ومحاسبه على ما يقدم ، لن يجرؤ على الإقدام على غير ما يرضي الله من أقوال أو أفعال ، وسيكون في حذر دائم ويقظة لا تغفل عن المحاسبة ومن آثار ذلك : خضوع المشاعر والسلوك في مجمله لله عز وجل كما قال صلى الله عليه وسلم : « من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان » (حديث صحيح : أخرجه أبو داود ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع. وقال صلي الله عليه وسلم: « لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه » حديث صحيح : أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد وقال الهيثمى : إسناده حسن.وأخرجه أيضًا : أحمد ، قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات. **ومن آثارها كذلك : التعامل مع أحداث الحياة وتقلباتها المختلفة تعاملًا إيمانيًّا كما قال صلى الله عليه وسلم : « عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ولا يكون هذا إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له ».رواه مسلم والقلب في هذه المرحلة العظيمة يعيش في سعادة عظيمة وعلاقة متينة مع ربه .. فهو شاكرٌ لأنعمه، صابرٌ على بلائه، راضٍ بقضائه، مطمئنٌ بذكره، في شوق دائم إليه وتوجه مستمر نحوه . و تتسع الحياة عنده لتشمل الآخرة ، ويكون له منها غاية وهدف يسعى لتحقيقه ويسعد بذلك كما عبر ربعي بن عامر التميمي رضي الله عنه : ( إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها- ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ). أما الشخص الذي لا يؤمن بحياة أخرى فإنه يسابق السنوات القليلة المحدودة التي يعيشها في الدنيا ، ويسيطر عليه شعور الضيق والقلق والاضطراب كلما تقدم به العمر وقصرت به طموحاته وآماله ، وغالبا ما يكون أمثال هؤلاء عرضة للأمراض النفسية والعصبية ، والإصابة بأنواع الاكتئاب النفسي والقلق والانتحار ، لأنه حصر الوجود كله في هذه الحياة الدنيا فإن فشل فيه أو عجز عن القيام بما يسعى له فقد قيمة الحياة والوجود بأسره . . ــ ألا فليعلم المربون أن غياب الإيمان هو سبب الشقاء والنكد الذي نعيشه اليوم ليس أبدا قلة ذات اليد والضعف والظلم هم السبب الأول في كل هذه المشاكل لذلك وصف لنا النبي صلي الله عليه وسلم هذه النفسية المعذبة قال: “من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له” (رواه الترمذي من حديث أنس، وروى ابن ماجه وغيره قريباً منه من حديث زيد بن ثابت). والمثال علي ذلك :ـ نري ونسمع من قديم أن أكثر البلاد انتحارا هي البلاد التي ارتفع فيها مستوى المعيشة، وتيسرت فيها لأبنائها مطالب الحياة المادية، من مأكل ومشرب، وملبس ومسكن ومركب، مع كماليات كثيرة. في إحدي الدول الكبري كان المواطن فيها يعيش في مستوي من الرفاهية يشبه الأحلام ، ومع هذالمستوي من المعيشة العالي من ناطحات السحاب، ومراكب الفضاء، وتدفق الذهب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ….،.. كان الناس يحيون حياة قلقة مضطربة، كلها ضيق وتوتر، وشكوى وسخط، وتبرم ويأس. ونتيجة هذا أن يهرب الناس من هذه الحياة الشقية النكدة. عن طريق «الانتحار» الذي يلجا إليه الألوف من الناس، تخلصاً مما يعانونه من عذاب نفسي أليم. وانتهى الباحثون والمحللون إلى أن السر وراء هذا الشقاء يرجع إلى أمر واحد هو فقدان «الإيمان» أي إيمان. وأمريكا أغنى بلد في العالم، لم يحقق الغنى لأبنائه السعادة على الرغم ورأينا من مفكريهم من يقول: “إن الحياة في نيويورك غطاء جميل لحالة من التعاسة والشقاء!”.
2 ـ إعلاء منظومة القيم الإسلامية :ـ قيام المؤسسات التربوية بدورها من أجل إعلاء منظومة القيم الإسلامية العالية لأنها تشمل جميع مظاهر النشاط الحيوي للفرد والمجتمع ، فهي تضبط الفرد وتوجه فكره وسلوكه إلي ما يعود عليه بالخير وتحفزه إلي الارتقاء بنفسه وتحقيق إنسانيته ، وهي التي تعطي المجتمع ملامحه الحقيقية وتضبط حركته وترسم له وجهته وغايته . فإذا تجردت الحياة البشرية منها لم تعد حياة انسانية أبدا فأي كرامة لحياة لا تصان بالتقوي والأمانة ، وأي قيمة لاجتماع بشري لا تسوده الرحمة والتكافل أو نظام سياسي لا يقوم علي أساس العدل والشوري . والقيم مثل العلم والعمل والحرية والصدق والأمانة والصبر والوفاء والعطاء ، والقدوة ،والحب ………..الخ والعمل على تطبيقها في واقعنا المعاصر لما تُقدمه من حلولٍ ناجحةٍ لجميع المشكلات والظواهر السلبية في المجتمع .
3 ـ حملات التوعية المجتمعية :ـ زيادة الجرعات التوعوية اللازمة لأفراد وفئات المجتمع عن طريق مختلف الوسائل الإعلامية والتعليمية ؛ لبيان خطر جريمة الانتحار وبشاعتها وما يترتب عليها من نتائج مؤسفة وعواقب وخيمة سواءً على الفرد أو المجتمع . وعمل برامج تأهيلية علاجية تتشارك فيها الأسرة والمدرسة مع المعالِج النفسي، للنهوض بشخصية المصاب والتركيز على الجوانب الإيجابية لديه، ومساعدته على القيام بدوره في المجتمع، ومتابعته وتحسين ما يمكن تحسينه في محيطه الاجتماعي كتقليل الصراعات الأُسريّة.
4ــ إحياء الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس:ـ لقدحرم الله تعالي اليأس المؤدي إلي الانتحار،وندد باليائسين واعتبره قرين الكفر فقال تعالي (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) يوسف 87. وندد بالقنوط واعتبره قرين الضلال فقال تعالي ( قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ) الحجر56. وأجمع العلماء أنهما من الكبائر بل أشد تحريما، وجعلهما القرطبي في الكبائر بعد الشرك من حيث الترتيب . قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله، والأمن من مكر الله) . وقال العدوي: (الإياس من الكبائر) . واليأْس فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى:فقال تعالي ( وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا[الإسراء: 83] . واليأس سبب لفساد القلب:ـ قال ابن القيم وهو يعدد الكبائر: (الكبائر: القنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله..، وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريمًا من الزنا، وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة منها، وإلا فهو قلب فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن). والأمل توأم الإيمان ، قال تعالي (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الزمر :53)، وقد فتح جميع الأبواب أمامك واسمع إليه سبحانه وتعالي في الحديث القدسي الجليل فقد روى الترمذي وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: قال الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيك بقرابها مغفرة. هذا خطاب الله لعباده فإذا كنت عبدا من عباد الله فهذا النداء يخصك فلا يتسرب اليأس إلي قلبك فيدخل معه الكفر والعياذ بالله . ولقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم على الذين ينفّرون الناس، ويضعون الناس في موقع الدونية والهزيمة النفسية فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ” إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم ” عباد الله:ـ ما أحوجَنا ونحن في هذا زمن الفتن والغموض إلى عبادة الأمل. فمن يدري؟! ربما كانت هذه المصائب بابًا إلى خير مجهول، ورب محنة في طيها منحة، أوليس قد قال الله: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (البقرة:216)؟! وقال تعالي ( فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء :19). فلقد ضاقت صدور كثير من العباد اليوم بسبب كثرة الماديات ، ومشاهدة الفضائيات ، والإسراف في المحرمات والسيئات ، والاقتصاد في الطاعات والحسنات ، فحصلت تلك الآهات ، وكثرت تلك الصرخات ، بل وحصل أدهى من ذلك وأمر ، فصارت الوسوسة حتى أن البعض يفكر كيف يتخلص من نفسه جراء الضيق والحسرة والوحشة التي يعيشها ، فلا طعم للحياة عنده ، ولا هدف ولا غاية يرى أنه من أجلها خلق . فلابد من الأمل، فالأمل إذن هو إكسير الحياة، ودافع نشاطها، ومخفف ويلاتها، وباعث البهجة والسرور فيها. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! والأمل قبل ذلك كله شيء حلو المذاق، جميل المحيا في ذاته، تحقق أو لم يتحقق. الأمل دافع للتقدم والنجاح:ـ لابد منه لتقدم العلوم، فلو وقف عباقرة العلم والاختراع عند مقررات زمنهم ولم ينظروا إلا إلى مواضع أقدامهم، ولم يمدهم الأمل بروحه في كشف المجهول، واكتساب الجديد من الحقائق والمعارف، ما خطا العلم خطواته الرائعة إلى الأمام ووصل بالإنسان إلى القمر. والأمل لابد منه لنجاح الرسالات والنهضات، وإذا فقد المصلح أمله فقد دخل المعركة بلا سلاح يقاتل به، بل بلا يد تمسك بالسلاح، فأنى يرتقب له انتصار وفلاح؟ وإذا استصحب الأمل فإن الصعب سيهون، والبعيد سيدنو، والأيام تقرب البعيد، والزمن جزء من العلاج.
صور مضيئة علي طريق الأمل:ـ هَذا سيدنا إبراهيمُ- عليهِ السلامُ – قَدْ صارَ شَيْخاً كبيراً ولَمْ يُرْزَقْ بَعْدُ بِوَلَدٍ فيدفَعُهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بربِّهِ أنْ يَدْعُوَهُ: ” رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ” ( الصافات: 100)، فاستجابَ له ربُّهُ ووَهَبَ لهُ إسماعيلَ وإسحاقَ عليهما السلامُ ، وتَبرز قدرة الله عز وجل وتَظهر، عندما تنقطع أسباب البشر مع هذه الزوجته الصالحة المؤمنة (هاجر) وولدها إسماعيل عليه السلام.. فقد تركها زوجها إبراهيم عليه السلام مع ولدها في وادٍ غير ذي زرع، وذلك بأمرٍ من الله سبحانه وتعالى.. فقالت له بعد أن تأكّدت أنه أمر الله: “اذهب فإنه لن يُضيّعَنا”!.. وهذا سيدنا موسى عليه السلام يخرج ومعه بنو إسرائيل من مصر، ويتبعه فرعون وجنوده، ثم يعترضه البحر أمامه، وفرعون بجيوشه وسيوفه وحرابه من ورائه، فإذا ببعض بني إسرائيل ممن لم يعمر الإيمان قلبه ولم تعظم ثقتهم بالله عز وجل: قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] لا أمل لنا في النجاة مطلقاً، وجاء رد موسى عليه السلام بقدر ما كان على عظيم الأمل وكماله: قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] لا يمكن أن تكون هذه هي النتيجة؛ لأن هناك وعداً من الله سبحانه وتعالى، ولم يكن موسى عليه السلام إذ ذاك يعلم كيف سيكون الخلاص؟ هو يعلم أن ثمة خلاصاً لكنه لا يعلم كيف يكون، ثم جاء السبب اليسير: (اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63]، فلما مر موسى ومن معه وجاء فرعون ومن معه أطبق البحر عليهم فماتوا غرقى. وهذا سيدنا زكريا عليه السلام قال تعالي (ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربه نداءً خفياً * قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقياً * وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً * يرثني ويرث من آل يعقوب، واجعله رب رضياً) (مريم: 2 – 6) فاستجابت له السماء: (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمياً) (مريم: 7). وأيوبُ – عليهِ السلامُ- ابتلاهُ ربُّه بِذَهابِ المالِ والوَلَدِ والعافِيَةِ، ثُمَّ ماذا ؟ قالَ اللهُ تعالىَ: ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسّــَنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَـفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَــهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَــةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكـْرَى لِلْعَابِدِينَ” ( الأنبياء: 83- 84). ويونس قد ابتلعه الحوت (فنادى في الظلمات أن لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم، وكذلك ننجي المؤمنين) (الأنبياء: 87، 88). وهذا هو رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب حيث يتألب الشرك الوثني بكل عناصره، والغدر اليهودي بكل تاريخه، ويشتد الأمر على النبي وأصحابه: قريش وغطفان ومن يحطب في حبلهما من خارج المدينة، واليهود والمنافقون من الداخل. موقف عصيب صوَّره القرآن بقوله: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً) (الأحزاب: 10، 11) في هذه الساعات الرهيبة التي يذوي فيها عود الأمل، ويخبو شعاع الرجاء، ولا يفكر المرء إلا في الخلاص والنجاة … في هذه اللحظات والنبي يسهم مع أصحابه في حفر الخندق حول المدينة يصدون بحفره الغزاة، ويعوقون الطامعين العتاة – يحدث النبي أصحابه عن الغد المأمول، والمستقبل المرجو حين يفتح الله عليهم بلاد كسرى بفارس، وبلاد قيصر بالشام، وبلاد اليمن بالجزيرة، حديث الواثق المطمئن الذي أثار أرباب النفاق فقالوا في ضيق وحنق: إن محمداً يعدنا كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الخلاء وحده! أو كما قال القرآن: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً) (الأحزاب: 12). ماذا تسمي هذا الشعاع الذي يبزغ في دياجير الأحداث من القلوب الكبيرة، فينير الطريق ويبدد الظلام؟ إنه الأمل، وإن شئت فهو الإيمان بنصر الله: (ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم * وعد الله، لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (الروم: 5، 6). وانظر أخي الكريم إلى سورة الشرح التي تتضمن اليسر والأمل والتفاؤل للنبي صلى الله عليه وسلم، وتذكير النبي صلى الله عليه وسلم بنعم الله عليه، ثم اليسر بعد العسر، والطريق لهذا اليسر هو النّصَب والطاعة لله عز وجل، والرغبة والأمل في موعود الله عز وجل قال تعالى: ” أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) “(سورة الشرح). فلقَدْ كانَ رسولُنا صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ الفأْلُ لأنَّه حُسْنُ ظَنٍّ باللهِ سبحانه وتعالى، فقَدْ أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عَنْ أنسٍ – رضي الله عنه – أنَّ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: ” لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ويُعُجِبُنِي الفأْلُ:الكََلِمَةُ الحسَنَةُ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ “، فبالأملِ يذوقُ الإنسانُ طَعْمَ السعادَةِ، وبالتفاؤُلِ يُحِسُّ بِبَهْجَةِ الحياةِ. والإنسان بطبعه يحب البشرى وتطمئن إليها نفسه، وتمنحه دافعاً قوياً للعمل، بينما التنفير يعزز مشاعر الإحباط واليأس لديه ويصيبه بالعزوف عن القيام بدوره في الحياة؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا “. وقَدْ بشَّرَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بانتصارِ الإسلامِ وظُهورِهِ مَهْما تكالبَتْ عليهِ الأعداءُ وتألَّبَتْ عليهِ الخُصومُ؛ فعن تَمِيمِ الدَّارِيِّ – رضي الله عنه- قالَ: سمعتُ رســولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ” لَيَبْلُغَنَّ هَذا الأمرُ ما بَلَغَ الليلُ والنَّهارُ، ولا يَتْركُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلاَّ أدخَلَهُ اللهُ هــذا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أوْ بِذُلِّ ذَليـلٍ، عِزّاً يُعِزُّ اللهُ بهِ الإسلامَ، وذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بهِ الكفـرَ” [ أخرجَهُ أحمدُ ].
العنصر السادس: الخاتمة:ـ أيها الأحبة الكرام هذه وصيتي للمربين تتلخص في ثلاثة نقاط :ـ أ ـ الإنصات للأشخاص المقربين والأصدقاء والأبناء ومن يمرون بظروف صعبة، والتواصل العاطفي معهم، وعدم الضغط على الأبناء بخصوص التحصيل الدراسي، وعدم مقارنتهم بآخرين أو انتقادهم المستمر أو إحراجهم والاستهزاء بهم. ب ـ محاولة تفهم الظروف والأسباب التي قد تدفع بعض أفراد المجتمع إلى محاولة الانتحار ، ومن ثم العمل على مد يد العون لهم ، ومساعدتهم في حلها . وبذلك يتم القضاء على أسباب هذه الظاهرة ودواعيها بإذن الله . ج ـ معالجة الأمراض النفسية والاضطرابات لدى الفرد كالاكتئاب والفُصام والإدمان .. فلا يجب إخفاء أو إهمال ما يَظهر على الفرد من اضطرابات سلوكية غير مألوفة، فيجدر بعائلة المريض التوجه إلى الطبيب النفسي أو الأخصائي لعلاجه وإدخاله المصحة النفسيّة إن لزم الأمر، وعدم الخجل أو ووصيتي للشباب ومن تسول له نفسه بالإقدام علي هذا الفعل الشنيع :ـ عظموا رجاءكم بالله وأيقنوا برحمته سبحانه التي وسعت كل شيء، وجددوا صلتكم بالله ‏وأكثروا من الطاعات والجأوا إليه سبحانه بالدعاء والتضرع أن يصرف عنكم السوء وأن ‏يحبب إليكم الإيمان وأن يزينه في قلوبكم وأن يكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان وأن ‏يجعلكم من الراشدين، وتفاءلوا بالخير تجدوه ، واعلموا أن الحياة نعمة عظيمة أنعم الله بها عليكم وفرصة لا يمكن ‏تعويضها فاغتنموها في العمل الصالح حيث به تحيون حياة كريمة كما قال تعالى: (مَنْ ‏عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ‏مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97] . واعلموا أن كل شئ ممكن وليس هناك مستحيل ، وأنكم من تصنعون الظروف لا الظروف تصنعكم ‏،فكونوا متفائلين وإيجابيين ، وهو ما يُشير إليه قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (سورة الرعد: من الآية 11) . ويقول الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله ” لوأن رجلاً وقف أمام جبل وعزم على إزالته لأزاله “ ويكفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” خير الناس من طال عمره وحسن ‏عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله” رواه أحمد والحاكم، والترمذي وصححه.‏ نسأل الله تعالى أن يحفظنا جميعاً من كل شر ، وأن يوفقنا إلى طاعته ، وأن يرزقنا حياةً طيبةً ، وأن يختم لنا بخاتمةٍ حسنة ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .