قصة “صحبة الأم”، والعبر المستوحاة من القصة

إن التاريخ لا يعرف ديناً ولا نظاماً كرَّم المرأة بإعتبارها أماً، وأعلى من مكانتها مثلما جاء بهِ دين محمد صلى الله عليهِ وسلم الذي رفع من مكانة الأم في الإسلام وجعل برها من أصول الفضائل، كما جعل حقها أعظم من حق الأب لما تحملته من مشاق الحمل والولادة والإرضاع والتربية.
ومن أعظم الأدلة على مكانة الأم في الإسلام الحديث النبوي الشريف عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال : “جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أبوك) متفق عليه، وزاد في مسلم : (ثم أدناك أدناك).

شرح القصة
جاء رجل إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليسأله من أحق الناس بحسن صحابتي؟”.
فالجواب الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن على النحو المتوقّع، فلقد قال عليه الصلاة والسلام : (أمّك) ، نعم! هي أحقّ الناس بالصحبة والمودّة، ويستزيد الصحابي النبي عليه الصلاة والسلام ليسأله عن صاحب المرتبة الثانية، فيعود له الجواب كالمرّة الأولى : (أمّك) ، وبعد الثالثة يشير -عليه الصلاة والسلام- إلى الأب، ثم الأقرب فالأقرب.
ولا ريب في استحقاق الأمّ لمثل هذه المرتبة العظيمة والعناية الكبيرة، فهي المربّية المشفقة الحانية على أولادها، وكم كابدت من الآلام وتحمّلت من الصعاب في سبيلهم، حملت كُرهاً ووضعت كُرهاً، قاست عند الولادة ما لا يطيقه الرّجال الشداد، ثم تنسى ذلك كلّه برؤية وليدها، لتشغل ليلها ونهارها ترعاه وتطعمه، تتعب لراحته، وتبكي لألمه، وتميط الأذى عنه وهي راضية، وتصبر على تربيته سنيناً طوالاً في رحمةٍ وشفقة لا نظير لهما، فلذلك كانت الوصيّة بصحبتها مكافأةً لها على ما بذلته وقدّمته، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
العبر من القصة

  1. حقوق الأقارب من الصلة والمودّة.
  2. أولى الناس بالبر هما الوالدين وأجر الأم مضاعف على الأب ثلاث مرات. وقيل أجر لحمله وأجر على ولادته وأجر على رضاعته و تشترك مع الاب في التربية.
  3. بر الوالدين أجمل الطاعات.
  4. مكانة الأم في الإسلام.
  5. مضاعفة بر الأم، فلها الأولوية والأفضلية في مقام البر و الإحسان.

وقد جاء أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن مكانة الأم في الإسلام ومنها:
  1. عن معاوية بن جاهمة أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها.
  2. ويروي البزار أن رجلاً كان بالطواف حاملاً أمه يطوف بها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل أديت حقها؟ قال: «لا، ولا بزفرة واحدة» ، أي من زفرات الطلق والوضع ونحوها.
  3. عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الله حرّم عليكم عقوق الأمّهات، ووأد البنات، ومَنْعاً وهاتَ. وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإِضاعة المال»
  4. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: « أن امرأة قالت يا رسول الله، ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه عني، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي »
  5. عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: « قَدِمَتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستـفتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قلت: ‘ قَدِمَتْ عليَّ أمِّي وهي رَاغِبة، أفأصلُ أمِّي ؟ » ‘ قال: ‘ نعم، صِلي أمكِ ‘. زاد في رواية، فأنزل الله فيها: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ }