جمال الإسلام في كماله، وروعته في شموله، وثمرته في أثره الملموس على الفرد والمجتمع والبشرية جمعاء، إذا تمسكت به، وطبقت أحكامه، فقد جاء خاتماً للأديان ومكملاً للشرائع السماوية، ومنهجاً متكاملاً للحياة.
لهذا لن نستمتع بجمال الإسلام الحقيقي ولن نلمس أثره حتى نترجم أحكامه وشرائعه أفعالاً وأقوالاً في حياتنا، ونتمثلها سلوكاً وأخلاقاً في تعاملنا.
لقد جاء الإسلام أوّلاً ليحقق عقيدة التوحيد والعبودية لله وحده لا شريك له.. كما جاء بالاستسلام المطلق لأحكامه وشرائعه التي لا يسع أحد الخروج عنها.. ولا أن يأخذ منها ما يوافق هواه وشهواته أو يحقق مصالحه ورغباته ويترك ما سوى ذلك. فهذا مسلك مرفوض ولن يحقق السعادة للفرد ولا للبشرية بل سيزيدها شقاء وتعاسة.

قال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة/ 85).
إنّ أحكام الإسلام وشرائعه جاءت متناسقة متكاملة ينتظم بعضها مع بعض انتظام العقد البديع، وقابلة للتطبيق في كلّ زمان ومكان فهي تشريع إلهي من خالق عليم حكيم.
جاءت لحفظ الضرورات الخمس التي تتوقف عليها سعادة البشر في الدارين.. وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال.. وهو ما يعبر عنه علماء الإسلام بمقاصد الشريعة.
والمتأمل لأحكام الإسلام وشرائعه يرى بوضوح أنّها تحيط بهذه الضروريات الخمس إحاطة السوار بالمعصم لحمايتها من التلف أو الضرر، فكلّ وسيلة غير مشروعة تؤدِّي إلى ضرر أو تلف لهذه المقاصد فهي محرمة باتفاق العلماء.


  • خطأ فادح:

ولذلك يخطئ بعض الدعاة والمفكِّرين حينما ينظر إلى أحكام الإسلام وتشريعاته على أنّها أجزاء قائمة بذاتها منفصلة عن مقاصد الشريعة مستقلة بآثارها على الأفراد والمجتمعات، مما يجعلهم يهملونها عند الترجيح بين الأدلة التي قد تبدو متعارضة دون ربطها بمقاصد الشريعة.
أو أولئك الذين بلغ الأمر بهم – تحت ضغوط الواقع أو رغبة في تحسين صورة الإسلام أمام الآخرين – إلى رفض بعض أحكامه وحدوده كقطع يدّ السارق ورجم الزاني المحصن وقتل القاتل وغيرها من الأحكام بزعم أنّ فيها قسوة لا تتناسب مع روح العصر أو تنافي حقوق الإنسان!!.
وهناك مَن ينظر إلى جانب الأخلاق في الإسلام فقط أو جانب المعاملة فقط أو العدالة والمساواة فقط، بل وصل الحد ببعضهم إلى التركيز على جزئية واحدة في الإسلام مثل حقوق المرأة أو حرِّية الفكر أو الحرِّية الشخصية أو غيرها من الجزئيات، ويصورون أنّ الإسلام – كلّه – يتمحور حول هذه القضية أو الجزئية دون النظر إلى مقاصد الشريعة وإهمال الجوانب الأخرى المضيئة المرتبطة بها.. فتنزل الأقلام وتكثر السقطات وتسع غرائب الفتاوى التي تفتقر لأبسط الأسس العلمية الشرعية.


  • انتقاص لا يجوز:

هذا كلّه فيه ظلم للإسلام وانتقاص من قدره كشريعة ربّانية تغطي جميع جوانب الحياة، وخروج عن المنهج الصحيح لفهم أحكامه وتشريعاته وارتباطها الوثيق بمقاصد الشريعة، وتشويه لجماله وكماله وشمولية منهجه.
كما أنّ فيه تخاذلاً وانهزامية بسبب الحرص الشديد على إظهار الإسلام على أنّه دين عصري أو مستنير أو حضاري أو غيرها من الأوصاف التي لن تزيد من مكانة الإسلام في قلوب أعدائه كما
قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة/ 120).
إنّ الإسلام دين ربّاني كامل ومنهج إلهي شامل لكلّ جوانب الحياة، ولا يحتاج إلى إثبات صلاحية قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) (المائدة/ 3)، ولن نسعد بثماره اليانعة أو تظهر محاسنه أو تتجلّى الحكمة في تشريعاته إلّا حينما نطبقها كاملة في حياة الأُمّة في كلّ جوانب الحياة. قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة/ 208).
للكاتب
حسين علي الشقراوي