«رب غيبة سببت القتال بين طائفتين و سفكت بها دماء محترمة . و رب غيبة قتلت نفساً بريئة و فرقت بين الأب و بنيه والزوج و زوجته والأخ و أخيه ، ورب غيبة هدمت قصوراً عالية ودكت صروحاً شامخة واتلفت اموالاً طائلة» .
تعريفها :
الغيبة هي ان تذكر اخاك المؤمن بما فيه و يكره ان يذكر به ، سواء ذكرت نقصاناًَ في بدنه أو خلقه أو نسبه أو ملابسه أو فعله أو دينه أو دنياه و سواء اظهرت ما يكره إظهاره عنه بالتصريح أو التعريض أو الإشارة او الكتابة أو الغمز والرمز .
تحريمها :
حرم الإسلام الغيبة و حذر منها اعظم تحذير و مقتها اشد مقت ، فعدها اعظم من الزنا ، و صورها بما تكرهه النفوس و تنفر منه الطباع ، حيث جعل المغتاب كالآكل للحم أخيه .
قال تعالى : « و لا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم » . و قال رسول الله (ص) « إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا ، إن الرجل يزني و يتوب فيتوب الله عليه و إن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه » . و قال البراء : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه و آله حتى اسمع العواتق في بيوتها ، فقال (ص) : يا معشر من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه لا تغتابوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته و من تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته » . و قال (ص) : « مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههم بأظفارهم فقلت يا جبرئيل من هؤلاء ؟ فقال : هؤلاء الذين يغتابون الناس و يقعون في اعراضهم » . و أوحي الله تعالى إلى موسى ابن عمران (ع) : « من مات تائباً فهو آخر من يدخل الجنة و من مات مصراً عليها فهو أول من يدخل النار» . و قال أنس : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه و آله فذكر الربا و عظم شأنه فقال إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا اعظم عند الله في الخطيئة من ست و ثلاثين زنية يزنيها الرجل واربى الربا عرض الرجل المسلم » .
بواعثها :
الأسباب التي تبعث المغتاب إلى الغيبة كثيرة و إليك بعضها :
1 ـ الغضب والحقد :
قد يكون الشخص حاقداً على الآخر لسبب من الأسباب فيدفعه ذلك لأن يطعن عليه ، و يذكر نقائصه و عيوبه ، و يكشف عوراته .
2 ـ الحسد :
و قد يكون الدافع هو ثناء الناس و إطراؤهم للمحسود ، فيتعرض الحاسد له بالقدح والطعن ، مستهدفا بذلك إضعاف معنويته ، و سلب الثقة الإجتماعية منه .
3 ـ موافقة الرفقاء :
و قد يكون السبب الباعث الى الغيبة هو موافقة الرفقاء و مجاملة الجلساء ، فبدلاً من أن ينكر عليهم أو يقوم عنهم يشترك معهم في التفكه بعرض اخيه .
4 ـ رفع النفس :
و قد ينساق الرجل الى الغيبة بسبب رفع نفسه فيحطم شخصية اخيه في سبيل تضخيم شخصيته .
علاجها :
أيها المسلم إذا نازعتك نفسك إلى ذكر عيوب أخيك و نقائصه فتذكر أضرار الغيبة و مفاسدها ، و ما ورد فيها من الإثم العظيم ، وانظر إلى عيوبك و نقائصك ، و تول علاجها واستئصالها من نفسك فذلك أحرى بك ، و أبقى لكرامتك ، واسلم لعرضك قال رسول الله صلى الله عليه و آله : « طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس » .
ثق يا أخي إنك لو فتشت عن نفسك لوجدتها متصفة بما تعيب به أخاك ، أو ما يشبهه ، أو ما هو أقبح منه ، فاشتغل بإصلاح نفسك ، و تعديل سلوكك و تهذيب اخلاقك ، و لا تتبع عثرات الناس و تتطلع إلى عيوبهم ، فتضيف عيباً إلى عيوبك ، و تزيد وزراً على وزرك .
و ثق أنك تعامل بالمثل فإن المرء كما يدين يدان و كما يعمل يجازي ، فاجتنب ما لا تحب أن يفعل بك .
إذا شئت أن تحيى و دينك سالم و حظك موفور و عرضك صين
لسانك لا تذكر به عورة امرء فعندك عورات وللناس ألسن
و عينك إن أهدت إليك مساوياً فدعها و قل : يا عين للناس أعين
واعلم ان الغيبة ليست محصورة في أن تذكر أخاك في غيبته بما يكره فحسب ، بل إن إصغاءك لمن يغتابه غيبة أيضاً ، والمغتاب لو لم يجد من يصغي لحديثه لما اغتاب ، و قد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه و آله قال : « الساكت شريك المغتاب » و قال : « المستمع أحد المغتابين » .
فاحذر أن تؤثر إرضاء العواطف ، و مجاملة الجلساء على إرضاء ربك ، والرد عن عرض أخيك و حفظ كرامته .
كفارتها :
كفارة الغيبة : هي أن تتوب منها و تندم على فعلها ، و بذلك تخرج من حق الله تعالى ، و يبقى عليك حق أخيك المؤمن الذي اغتبته ، و طريق الخروج من حقه كما يأتي :
1 ـ إن كان حياً يمكنك الوصول إليه فاذهب اليه واعتذر من فعلك ، واستحله ، و بالغ في الثناء عليه لتطيب نفسه ، و إذا فعلت هذا و لم تطب نفسه ففي ذهابك إليه ، واعتذارك وتأسفك من الأجر ما يقابل إثم الغيبة يوم القيامة .
و يشترط في استحلالك منه : أن لا تكون الغيبة سبباً لوقوع الفتنة بينك و بينه ، سواء بلغته الغيبة قبل ذهابك إليه أو بسبب اعتذارك منه .
2 ـ إن كان من اغتبته ميتاً أو غائباً لا يمكنك الوصول إليه فأكثر له من الاستغفار والدعاء ، ليجعل ثواب ذلك في حسناته يوم القيامة ، و يكون مقابلاً لما تحملت من السيئآت بسبب اغتيابه .
3 ـ إذا كان حياً و لم تبلغه الغيبة و كان في إطلاعك إياه عليها ـ حال التحلل والاعتذار ـ إثارة للفتنة ، فلا تذهب إليه ، بل اكثر من الإستغفار والدعاء له .
المستثنى من الغيبة :
إن الفاسق المتجاهر بالفسق المتبجح بأعماله المذمومة تجوز غيبته في تلك الأعمال لا غير ، فقد ورد في الحديث ( لا غيبة لفاسق ) ، و روي عنه (ص) : ( من القى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له ) .
و وردت الرخصة في تظلم المظلوم من ظالمه لدى من يأخذ له بحقه ، و في نصح المستشير ، و جرح الشاهد والقدح في باطل ، والشهادة على مرتكب الحرام ، و ضابط هذه الرخصة : هو كل مقام يكون هناك غرض صحيح يتوقف حصوله عليه»