بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على الطاهرة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
عدد كمالك يـــــــا الله ومنتهى رضــــــــــاك
يــــــــــا ربـــــــــاه
الدعاء مفتاح كل رحمة، ونجاح كلّ حاجة، ولا يُنال ما عند الله تعالى إلاّ به.،لقوله عز ذكر :
"...قل ما يبعؤا بكم ربّي لولا دعاؤكم..."الفرقان 77
وهو مخّ العبادة، وسلاح المؤمن و....
وقدأمرنا سبحانه بالدعائه، ووعدنا الإجابة إذ قال:
"...ادعوني أستجب لكم..."غافر60
و تعددت الأحاديث عن رسول الله عن عترته الطاهرة
في الترغيب في الدعاء والإلحاح على الله تعالى.
ومن أجمل وأبلغ الأدعية :دعاء( الصباح)الذي أبدع فيه مولانا أميرالمؤمنين() بكلماته التي نستوحي منها الخشوع والإجلال والإكبار من سيد البلغاء والمتكلمين وإمام الفصحاء والمحدّثين بعد رسول ربّ العالمين صلوات الله وسلامه عليهما وعلى الأئمّة الطاهرين وجميع الأنبياء والمرسلين...
ولأهمية الدعاء وجماله سأحاول نقل الشرح الذي جاء في كتاب(شرح دعاء الصباح للشيخ نزيه القميحا) ، حتى تعم الفادة ، ونقترب من معاني تلك الكلمات العلوية النورانية.
بسم الله الرحمن الرحيم
[اللّهمّ يَامَن دَلَعَ لِسانَ الصباح بنطق تبلّجه، وسرّح قِطع الليل المظلم بغياهب تلجلُجه، وأتقن صُنع الفَلك الدوّار في مقادير تبرّجه، وشعشَع ضياء الشمس بنور تأجّجه].
(اللّهمّ يَامَن دَلَعَ لِسانَ الصباح بنطق تبلّجه)
دلع: أخرج وأظهر.
لسان الصباح: شروق الشمس ووضوح النهار.
النطق: هو ضد الصمت.
التبلج: الإضاءة والإشراق.
المعنى: يا إلهي! يامن أخرجت ضوء الصباح، وأظهرت إشراقة النهار وضوءه...
(وسرّح قِطع الليل المظلم بغياهب تلجلُجه)
التسريح: الإرسال. قال عزّ وجلّ: (أو تسريح بإحسان). البقرة/229.
قطع الليل: أي حركة الليل: درجة درجة، وقطعة قطعة. الغياهب: الظلمة الشديدة.
التلجلج: التردد، مثل لقمة الطعام تتلجلج في الفم، وتتردد للمضغ. وقد قيل: «ألحق أبلج، والباطل تلجلج» ولجّة البحر تردد أمواجه.
المعنى: يا إلهي! يا من أرسل الليل المظلم الشديد الظلمة، متحركاً متردداً ذهاباً وإياباً...
(وأتقن صُنع الفَلك الدوّار في مقادير تبرّجه)
أتقن: أحكم.
الفَلك: جمعها أفلاك، وهي الكواكب والنجوم.
الدّوّار: المتحرك بالاستدارة.
المقادير: من المقدور والقدرة.
التبرج: الزينة، قال تعالى:
(وقرن في بيوتكنّ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاُولى). الأحزاب/33.
وزينة الأفلاك هي انتقالها من برج إلى برج، أو هي التي زيّن بها الله السماء الدنيا
(ولقد زيّنا السماء الدّنيا بمصابيح). الملك/5.
(صنع الله الذي أتقن كلّ شيء). النمل/88.
المعنى: إلهي! يا من أتقنت وأحكمت صنع كلّ شيء، وفي أجمل تصوير وتبرج وزينة...
(وشعشَع ضياء الشمس بنور تأجّجه)
الشعشعة: المزج والخلط.
التأجج: هو إضرام النار واشتعالها ولهبها.
المعنى: يا إلهي! يا من مزج ضياء الشمس بالأشعة التي تخرج منها حال تأججها واشتعالها، فيكون منها ضياء دائماً أبداً...
[يامن دلّ على ذاته بذاته وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته، وجلّ عن ملاءمة كيفيّاته. يا من قرب من خواطر الظّنون، وبَعُد عن ملاحظة العيون، وعَلِمَ بما كان قبل أن يكون].
(يامن دلّ على ذاته بذاته) :
المعنى: هذه فقرة موجزة قالها أميرالمؤمنين() فيها دلالات واسعة و كثيرة:
أي يا إلهي! يا من كان نور ذاته المقدسة، هو دليل موصل للطالبين والراغبين إلى التقرب إليه، والتعرف عليه، فبفضله وكرمه وفيوضاته عرّف عباده على ذاته وعبادته، ودلّهم على كيفيّة الوصول إلى القرب منه، والتعرّف عليه، فهو الخير، ومنه الخير وإليه يعود الخير...
(وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته)
التنزّه :التباعد، فلان يتنزّه عن الأقذار، وينزّه نفسه عنها، أي يتباعد عنها.
المجانسة: المشاركة.
المعنى: إنّ الله تبارك وتعالى نأى عن مشابهة مخلوقاته، لأنّه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). الشورى/
(وجلّ عن ملاءمة كيفيّاته) :
المعنى: أنّه تبارك وتعالى جلّ وترفّع عن أن يكون ملائماً ومناسباً لخلق المخلوقين، أو مشابهاً لهم بل هو القديم الأزلي، الذي (لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفواً أحد). الإخلاص/3 ـ 4
(يا من قرب من خواطر الظّنون) :
المعنى: إلهي! يا من تعاليت وتباعدت عن جميع المخلوقات بأجسادهم ومادتهم، وكنت قريباً من خواطرهم ولمحاتهم النفسية، وخلجاتهم القلبيّة. ولكن العلم بك لا يصل إلى حدّ اليقين، بل هو خطرات ظنّية وأمّا معرفتك يا إلهي! المعرفة الحقيقيّة لم تتوفّر إلاّ لقلة من البشر الذين اصطفيتهم، وجعلتهم خزّان علمك ومهبط وحيك.
قال رسول الله(سلم):
يا عليّ! ما عرف الله تعالى إلاّ أنا وأنت، وما عرفني إلاّ الله وأنت، وما عرفك إلاّ الله وأنا.
(وبَعُد عن ملاحظة العيون) :
المعنى: إلهي! يا من قربت من خطرات القلوب ولمحات العقول، وبعدت عن لحظات ونظرات العيون إنّك لا تدركك الأبصار ولكنّك تدرك الأبصار وأنت اللطيف الخبير. بتصرف عن الآية/103 من سورة الأنعام.
(وعَلِمَ بما كان قبل أن يكون) :
إنّ الموجودات كلّها لها وجودان: وجود صور أزليّة في علم الله تعالى، ووجود آخر هو ما أخرجه سبحانه إلى عالم الشهادة العينية تدريجياً على حسب الإستعدادات والمقتضيات والظروف.
المعنى: إنّ علم الله تعالى علم إحاطة في كلّ شيء، وقبل كلّ شيء، وبعد وجود كلّ شيء، ولا يغيب عنه أيّ شيء...
(يامن أرقدني في مهاد أمنه وأمانه، وأيقظني إلى ما منحني به من مِنَنهِ وإحسانه، وكفّ أكفّ السوء عنّي بيده وسلطانه)
(يامن أرقدني في مهاد أمنه وأمانه) :
المهد للطفل جمعها مهاد الفراش أو السرير
والأمن: طمأنينة النفس، وزوال الخوف
المعنى: إلهي! يا من خلقتني وخلقت جميع الناس نحن في رعايتك وحفظك وأمانك سواء في حالة النوم والرقاد، أو في حالة اليقظة والانتباه
(وأيقظني إلى ما منحني به من مِنَنهِ وإحسانه) :
أيقظني :نبّهني من النوم.
منحني :أعطاني ووهبني
المعنى: إلهي! يامن أيقظتني ونبّهتني من نوم الغافلين، ونبهتني إلى ما أعطيتني من أعمال الصالحين التي توصلني إلى درجة المتّقين، الذين أنعمت عليهم من الأنبياء والمرسلين والشهداء والصدّيقين، وذلك بفضلك وجودك وكرمك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين
(وكفّ أكفّ السوء عنّي بيده وسلطانه) :
السوء :هو كل ما يغمّ الإنسان
اليد :القدرة، يد الله تبارك وتعالى هي قدرته.
[صلّ اللّهمّ على الدليل إليك في الليل الأليل، والماسك من أسبابك بحبل الشرف الأطول، والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل، والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأول وعلى آله الطيبين الأخيار، المصطفَين الأبرار].
(صلّ اللّهمّ على الدليل إليك في الليل الأليل)
الصلاة من الله الرحمة، ومن الملك الاستغفار، ومن البشر الدعاء.
الدليل: الهادي والمرشد، والمراد به رسول الله(صلى الله عليه وآله ).
الأليل: الليل المظلم الحالك، البالغ من الظلمة.
المعنى: يا إلهي! يا من حفظتني وأيقظتني من غفلتي، ومننت عليَّ بفضلك وكرمك، وكان إحسانك نازلا إليَّ صلِّ وبارك وارحم وتحنن وأكرم الذي كان دليلا عليك، ومرشداً إلى طاعتك، وهادياً الخلق إلى عبادتك في الأوقات المظلمة بالجهل والظلم والعادات السيئة... «وهذه صفات للحبيب المصطفى(سلم)».
(والماسك من أسبابك بحبل الشرف الأطول)
المعنى: بعد أن وصف الرسول(صلى الله عليه وآله ) بأنّه الدليل والهادي إلى الله تعالى عطف هنا صفات اُخرى له وهو أنّه ماسك ومتعلق بكلّ شيء موصل بالشرف الرفيع العالي والكرامة العظمى.
(والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل)
الناصع: الواضح، يقال: أبيض ناصع، وأصفر ناصع أي واضح وبيّن.
الحسب: هو ما يعده الرجل من مفاخر أجداده.
الذروة: كسر الذال وضمها، هي أعالي الشيء وسنّامه ورفعته.
الكاهل: هو ما بين الكتفين.
الأعبل: الضحم الغليظ، يقال: رجل عبل الذراعين أي ضخمهما، وفرس عبل الشوى أي غليظة القوائم...
المعنى: أنّه() يصف رسول الله(صلى الله عليه وآله ) بأنّه عالي النسب، شامخ الحسب، رفيع الشأن، مجيد المكارم.
(والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأول)
الزُحلفة: بضم الزاي، هي آثار تزلج الصبيان من فوق التل إلى أسفله، والزحلفة كالدحرجة، يقال: زحلفته فتزحلف...
المعنى: أنّه() يصف رسول الله(صلى الله عليه وآله ) بأنّه ثابت القدم منذ أن خلقه الله تعالى، قبل النبوّة وبعدها مهما مرّت عليه من منحدرات ومزالق، وهو باق على رفعته وشموخه وعظمته...
(وعلى آله الطيبين الأخيار، المصطفَين الأبرار)
المعنى: أنّه() بعد أن صلّى على النبيّ الأطهر الماجد الأزهر(صلى الله عليه وآله ) عطف هنا الصلاة على آله الأخيار الذين اصطفاهم الله سبحانه، وطهرهم من الرجس والدنس تطهيراً.
وقد بدأ() في أوّل الدعاء بالصلاة على محمّد وآله ويختم الدعاء كذلك، لأنّ الدعاء المقبول عند الله تعالى هو الصلاة على محمّد وآل محمّد، فلا يرد سبحانه ما ورد بين الصلاتين!
وقد ورد عن أميرالمؤمنين أنّه قال:
"كل دعا محجوب حتى يصلّى على النبيّ(صلى الله عليه وآله )".
وقال أبو سليمان الداراني: إذا سألت الله حاجة فابدأ بالصلاة على النبيّ(صلى الله عليه وآله ) ثم ادعُ ما شئت ثم اختم بالصلاة عليه فإنّ الله سبحانه يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يدع ما بينهما.
وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله ) أنّه قال:
لا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء! فقالوا: وما الصلاة البتراء؟
قال(صلى الله عليه وآله ):
تقولون: اللّهمّ صلّ على محمّد، وتمسكون!.بل قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد
يامن دل بذاته على ذاته
التعريف المنطقي للدلالة : هو ان يكشف الدال عن وجود المدلول فيحصل العلم به العلم بالمدلول سواء كان الدال لفظا او غير لفظا.
ولتقريب التعريف اضرب مثالا:
حينما تسمع جرس الباب يرن يحصل لديك علم بان هناك شخص ما يطلب اهل الدار وهذا العلم جاءك لانك وضعت الجرس لهذه المهمة ولهذا العمل
اذن الدلالة هي العلم بوجود شخص
والدال عليه هو رنة الجرس
والمدلول عليه هو الشخص
هذا الذي نراه في تعدد الدال والمدلول
وهناك نقطة اخرى ان الدال والمدلول يكون واحد ومثال ذلك قولك انا قمت وانا اكلت وانا كتبت
فهي معرفة نفسية ذاتية اجتمع فيها الدال والمدلول
ومثاله في القران الكريم قول يوسف لاخوته انا يوسف فقد دل على نفسه بنفسه
هذا كله على نحو المثل والتقريب ضمن عالم الممكنات
والسؤال الان هو كيف ان الله سبحانه دل على ذاته بذاته
هنا نرجع الى القران الكريم ونقف عند قوله تعالى
واذا اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين.
عند التدبر بالاية المباركة نجد ان مقام الشهادة غير مقام الادء بها يعني ان الله تبارك وتعالى اشهدهم على انفسهم ثم قال الست بربكم
فما الربط بين الجملتين
الربط هو ان الله تبارك وتعالى قد تجلى لخلقه وظهر في نفوسهم فكانوا كالمرآة العاكسة التي ظهر فيها صفات الحق تبارك وتعالى وعرفوا الله من خلال نظرهم لانفسهم
ولكن ايها الاخوة
قد يثار سؤال انا لسنا متساوين في هذه المعرفة
فاقول لكم ان المرآة كلما كانت اكبر وانقى تسع لانه ينعكس فيها اشياء اكثر وان المرآة الانقة والاوسع كانت نفس محمد وال محمد لذلك رؤوا وشاهدوا جميع الصفات الالهية فاصبحوا الادلاء على الله تبارك وتعالى
وملخص مااريد قوله ان الله تبارك وتعالى دل وظهر وفاض على محمد وال محمد ومنهم عرف الكون خالقه اما محمد وال محمد فقد عرفوا الله بالله
لذلك نحن حينما نريد الاستدلال على وجود الحق تبارك وتعالى نقول انظروا الى السماء او القمر او الشمس او الانسان
بينما اهل البيت لايرون المصنوعات بل يرون الصانع
والذي يقرا ويتدبر في دعاء عرفة للامام الحسين
يجد ذلك واضحا بينا
الهي ترددي في الاثار يوجب بعد المزار عنك كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك متى غبت حتى تحتاج الى دليل ومتى بعدت حتى تكون الاثار هي التي توصل اليك عميت عين لاتراك عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم يجعل لك من حبه نصيبا
تنزه عن الشيء : تبعَّد عنه
المجانسة : المشاركة و الاتحاد فيه . يقال هذا يجانس هذا أي يشاكله .
اعتقد وحسب عقلي القاصر ان الامام امير المؤمنين حينما قال جملته الاولى وهي يامن دل على ذاته بذاته فانه يعلم ان النتيجة التي نتوصل اليها هي ان الله تبارك وتعالى قد عرفنا نفسه من خلال محمد وال محمد صلوات الله عليهم جميعا لذلك اراد ان يرفع عنا شبهة المشاركة والمجانسة
ولكن هناك نقطة مهمة جداا ان التجانس لايكون الا بين الشيئين القابلين للمجانمسة والا فلا تجانس بين النار والماء لكن بين الماء والطين توجد هذه المجانسة
ولعل سائل يسال كيف يظهر رب العزة ويتجلى في النفوس من غير مجانسة لها
وقبل الاجابة اضع بين ايديكم حديثا لامير المؤمنين في هذا الخصوص
داخل في الاشياء بلا مجانسة وخارج عنها من غير مزايلة
يعني ان الله تبارك وتعالى داخل في النفوس بلا مجانسة وخارج عنها بلا انفصال او زوال
وهذا الحديث قد اشكل على شخص سمعه فتوجه الى سيدي مولاي غريب طوس الامام علي بن موسى الرضا فقال للسائل حينما تقف امام المرآة هل هذه صورتك قال نعم قال فهل انت داخل فيها ام هي داخلة فيك
وبهذا المثال فقد اجاب وفسر لنا الامام هذا المقطع
يعني ان الله تبارك وتعالى افاض على النفوس الوجود والنور وطبعا كل حسب استقباله كما قال الله تبارك وتعالى
وانزلنا من السماء ماء فسالت اودية بقدرها
وجل عن ملائمة كيفياته
جلَّ : عظم
الملاءمة : الموافقة . لائم بين شيئين إذا جمع بينهما
الكيفية : حالته و صفته ، لذلك قالوا أن الكيفية ما يقال في جواب : كيف هو ؟ .
ماأعظم امير المؤمنين ولادري كيف غاب نوره عن قلوب الجاحدين والمنكرين له
ومااجمل الربط بين فقرات الدعاء وكيف لايكون كذلك وقائلها من حددت معرفة الباري به وهو سيد البلغاء والمتكلمين فسلام الله وصلواته عليك سيدي ومولاي امير المؤمنين ولاحرمنا الله من رؤيتك وشفاعتك وسندك في الدنيا والاخرة
اخوتي الافاضل
بعد ان ابين امير المؤمنين ان الله تبارك وتعالى قد دلنا عليه من خلال اشراق نوره وفيض صفاته على محمد واله محمد صلوات الله عليهم وان هذا الاشراق والفيض بلا مجانسة او تداخل
قال وجل عن ملائمة كيفياته
قلت سابقا بان الله سبحانه وتعالى قد اظهر صفاته وانعكست في محمد وال محمد وهنا قد يتوهم متوهم بان الرحمة والرافة والكرم التي صفات الله هي عينها عند محمد وال محمد وبنفس الحدود وكذلك باقي الصفات المنعكسة في نفوسهم الطاهرة المباركة
لكن امير المؤمنين يريد ان يبين بان تلك الصفات الموجود في نفوسهم هي بقدرهم وهم في تكامل دائم وتبدل وتعديل وزيادة وارتقاء كل يوم بل في كل ثانية وهذا التبدل والزيادة والارتقاء لا يحدث لله تبارك وتعالى لان صفاته سبحانه وتعالى عين ذاته وذاته لايحدها حد ولايجري عليها زمن فهو المطلق في كل شي
اما مادونه فهو محدود وان لم يسعه بصرنا وفاق افاق نفوسنا فالعين الباصرة لايمكن ان تستوعب كل الذي امامها رغم انه محدود فكذلك نفوسنا لاتستطيع ان تستوعب صفات محمد وال محمد على انها محدودة امام صفات الله اللا متناهية فاذا عجزنا ان نحيط بالمحدود فكيف نستطيع الاحادة بلا محدود
والخلاصة ان صفات الله جل ذكره اعظم من ان تتغير وتتبدل وتتشابه وتتلائم مع صفات المخلوقين
واليكم حيدثا مباركا من مدرسة محمد وال محمد ينقل الينا
عن ابي عبد الله الصادق اذ قال
ان الله عظيم رفيع لايقدر العباد على صفته ولايبلغون كنه معرفته لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ولايوصف بكيف ولا اين ولاحيث وكيف اصفه بالكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفا فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف ام كيف اصفه باين وهو الذي اين الاين حتى صار اينا فعرفت الاين بما اين لنا من الاين ام كيف اصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثا فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان وخارج من كل شي لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار لااله الا هو العلي العظيم وهو اللطيف الخبير.
يامن دل على ذاته بذاته لها معنيان: الأول:
أنه تعالى دل على ذاته البحت البات بذاته الفعلية.
وذاته الفعلية هم عليهم السلام (لنا حالات مع الله هو فيها نحن ونحن فيها هو،إلا أنه هو هو ونحن نحن).
أي هذا لا يتعارض مع كوننا مخلوقين وهو خالقنا سبحانه.
المعنى الآخر:
هو (وأنفسنا وأنفسكم)!!
فالنبي هو الذي دل على ولاية أمير المؤمنين صلى الله عليهما وآلهما
يوم غدير خم.
وولاية أبي الحسن هي باطن النبوة،لذلك نبوة النبي متوقفة على تبليغ ولاية علي (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) فتدبر!!
هذا في الظاهر:
وأما في الباطن فلا يجوز التصريح خوفا من فرعون وملئهم الظالمين
بل أكتفي بالإشارة في طي العبارة:
أنت عندما تشير بيدك إلى صدرك وتقول للناس:
أنا فعلت كذا وأنا قمت بكذا...
فأنت دللت على نفسك بنفسك. وليس غيرك دل عليك.
لأن جسمك هو أيضا أنت قد دل عليك.
لولا لسانك ويدك وجسمك لما دللت الناس على ذاتك.
فالمتكلم هو الله تعالى مشيرا إلى نفسه بأنه خالق الوجود.
أشار على ذاته بيده المحمدية ولسانه العلوي.
ولا يجوز أكثر من هذا.
سماء الولاية.
يامن قرب من خطرات الظنون
القرب تارة يكون معنوي وتارة يكون مادي ولذلك نقول مثلا لشخص نحبه ونحترمه انت قريب منا رغم ان شخصه يبعد الاميال من الكيلوا مترات واخرى لا يكون قربنا بشخصه وجسمه
الخواطر : مايخطر على القلب وتارة يكون رباني واخرى شيطاني
الظن : كما قاله امير المؤمنين
الظن ظنان ظن يقين وظن شك
وهذا ايضا نجده في القران الكريم
قوله تعالى : وذ النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه .
وقوله تعالى : يظنون انهم ملاقوا ربهم.
هذه مصداق للظن اليقيني
وقوله تعالى : ان نظن الا ظنا وان الظن لايغني عن الحق شيئا
وهذا مصداق للظن الشكي
بعد هذا البيان وتنسيقا مع الفقرات السابقة يريد ان يبين لنا امير المؤمنين
بان الله تبارك وتعالى قريب ولكن بالقرب المعنوي قريب من خواطركم ولكنكم لاتشعرون به لذلك قال في الحديث من عرف نفسه فقد عرف ربه فرب العباد مشرق على انفسكم قريب منكم ونحن اقرب اليه من حبل الوريد ولكن اعمالكم هي التي حجبت رؤيتكم وظلمة انفسكم حالت دون النظر الى نور ربكم
وانك لاتحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الاعمال دونك
ولكن كل ماتصورنه بظنونكم فهور مردود لكم لانكم لاتستيطعون ان ترون وتعرفون كنه الحق تبارك وتعالى
اضافة الى امر مهم ان الله قريب بنفسه منكم وليس باثاره
فهذا امير المؤمنين يقول ماعملت عملا الا ورايت الله قبله وفيه وبعده اي ان الله لا يغيب عني في اي لحظة من اللحظات
ولذلك حينما يسال هل رايت ربك قال كيف اعبد ما لارى فسال صفه لنا قال لاتدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن
تدركه القلوب بحقائق الايمان
ولذلك ايها الاخوة فان مهمة الانبياء كانت ارشادنا على معرفة الله في انفسنا لاننا غفلنا عنها
وملخص الكلام ان الله قريب من القلوب ومن النفوس ولكن لايرى الا بنفس طاهرة وقلب سليم
وبعد عن ملاحظة العيون
وهنا يرفع امير المؤمنين الاشكال الذي يرد بان الله مادام قريبا اذن يمكن رؤيته
بالعين الباصرة كما نرى الاشياء
وقد شطح في ذلك الكثير اذا قالوا اننتا يمكن ان نرى الله بالعين المجردة ونسوا ان الله تبارك وتعالى لايرى بهذه العين لان العين ترى الاشياء المادية والله ليس بمادي
وقال اخرون بانه يمكن رؤيته في يوم القيامة كما يرى البدر في السماء
لكن رب العزة نفى ذلك بقوله وحكاية عن قصة موسى
ربي ارني انظر اليك قال لن تراني
ولن في اللغة العربية تفيد التابيد اي لن تراني لا الان ولا في النستقبل
مثعلى عكس لم فانها يقصد منها الفعل الان
فاذا قلت مثلا لم يقم زيدا فانك تقصد قيامه الان اما بعد فانه يقوم
ولكن لو قلت لن يقم زيدا فانك تقصد ان زيدا لايستطيع القيام لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل
واذا استحال على رسول ان يرى رب العزة بالعين المجردة فكيف لاناس عاديون مثلنا
وملخص الكلام ان الله قريب لكن لاتشاهده العيون الباصرة ولكن تراه العيون المبصرة
يامن قرب من خطرات الظنون
يا من قرب بالقرب المعنوي والمدد الروحي ..من خطرات القلوب السليمة.. المستيقنة ..المبصرة بنور الله..
* * * * * * * *
وبعد عن ملاحظة العيون
هو قريب في معناه
حسب فهمي القاصر
لما ورد عن مولانا السجاد سلام الله عليه في الصحيفة السجادية اذ يقول :
((الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ))
وقد سئل مولانا الجواد
عن معنى قوله تعالى : ( لا تدركه الأبصار ) ؟
قال : «ياأبا هاشم ! أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند ، والبلدان التي لم تدخلها ، ولم تدرك ببصرك ذلك ، فأوهام القلوب لا تدركه ، فكيف تدركه الأبصار ؟»
وعلم بما كان قبل ان يكون
وهنا عدة مقدمات
المقدمة الاولى
ينقسم العلم الى قسمين
العلم الحضوري وتعريفه حضور الحقيقة ونفس الشي
العلم الحصولي هو حضور صورة الشي
والمثال على ذلك
ان الانسان حينما يشعر في الجوع او الخوف او الالم فان حقيقة هذه الاشياء تكون حاضرة عنده ويصدر منه ردة فعل لكل واحدة منها ويرى تاثيرها في نفسه
اما لو زالت هذه الاشياء وحكيت لصديق انك كنت جائع او متالم او خائف فهذه عبارة عن صورة وليس حقيقة
وبمثال اقرب واقرب
مرة ياتي اليك شخص بنفسه واخرى يرسل اليك صورته
وطبعا العلم الحضوري ليس فيه خطا او اشتباه لان الحقيقة تكون بنفسها حاضرة عندة اما الحصولي فيقع فيه الخطا والاشتباه لان مايرد اليك هو الصورة لذلك وضعوا علم المنطق وهو اللمتكفل بوضع قوانين للتفكير الصحيح
المقدمة الثانية
اعلم ان الموجودات تنقسم الى قسمين
موجود مجرد : وهو ماليس له علاقة بالجسمية والجسمانية
والموجود المادي : الذي له علاقة بالجسم والجسمانية
المقدمة الثالثة
في صريح القران يقول ان هناك عالمان عالم يسمى الغيب وعالم يسمى الشهادة
وقد بينهما العلماء بعدة امور
مثل ان الغيب مالم يكن والشهادة ماكن
او ان الغيب مالاتدركه حواسنا والشهادة ماتدركه حواسنا
وعلى ماتبين في الاعلى اقول
ان العلم نوع من الادراك ولايمكن ان يدرك الشي خارج حده مثلا ان عيني تدرك مافي داخل الغرفة لان نظرها محدود ولايمكن ان تدرك ماهو خارج الغرفة كذكلك نفسي تدرك الاشياء بقدرها ولايمكن ان تدرك ماهو خارج عنها لذلك اصبح امامي عالمين عالم شهود وهو مادركه وعالم غيب وهو مالاادركه
ونحن طبعا لدينا علما حضوريا وعلما حصوليا كما بينا
لكن لو تكلمنا عن علم الله تبارك وتعالى
فالحق جل وعلى من ناحية ليس له حد محدود حتى يقف علمه عندة بل هو محيط بكل شي وعالم بكل شي فلايوجد عالم غيب بل كل العوالم مشهودة لديه
وثانيا ان الاشياء لاتحضر بصورها عن الله تبارك وتعالى بل تاتي بحقائقها ووجودها
وعلى هذا فان الله تبارك وتعالى كل الاشياء حاصلة وحاضرة عنده ففعلم بما كان قبل ان يكون عندنا لم يكن اما عند الله فهو ائن وكان هنا تامة وليست ناقصة اي انها موجودة هذه الاشياء
وكما تعلمون ايها الاخوة ان الاشياء تحصل في الفترات الزمانية يعني نقول هذا حصل الان ولكن لم نعلم بعد ساعة ماذا يكون لاننا في داخل الزمان والله تبارك تعالى خالق الزمان وخارج الزمان وهذه من صفات الموجود المجرد فانت في المنام تذهب لاقصى بقعة في الارض وتسير وتمشي وتمر عليك اشياء عجيبة غريبة وحينما تستيقظ تجد انك لم تنمك الا دقائق معلومة هذا لان النفس لم تتقيد بزمان او تحت وقعى الزمان
والخلاصة ان الله تبارك وتعالى يعلم بالاشياء قبل ان تقع بالنسبة الينا لانه محيط بها وحاضرة لديه
وعلى هذا الامر يتفرع علم الرسول واهل بيته صلوات الله عليهم وليس المجال هنا للدخول في بحث علمهم
[وافتح اللّهمّ لنا مصاريع الصباح، بمفاتيح الرحمة والفلاح، وألبسنا اللّهمّ من أفضل خلع الهداية والصلاح، واغرس اللّهمّ لعظمتك في شرب جناني ينابيع الخشوع، وأجر اللّهمّ لهيبتك من أماقي زفرات الدموع وأدِّب اللّهمّ نزق الخرق منّي بأزمّة القنوع].
(وافتح اللّهمّ لنا مصاريع الصباح، بمفاتيح الرحمة والفلاح)
مصاريع: جمع مصراع، والمصراعان من الأبواب.
مفاتيح: جمع مفتاح.
الرحمة: وهي رقّة في القلب تقتضي الإحسان.
الفلاح: الظفر، وإدراك البغية.
المعنى: يا إلهي! أدعوك وأتوسل إليك، بأن تفتح لنا مصاريع أبواب هذا الصباح وكل صباح بمفاتيح الرحمة والظفر والفلاح والنجاح والإنجاح...
(وألبسنا اللّهمّ من أفضل خلع الهداية والصلاح)
المعنى يا إلهي! وألبسنا وزيّنا من أفضل ما عندك من الخلع والمواهب التي هديت بها عبادك الصالحين، وجعلتهم من أفضل عبادك المتقين المخلصين، ووفّقنا للسير على صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقا.
(واغرس اللّهمّ لعظمتك في شرب جناني ينابيع الخشوع)
الشِّرب: بكسر الشين، الحظ من الماء.
الجَنان بالفتح: القلب.
الينابيع: جمع ينبوع، وهو عين الماء، نبع ينبع نبوعاً: أي خروجاً.
الخشوع: خضوع القلب والجوارح.
المعنى: يا إلهي! إنّ عظمتك وجلالك وكبرياءك عظيمة، فاجعل هذه العظمة والجلال في نفسي وقلبي تجري جريان الخشوع والخضوع لك وحدك، لأنّه إذا لم يخشع القلب لك ولا يخضع، فلا نفع من فعل الجوارح الاُخرى، فإذا خشع وخضع القلب خشعت بقية الجوارح والأعضاء.
(وأجر اللّهمّ لهيبتك من أماقي زفرات الدموع)
موق العين: طرفها ممّا يلي الأنف والاُذن، والجمع أماق.
زفرات جمع زفر: وهي القربة التي كانوا يحملون بها الماء، لذا قيل للنساء اللواتي يحملن القرب: زوافر.
المعنى: يا إلهي! بعد أن توفّقني لخشيتك والخضوع إليك، أنزل من أطراف عيوني من هيبتك ومخافتك الدموع كما ينزل الماء من أفواه القرب...
(وأدِّب اللّهمّ نزق الخرق منّي بأزمّة القنوع)
النزق: الخفّة والطّيش.
الخُرق بالضم: هو ضد الرفق، وقد قيل: الرفق يمنٌ والخرق شؤمٌ. هو الجهل والحمق.
الأزمّة: جمع زمام، وهو المقود الذي تربط أو تجر به الدابة.
القنوع بالضم: السؤال والتذلل للمسألة والطلب، وهو غير القناعة بالفتح: الرضا بما تيسر.
المعنى: يا إلهي! إنّك تعلم أنّ عندي صفات تبعدني عن مسألتك والتذلل إليك فاربطها ياربّ برباط الخضوع والجمها بلجام التذلل والخشوع إنّك أرحم الراحمين.
[إلهي! إن لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق، فمن السالك بي إليك في واضح الطريق، وإن أسلمتني أناتك لقائد الأمل والمُنى، فمن المقيل عثراتي من كبوة الهوى، وإن خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان، فقد وكلني خذلانك إلى حيث النصب والحرمان].
(إلهي! إن لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق، فمن السالك بي إليك في واضح الطريق)
المعنى: يا إلهي! إذا لم تكن رحمتك وعطفك عليَّ هو الموفق للسعي فيما يرضيك من الأعمال الصالحة، والطاعات المرضية لديك، فمن الذي يأخذ بيدي وينقذني من نفسي ورغبتها، والشيطان الذي يغوين لكي أسير على صراطك المستقيم، وطريقك الواضح القويم.
(وإن أسلمتني أناتك لقائد الأمل والمُنى، فمن المقيل عثراتي من كبوة الهوى)
الأناة: الحلم، والرفق، والإنتظار. يقال: تأنّى في الأمر: إذا ترفّق به وانتظر.
الأمل: الرجاء.
المُنى بالضم: جمع منية، وهي الصورة الحاصلة في النفس من تمنّي الشيء.
المقيل من الإقالة: الفسخ أقلت البيع: إذا فسخته.
العثرة: الزلّة والخطيئة.
الكبوة مفرد، جمعها كبوات: السقوط، يقال: كبا الجواد إذا سقط.
الهوى: النفس والرغبة.
المعنى: يا إلهي! إذا كان حلمك ورفقك بي يُسلمني إلى الاُمنيات النفسية التي تبعدني عن طاعتك ومرضاتك فمن الذي يغفر لي زلاّتي وسقطاتي الموجبة لسخطك وغضبك.
(وإن خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان، فقد وكلني خذلانك إلى حيث النصب والحرمان)
الخذلان: هو ترك العون والنصرة عند الحاجة.
الشيطان: هو كل وسوسة شريرة تكون في النفس، سواء أكانت من الإنس أو من الجن...
النصب: بفتح النون والصاد، التعب.
المحروم: هو الذي لم يوسّع عليه في الرزق...
المعنى: يا إلهي! إن تركتني وتخليت عنّي ولم تنصرني في محاربة نفسي، ومحاربة وساوس الشيطان اللعين فقد وكلتني ورميتني إلى حيث التعب والحرمان من الرزق، ومن العون، ومن المغفرة...
[إلهي! أتراني ما أتيتك إلاّ من حيثُ الآمال، أم علقتُ بأطراف حبالك إلاّ حين باعدتني ذنوبي عن دار الوصال، فبئس المطيّة التي امتطأت نفسي من هواها، فواهاً لها لما سوّلت لها ظنونها ومناها، وتبّاً لها لجرأتها على سيّدها ومولاها].
(إلهي! أتراني ما أتيتك إلاّ من حيثُ الآمال، أم علقتُ بأطراف حبالك إلاّ حين باعدتني ذنوبي عن دار الوصال)
إتيان الله سبحانه وتعالى: التوجّه اليه بخشوع القلب والجوارح.
الحبال جمع حبل: وهي كناية عن كثرة الوسائل الموصلة إلى الله تعالى.
الذنوب: هي الكدورات والغشاوات الحاصلة لمرآة القلب من ارتكاب القبائح والمعاصي.
المعنى: يا إلهي! إنّي أتيتك واتّجهت إليك من حيث الأمل الذي وضعته في كياني، وكثرة الوسائل التي جعلتها موصلة بك، لمغفرة ذنوبي، ومحو ما علّق في نفسي من الكدورات والغشاوات التي تحجب الإتصال برحمتك ومغفرتك، وتحجب النورانية التي جعلتها للمريدين والقاصدين إلى لطفك وكرمك...
(فبئس المطيّة التي امتطأت نفسي من هواها، فواهاً لها لما سوّلت لها ظنونها ومناها، وتبّاً لها لجرأتها على سيّدها ومولاها)
امتطأت نفسي: أي اتخذت هواها مطية تذهب حيث ما شاء الهوى.
واهاً: كلمة تعجب، والتعجب هنا من قوّة وساوس النفس وتشتتها.
سولت: زينت.
تبّاً: التبّ: الخسران.
المعنى: يا إلهي! هذه نفسي الأمّارة بالسوء التي وسوس لها خيالها وباطلها وهواها، وأطاعت اُمنياتها الخادعة، وزينت لها ظنونها العاطلة، فتخيلت أنّها على شيء وإلى شيء، وما هي إلاّ جرأة على سيدها الرحمن ومولاها الرحيم... فوقعت في الخسران المبين واجترأت على ربّها الكريم.
[إلهي قرعت باب رحمتك بيد رجائي، وهربت إليك لاجئاً من فرط أهوائي، وعلّقت بأطراف حبالك أنامل ولائي. فاصفح اللّهمّ عمّا كان أجرمته من زللي وخطئي. وأقلني اللّهمّ من صرعة ردائي، وعسرة بلائي، فإنّك سيّدي ومولاي ومعتمدي ورجائي، وأنت غاية مطلوبي ومناي، في منقلبي ومثواي].
(إلهي قرعت باب رحمتك بيد رجائي، وهربت إليك لاجئاً من فرط أهوائي، وعلّقت بأطراف حبالك أنامل ولائي)
القرع: الضرب بقوّة وشدّة.
الفرط: تجاوز الحد. أفرط الرجل في الشيء إذا تجاوز الحد.
الأنامل: جمع أنملة، وهي رؤوس الأصابع.
المعنى: يا إلهي! بعد هذه الجرأة على عصيانك، والتمادي في البعد عن ساحة كرمك ورضوانك... ألآن! وقد تبت إليك، ورجعت منيباً متأملا بجودك وكرمك وغفرانك...
وقد قلت وقولك الحق: (ففرّوا إلى الله) الذاريات /50.
وقولك: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنّه هو الغفور الرحيم).الزمر/53.
فها أنا يا ربّ! أقرع باب رضوة رحمتك بيد الرجاء والأمل في المغفرة والرحمة والستر، هارباً من ذنوبي وجرأتي...
وها أنا ذا جئتك يا ربّ ملتجئاً ومنيباً إليك من أهوائي الكثيرة وعصياني المتجدد، متعلقاً بأي وسيلة من الوسائل الموصلة إلى رضوانك وغفرانك، ولو كان التعلق بسيطاً وقليلا، حتى ولو برؤوس الأصابع...
(فاصفح اللّهمّ عمّا كان أجرمته من زللي وخطئي)
الصفح: الإعراض، يقال: صفحت عن فلان، إذا أعرضت عنه.
الجرم والإجرام: الذنب والمعصية.
الزلل: يقال: زللت يا فلان تزلّ زليلا، إذا زلّ في الطين.
الخطأ: ضد الصواب.
المعنى: إلهي! يا ربّ! أتوسل إليك أن تعرض وتصفح عن إجرامي في حقّ نفسي وحقّ غيري من الزّلاّت الكثيرة المتعددة، والأخطاء المتكررة، إنّك أرحم الراحمين وخير الغافرين...
(وأقلني اللّهمّ من صرعة ردائي، وعسرة بلائي)
الإقالة: الفسخ، أقلت البيع أي فسخته. وهنا بمعنى: خلصني.
الصرع: الطرح على الأرض. صرعة ردائي، أي طرحه ورميه على الأرض.
العسرة: السرعة، وتطلق على ناقة السريعة.
البلاء: الإختبار والإمتحان. بلوته: اختبرته...
المعنى: يا إلهي! خلّصني وعافني من وقوع رداء الحشمة والعفّة والأخلاق عنّي، وسرعة نزول البلاء والإمتحان في ساحتي...
(فإنّك سيّدي ومولاي ومعتمدي ورجائي)
السيد: من ساد سيادة سؤدداً. هو شرف المجد، ساد قومه: صار سيدهم وكبيرهم ومتسلطاً عليهم...
المولى: تطلق على المعتِق، والمعتَق، وابن العم، والجار، والحليف، والناصر، والمتولّي للأمر،
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه». والمولى هنا يختص بالمعنى الأخير: الناصر المتولّي للأمر.
المعتمد: الشيء الذي يعتمد عليه، ولا يمكن الإستقلال منه.
المعنى: يا إلهي! أنت سيدي وقائدي وناصري وملجئي ومعتمدي ورجائي، ليس لي غيرك من أرجع إليه أو أعتمد عليه...
(وأنت غاية مطلوبي ومناي، في منقلبي ومثواي)
الغاية: نهاية المقصد والمطلوب.
المنقلب: المرجع والمآل، كما قال تعالى: (إنّا إلى ربّنا لمنقلبون). الزخرف/14.
المثوى: المنزل، من ثوى المكان، وبه يثوى ثواءً، وثُوياً بالضم، وأثوى: أطال الإقامة.
المعنى: يا إلهي! أنت نهاية مطلبي، وكل ما أتمناه، فلا أطلب من سواك، ولا أرجو غيرك، فإليك ملجئي ومرجعي وإقامتي الطويلة بعد موتي عندك وتحت رعايتك، فاجعلها يا ربّ في جوارك من الذين أنعمت عليهم (من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقاً). النساء/69.
[إلهي! كيف تطرد مسكيناً التجأ إليك من الذنوب هارباً أم كيف تُخيّب مسترشداً، قصد إلى جنابك ساعياً، أم كيف تردّ ظمآن ورد إلى حياضك شارباً، كلاّ وحياضك مترعة في ضنك المحول وبابك مفتوح للطلب والوغول، وأنت غاية السؤُلِ، ونهاية المأمول].
(إلهي! كيف تطرد مسكيناً التجأ إليك من الذنوب هارباً)
الطرد: الإبعاد، طرد فلاناً: أبعده ونفاه.
المسكين: هو الفقير الذي لا شيء عنده. وربّما قيل إنه أشد وأبلغ من الفقير فقراً... الذليل المقهور.
المعنى: يا إلهي! أنت ملجأ اللاجئين، ومقصد القاصدين، ومعتمد المؤمنين، فكيف تُبعد وتطرد مسكيناً ومحتاجاً إليك، وهو هارب من ذنوبه وخطاياه، وأنت أرحم الراحمين.
(أم كيف تُخيّب مسترشداً، قصد إلى جنابك ساعياً)
خاب الرجل خيبة: إذا لم ينل ما طلب. الخيبة: المحرومية.
مسترشداً: طالباً للرشاد. والرشد ضد الغيّ.
القصد: إتيان الشيء، يقال: قصدته وقصدت إليه بمعنى واحد.
الجناب بالفتح: الفناء، أي فناء الدار أو البيت.
السعي: سعى الرجل يسعى سعياً، إذا عدا وركض وكذا إذا عمل أو كتب.
المعنى: إلهي! وكيف تخيّب أو تحرم من طلبك مسترشداً ومستهدياً، وهو قد جاء إلى فناء دارك وأماكن عبادتك راكضاً ومهرولا...
(أم كيف تردّ ظمآن ورد إلى حياضك شارباً)
ردّه: يقال: ردّه عن وجهه يردّه ردّاً مردوداً: صرفه وأرجعه عن عزيمته.
ظمآن: عطشان.
ورد: الورود أصله قصد الماء، وقد يستعمل في غيره. قال تعالى: (ولمّا ورد ماء مدين). القصص/23.
الحياض جمع حوض: وهي الأماكن الكبيرة التي يوضع فيها الماء للوضوء أو لشرب الأنعام والمواشي.
المعنى: يا إلهي! وكيف تردّ وتصرف من كان عطشاناً للقرب منك، وقد قصد حياض رحمتك ومغفرتك لينهل منها وأنت الرحمن الرحيم.
(كلاّ وحياضك مترعة في ضنك المحول)
مترعة: ترع بالتحريك، يقال حوض ترع، أو إبريق ترع: أي ممتلئ.
ظنك: الضنك: الشدّة والصعوبة قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا..). طه/124.
المحول: من المحل: الجدب، وهو انقطاع المطر ويبس الأرض. يقال: أرض محل، أو محلة، أو محول: أي جدب.
المعنى: إلهي! ليس من شأنك وعاداتك أن تصرف الذي يقصدك وهو مشتاق إليك، إنّ خيرك لفائض على الجميع، من يستحق ومن لا يستحق، وخاصة في أيام الجدب والحاجة والفاقة، إنّك أرحم الراحمين وخير الرازقين... قال تعالى: (وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزله إلاّ بقدر معلوم). الحجر/21.
(وبابك مفتوح للطلب والوغول، وأنت غاية السؤُلِ، ونهاية المأمول)
الوغول: الدخول والتواري. يقال: وغل الرجل يغل وغولا أي دخل في الشجر وتوارى فيه.
غاية السؤل: أي النهاية القصوى لما يسأل، وليس قبله ولا بعده مسؤول.
المأمول: المرجو، أي أنت يا ربّ نهاية الرجاء ولا يوجد من يرجى بعدك إلاّ بإذنك ورضاك.
المعنى: يا إلهي! إنّك كريم، ولا تمنع قاصديك من الدخول إليك، أو الوصول إلى ساحة رحمتك ونعمتك، فأبواب خيرك وبركتك مفتوحة لكلّ من يريد الدخول إلى عمقها والتواري فيها، وأنت يا ربّ نهاية كل خير ورحمة، ولا يوجد أي خير إلاّ بإذنك وإرادتك وأنت أرحم الراحمين.
و صل اللهم على محمد وآل محمد صفوتك من خلقك
واشف قلب الزهراء بظهوروليِّك الحجة بن الحسن
صلواتك عليه وعلى آبائه الطاهرين