العلم والشَّجاعة :
ـــــــــــــــــــــــــ
ما أجمل أن يكون الإنسان عالماً ، ولكن ما أجلَّ أن يكون الإنسان عالماً وشجاعاً ، وقلَّما يجتمع العلم والشَّجاعة في المرء وكأنَّهما ضدَّان لا يجتمعان في نفسٍ واحدة .
وقد حكى الثَّعالبي في يتيمة الدَّهر أنَّ شاعرنا أبا الطيِّب المتنبِّي حين أنشد أبياته التي يقول فيها :
يرَى الجُبَناءُ أنَّ العَجزَ عَقْلٌ ** وتِلكَ خَديعَةُ الطَّبْـعِ اللَّئيـمِ
وكلُّ شَجاعَةٍ في المَرْءِ تُغْنِي ** ولا مِثْلَ الشَّجاعَةِ في الحَكِيمِ
قيل له ( وأنَّى يكون الحكيم شجاعاً ؟ ) فقال ( ذاكَ عليُّ بن أبي طالب ) .
• ومن أمثال شجعان العقول والقلوب في تاريخنا الإسلامي ابن السِّكِّيت العالم الُّلغوي والمحدِّث الشَّهير صاحب كتاب ( إصلاح المنطق ) فيما حكاه ابن خلِّكان في وفيات الأعيان والحموي في معجم الأدباء وغيرهما ، فإنَّ الخليفة المتوكِّل العبَّاسي لمَّا سمع بتشيُّعه ، أرسل إليه ثمَّ نظر إلى ابنيه المعتز والمؤيد ، فقال لابن السكيت ( مَنْ أحَبُّ إليكَ ولداي هذانِ أمِ الحسنُ والحسينُ ؟ ) .
فقال له ابن السِّكِّيت ( والله إنَّ نَعْلَي قَنْبَر خادمِ عليِّ بن أبي طالب أحبُّ إليَّ منكَ ومِنْ ولدَيك ) .
فأمر حرسه من الأتراك أن يستلُّوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات من فوره ، وقيل : داسوا بطنه فمات بعد يوم .
• ومن أمثالهم في التاريخ القديم الحكيم سقراط ، فإنَّه لمَّا اتَّبع علمه وكفر بآلهة اليونان من الأوثان ، وقبضت عليه السُّلطة آنذاك فخيَّروه بين أن يتنازل عمَّا يمليه عليه فكره وبين أن يشرب السُّمَّ ، اختار أن يتجرَّع السُّمَّ طائعاً على أن يتنازل