بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
ذكرى الميلاد السعيد لبضعة الرسول المصطفى فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام ، التي وقفت الي جانبه في مكة عند انطلاقة دعوته المباركة ورسالته التي جاء بها الي مجتمع اعتاد علي الشرك وسادته الجهل والخرافة ليعبد الاصنام التي صنعها بيده من مختلف المواد بينها المواد الغذائية التي كان يبادر الي تناولها عندما يجوع .
وفی هذه المرحلة العصیبة کانت فاطمة الصغیرة تقوم بمسح للمناطق التی یتجمع فیها اطفال المشرکین لایذاء والدها فکانت تأتی وتخبره. وبعد هجرته الی المدینة وقفت بنت الرسول الاکرم (ص) الی جانب أبیها حتی أسماها أم أبیها ، کما وقفت امها خدیجة الکبری علیها السلام الی جانب بعلها فی أحلک الظروف وأصعبها دفاعا عن الرسالة التی جاء بها من الباری تبارک وتعالی لاسعاد المجتمع الجاهلی فی الحجاز بل البشریة کافة .
وتحملت الزهراء البتول (علیها السلام) کل أنواع العناء و التعب من أجل بقاء الدین الاسلامی الحنیف حیث کانت مضمدة أبیها فی الغزوات وبعد زواجها کانت تقوم بنفس العمل لزوجها الوفی أسد الله و أسد رسوله امیر المؤمنین الامام علی ابن ابی طالب (ع).
فی یوم الجمعة المبارکة العشرین من جمادی الثانی ، بعد البعثة النبویة بخمس سنین ، تألقت مکة المکرمة نورا .. وغمر قلب خاتم الرسل و خیر البشر سرورا بمیلاد سیدة نساء العالمین فاطمة الزهراء ، التی ولدت وهی تحمل روح محمد (ص) و اخلاقه .
و یا لها من ذکرى عظیمة تمر على العالم کل عام .. و کیف لا یفرح العالم ، وهی العطاء الالهی الذی لا ینضب .. وهی النور الوضاء الذی أنار الوجود ، فتشعشع انوارا بمیلادها المبارک . انها ابنة اعظم نبی ، و زوجة یعسوب الدین ، و ام اینع بزغتین فی تاریخ الامامة . انها الوجه المشرق الوضاء للرسالة الخاتمة ، و انها سیدة النساء ، و هی الوعاء الطاهر و المنبت الطیب لعترة رسول الله صلوات الله علیه و آله اجمعین .. انها کوثر الرسالة . لقد اقترن تأریخها بتأریخ الرسالة ، إذ ولدت قبل الهجرة بثمان سنوات ، و رحلت بعد الرسول الاکرم (ص) بعدَة أشهر .
و قد اشاد النبی المصطفی (ص) بعظیم منزلة الزهراء الطاهرة ، و بما بلغته من موقع ریادی فی خط الرسالة ، فیما صرح به من فضائل ومکرمات لاهل بیت الوحی علیهم السلام بشکل عام و للزهراء البتول بشکل خاص . لقد مدح القرآن الکریم اناسا خلدهم بآیات تتلی أناء اللیل و اطراف النهار إکبارا لمواقفهم ولتفانیهم فی سبیل الحق . و ممن خصهم الله تعالی بالذکر الجلی واشاد بمواقفهم و فضائلهم اهل بیت النبی علیهم السلام .
وقد روی المؤرخون والمفسرون نزول آیات کثیرة فی مدحهم کما خصهم بالثناء فی سور شتی ، تقدیرا لسلامة خطهم ، واعترافا بحسن سمتهم ، و دعوة للاقتداء بهم . و من شاء ان یقف علی حقیقة منزلتها علیها السلام فی کتاب الله فلیراجع بامعان سور و ایات القران الکریم ، و منها : الکوثر و الدهر و آیة التطهیر و آیة المودة و آیة المباهلة .. فضلا عن عشرات الآیات الاخری . کما تواترت فی کتب الحدیث والسیرة ، شهادات الرسول الاکرم صلی الله علیه وآله وسلم ، الذی لا ینطق عن الهوی ، و لا یتأثر بحسب او نسب ، ولا تاخذه فی الله لومة لائم .
وقد ورد عنه (ص) :
- “ان الله لیغضب لغضب فاطمة ویرضی لرضاها”
- “فاطمة بضعة منی من آذاها فقد آذانی ومن احبها فقد احبنی”
- “فاطمة قلبی وروحی التی بین جنبی”
- “فاطمة سیدة نساء العالمین”
- “یا فاطمة أنتِ نُورُ عینی وثمرةُ فؤادی ورُوحی التی بین جنْبَی”
- “لَعنَ اللهُ قاتِلَکِ ولعنَ الآمرَ والرَّاضِی والمعُین والمظَاهِر علیکِ وظالِم بعلِک وابنیْکِ”
إن الرسول الذی ذاب فی دعوته ، و کان للناس فیه اسوة ، فأصبحت خفقات قلبه و نظرات عینه و لمسات یده وخطوات سعیه و إشعاعات فکره ، قوله و فعله و سنته بل وجوه کله ، معلما من معالم الدین و مصدرا للتشریع و مصباحا للهدایة وسبیلا للنجاة .
نعم .. انها اوسمة من خاتم الرسل علی صدر فاطمة الزهراء تزداد تألقا کلما مر الزمن و کلما تطورت المجتمعات و کلما لاحظنا المبدأ الاساس فی الاسلام فی کلامه صلی الله علیه وآله وسلم لها : “فاطمة اعملی لنفسک فانی لا أغنی عنک من الله شیئا” . و قال صلی الله علیه وآله وسلم : کمل من الرجال کثیر ولم یکمل من النساء إلا مریم بنت عمران و آسیة بنت مزاحم امراة فرعون و خدیجة بنت خویلد و فاطمة بنت محمد .
اما فاطمة الزهراء عند الائمة والصحابة …
- عن علی بن الحسین زین العابدین علیه السلام : لم یولد لرسول الله (ص) من خدیجة علی فطرة الاسلام إلا فاطمة
- عن ابی جعفر الباقر علیه السلام : والله لقد فطمها الله تبارک وتعالی بالعلم
- عن ابی عبد الله الصادق علیه السلام : إنما سمیت فاطمة لان الخلق فطموا عن معرفتها
- عن أم سلمة انها قالت : کانت فاطمة بنت رسول الله (ص) اشبه الناس وجها وشبها برسول الله (ص)
فی ذکراک یا روح الرسالة و کوثر الهدایة کانت انطلاقة «تسنیم» ؛ بل شاءت الأقدار ان یکون ذلک لتستلهم «تسنیم» من «تسنیم الرسالة» ، لتکون العین التی ینهل منها طلاب الحقیقة .. آملین الشفاعة منک یا کوثر الرسالة بالتوفیق لأداء الرسالة .