بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
عن ابن عباس، قال: لما تزوجت خديجة بنت خويلد، رسول الله(ص) هجرها نسوان مكة، وكن لا يكلمنها، ولا يدخلن عليها، فلما حملت(1) بالزهراء فاطمة(ع) كانت إذا خرج رسول الله(ص) من منزلها تكلمها فاطمة الزهراء في بطنها من ظلمة الأحشاء، وتحدثها وتؤانسها، فدخل رسول الله(ص) فقال لها: "يا خديجة من تكلمين؟" قالت: يا رسول الله، إن الجنين الذي أنا حامل به إذا أنا خلوت به في منزلي كلمني، وحدثني من ظلمة الأحشاء.
فتبسم رسول الله(ص) ثم قال: "يا خديجة، هذا أخي جبرئيل عليه السلام يخبرني أنها ابنتي، وأنها النسمة الطاهرة المطهرة، وأن الله تعالى أمرني أن أسميها (فاطمة) وسيجعل الله تعالى من ذريتها أئمة يهتدي بهم المؤمنون". ففرحت خديجة بذلك، فلما أن حضر وقت ولادتها أرسلت إلى نسوان مكة أن: يتفضلن ويحضرن ولادتي ليلين مني ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها: يا خديجة، أنت عصيتنا ولم تقبلي منا قولنا، وتزوجت فقيرا "لا مال له، فلسنا نجيء إليك، ولا نلي منك ما تلي النساء من النساء فاغتمت خديجة رضي الله عنها غما "شديدا"، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة كأنهن من نسوة قريش، فقالت إحداهن: يا خديجة، لا تحزني فأنا آسية بنت مزاحم، وهذه صفية(2) بنت شعيب وفي رواية أخري: كلثم بنت عمران أخت موسى عليه السلام- وهذه سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، وهذه مريم بنت عمران عليه السلام، وقد بعثنا الله تعالى إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء. وجلسن حولها، ووضعت الزهراء فاطمة عليها السلام طاهرة ومطهرة.
وقال ابن عباس: لما سقطت فاطمة الزهراء إلى الأرض أزهرت الأرض، وأشرقت الفلوات، وأنارت الجبال والربوات، وهبطت الملائكة إلى الأرض ونشرت أجنحتها في المشرق والمغرب، وضربت عليها سرادقات وحجب البهاء، وكنفتها بأظلة السماء، وغشي أهل مكة ما غشيهم من النور، ودخل رسول الله(ص) إلى خديجة وقال: "يا خديجة، لا تحزني، إن كان قد هجرك نسوان مكة ولن يدخلن عليك، فلينزلن عندك اليوم نسوان بهجات عطرات غنجات، ينقدح في أعلاهن نور يستقبل استقبالا ويلتهب التهابا"، وتفوح منهن رائحة تسر أهل مكة جميعا "فسلمت الجواري فأحسن وحيين فأبلغن -في حديث طويل- حتى وليت كل واحدة من حملها وغسلها -في الطشت الذي كان معهن- ونشفنها بالمنديل وتخليقها وتقميطها(3)، فلما فرغن عرجن إلى السماء مثنيات عليها.
وفي رواية أخرى أن المرأة التي بين يدي خديجة غسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن، وأطيب رائحة، من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة، وقنعتها بالثانية(4)، ثم استنطقتها فنطقت عليها السلام بالشهادة، فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن أبي محمداً رسول الله، وأن عليا سيد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط"، ثم سلمت عليهن وسمت كل واحدة منهن باسمها، وأقبلن فضحكن إليها. وتباشرت الحور العين، وبشر أهل السماوات بعضهم بعضا بولادة فاطمة عليها السلام، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة، مطهرة، زكية ميمونة، بورك لك فيها، وفي نسلها. فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدر عليها، وكانت عليها السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر، وتنمو في الشهر كما ينمو الصبي في السنة.
الهوامش:
1- في م: حبلت.
2- في ك: صفوراً.
3- في ك، م: وتقميصها.
4- في ر: بأخرى.