الايام كانت وردية، تسير بصورة عفوية ورائعة، ما ان كنت اسمع صوت مقود الباب ينحني نحو الاسفل، وإذا بي اركض نحو الباب واقفز في أحضان ابي الذي عاد من العمل منهكاً، فيحملني بين يديه ويقذفني الى ارتفاع السقف فاضحك من أعماق قلبي وكلي ثقة بأنه سيمسكني..
ثم يناولني الحلوى المفضلة لدي.. الحلوى المطعمة بالشوكولا والتوت الأحمر.
كنت أرى الحياة وردية بنفس لون ثوب لعبتي الجميلة، ذات الشعر الطويل والجسم الرشيق، ولأني طماعة في معرفة كل شيء وأريد ان اعرف الكبيرة والصغيرة، فترى بأن هنالك أسئلة كثيرة تراود عقلي الصغير، كنت الجأ بها الى امي.. وامطرها باسئلتي العفوية، لماذا السماء زرقاءة اللون؟ لماذا لا أستطيع رؤية الله؟ لماذا الحيوانات لا تستطيع ان تتكلم مثلنا؟ووو.
فتبتسم امي وتنظر اليّ نظرة حانية وتبدأ بالرد على تساؤلاتي الطفولية واحدة بعد الأخرى دون ان تمل او تكل من اسئلتي الغبية.
كانت حياتي مستقرة ومفعمة بالدلال والحب، الى ان شعرت بأن هنالك شيئاً ما بدأ يأخذ حيزاً في بطن امي... في البداية اعتقدت بأن الطعام هو السبب في انتفاخ بطنها، ولكني في كل مرة كنت اتناول الطعام انتبه الى بطني واراها بنفس حجمها السابق ولم تكبر ابدا.
شعرت بأن هنالك كائن فضائي في بطن امي، كائن يسكن جسدها ويكبر شيئاً فشيئا، كانت تركض الايام بسرعة، وبعد فترة بدأت امي تصرخ، وتنادي على ابي بجملة: اعتقد بأن الوقت قد حان.
خفت على امي كثيراً ولكني خفت من جملتها أكثر، ماذا كانت تعني بأن الوقت قد حان؟، وفي تلك اللحظات وبين صرخات امي، اخذها ابي واستعجل الخروج بها، وبقيت انا عند جارتنا العجوزة.
وبعد انقضاء النهار عاد ابي وخلفها تسير امي بخطوات هادئة ركضت عليهما لأقذف نفسي بين أحضان ابي، فتفاجئت بأن امي تحمل شيئاً غريباً في يدها..
اقتربت عليها اكثر، ونظرت الى اللحاف وصرخت: اخرجتوا الكائن الفضائي من بطن امي؟.
ساد الصمت بلحظات ثم كسروه بضحكات عالية، بينما بقيت انا انظر الى ذلك الكائن الملفوف بالشرشف الأبيض.
انقضت أيام وبدأ الكائن الفضائي يكبر شيئا فشيئا، كلما كنت اقترب منه كانت تقول لي امي، اياكِ ان تلمسيه، لا أدري لماذا كانت لا تقبل ان المسه..
وعندما سمعت صوت الباب ركضت لكي ارمي بنفسي بين احضانه، ولكن ابي لم يكن كالسابق قال لي بأنه تعب وغير قادر على حملي، ولم يحضر لي الحلوى لأنه نسى ذلك.. ثم اتجه نحو الكائن الفضائي وبدأ يتحدث معه ويسأل امي عن حاله.
اتجهت الى غرفتي واستبدلت ثوب لعبتي من اللون الوردي الى الأسود، وبدأت اشكي لها عن هذا الكائن الفضائي الذي غزا بيتنا واخذ عائلتي مني..
وبينما كنت انظر الى لعبتي قلت مع نفسي.. لماذا لا تستطيع هذه اللعبة ان ترد علي؟ ثم اتجهت سريعاً الى امي وقلت لها: امي، امي لماذا لا ترد علي لعبتي؟، لماذا لا تتكلم كما أتكلم انا وابي وأنتِ؟.
فرأيت امي لم تنتبه لسؤالي وبقيت مشغولة في تغيير ملابس الكائن الفضائي، فكررت عليها سؤالي: امي لماذا لا تردين علي؟، لماذا لا تتكلم لعبتي معي؟
فنظرت الي امي نظرة غضب وقالت: لماذا تلحين؟ وما هذا السؤال الغبي الذي تسألينه، الا ترين بأني مشغولة مع اخوكِ الصغير؟ هيا عودي الى غرفتك.
بقيت مذهولة لدقائق حتى عادت امي تصرخ مرة أخرى: "هيا اذهبي الى غرفتك".
ركضت نحو غرفتي وأقفلت الباب خلفي وحضنت لعبتي الجميلة وقلت لها: "هل ترين كيف تهتم امي بهذا الكائن الفضائي ولا تهتم بي، انه السبب، انه السبب، الكائن الفضائي الذي غزا بيتنا هو السبب الذي جعل امي تصرخ في وجهي ولا ترد على اسئلتي، وهو السبب الذي جعل ابي ينسى ان يحضر لي الحلوى كما في السابق، هو السبب في كل هذا، حسناً يا لعبتي من المستحيل ان ادع هذا الكائن يأخذ محلي ويكسب قلب امي وابي، انا أكره هذا الكائن الفضائي اذن ساعديني لكي نقضي عليه، هل ستساعديني؟، لا بأس حتى وان كنتِ غير قادرة على الرد الاّ اني متأكدة بأنكِ ستساعديني في ذلك، هل تعتقدين لو وضعت الوسادة على انفه سيموت وسنتخلص منه وسيعود اهلي يحبوني كما في السابق؟".
هذا آخر ما باحت به الطفلة مريم التي لم يتجاوز عمرها السبع سنوات الى لعبتها الصماء، بعدما ارادت التخلص من اخوها الأصغر لأن والديها لم يعد يهتموا بها كما في السابق، والكلمة التي يخطر في بال الوالدين عندما يشاهدون الطفل الأكبر يؤذي الطفل الأصغر هي كلمة "الغيرة"، على أساس ان الطفل الأكبر من البديهي ان يغار من المولود الجديد ويحاول بشتى الطرق ايذائه، ولكن هذا الموضوع غير صحيح لأننا تغافلنا بأن الوالدين هما من يزرعان بذرة الحقد والكراهية في نفس الطفل الأكبر تجاه المولود عندما يفرقون بينهما ويغيرون نمط التصرف مع الطفل الاكبر بعد انضمام المولود الجديد الى العائلة.


للكاتبة
زهراء وحيدي