لتحكم على جمالية لوحة أو قبحها عليكَ أن تبتعد قليلا وتراها من جديد فلن تتضّح الرؤية لديك إن كنتَ ملاصقاً لها او قريباً جداً منها، قد تعيد صياغة رأيكَ فيها وانطباعك عنها، لأنك سترى فيها تفاصيلا وزوايا لم تلتفت لها قبلا، قد تتفاجأ سلبا او ايجابا، ستقبلها أو ترفضها، ستمزقها أو سترفع لها القبعة.
وهكذا الانسان؛ ياحبذا لو يبتعد بعض الشيء عن نفسه ليراها عن مسافة معينة، ليعرف على أي شاكلة كان!، من الجميل ان يرتجل من مركبته التي يرى نفسه من حين الى اخر من خلال نافذتها فقط وبشكل عابر، وأن يقوم من الكرسي الذي يجلس عليه في المساء ليشاهد شريط يومه المنقضى!.
لمَ لا تخرج من (البيت) الذي حبست نفسك بين جدرانه المهترئة طويلا الى الطرق العامّة؟!
وعليه، ماذا لو التقيت بنفسك في الطريق؟!
هذا السؤال طرحه احد المواقع وتفاوتت الاجابات عليه، فمنهم من قال سأصافحها وأعانقها، ومنهم من قال انه سيصفعها، واخرون رأوا أنهم سيعاتبونها أو يشكرونها وهكذا، أما الاغلبية فقد نعتوا السؤال وصاحبه بالمجنون!.
بالطبع هو سؤال غريب وغير منطقي، ولكنه ينبش عميقا في دواخل كل منّا، قد نحتاج الى هكذا تخيلات ووقفات من وقت الى اخر في دروبنا التي مضينا فيها وسنكمل المسير عليها مع بني جلدتنا..
واجاباتك عن هذا التساؤل العميق والطريف تعكس مدى معرفتك بنفسك ودرجة تقبّلك لها، ولكن قبل تقديم اغلب الاجابات المحتملة، قد يكون عليكَ أن تنزع الكثير من الاقنعة وأن تزيل العديد من الاصباغ التي لوّنت بها وجهك طويلاً!.
_ صداقة النفس
يقول أفلاطون: أصعب انواع الصداقة كافة هي صداقة المرء لنفسه.
فالذي يجيب أنه سيسعد بلقاء نفسه و(سيحضنها وسيدعوها لكأس شاي أو فنجان قهوة!) هو بلا شك يحب نفسه، جميل أن يتقبّل الانسان نفسه ويفتخر بها ومن ثمّ يصادقها، فالتصور الذي تتصوّر فيه نفسك سيراك الناس عليه، فإن رأيت نفسك ايجابيا وجميلا سترى كل ماحولك جميلا وسيراك الاخرون كذلك، ولكن قد تصل هذه المرحلة لمنحىً سيء فحب النفس ليس حسناً دائما، لأنك قد تقع في فخ الغرور والتكبر، يقول تعالى: (ولا تمش في الارض مرحا)، فمن منّا كامل و معصوم؟! والنفس البشرية بلا شك مليئة بالعيوب، وليس جميلا أن نتقبّلها ونرضى بها، وكما يقول الامام علي (ع): بئس الاختيار الرضا بالنقص!.
_أعدى عدوّك
كما قلنا كل ما تضعه في ذهنك ستراه وسيراه الناس من حولك، وقد يكون الذي في ذهنك حقيقيا أو مبالغا فيه، ومن اكثر الاحتمالات لاجابات سؤالنا، انك ستنظر الى نفسك شزراً؛ وستراها متعبة، هرمة، مكسورة، وهي ترجمة لاجابات قُدمت ك (الشتم، الضرب، الغضب، العتاب، الشفقة والبكاء).
وقد قيل قديما: ذبول الازهار ليس دليلا على قبحها.. بل ان الساقي ليس جديرا بالاعتناء بها.
فأنت ان لم تعتنِ بنفسك، وتركتها على هواها ستكون عدوّك، فرفقا بها منها، يقول النبي محمد (ص): أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك.
_نسخة مكررة
قد ترى نفسك (كوبي_ بيست) عن ملايين البشر، لمَ الكثير منّا نسخة عن غيره!، مع بالغ الاسف بتنا نستورد الثقافة وطريقة التفكير وملامح الشخصية من الغرب وليس فقط الملبس والمأكل، اياً كان ما تحب ان تكون عليه، فحاول ان تُبقي شيئا من هويتك الحقيقية، وأن تتعرف الى قدراتك التي تتميّز بها عن غيرك، ولاتجعل الاخر يقود دفة حياتك، يقول امير المؤمنين (ع): هلك امرؤ لم يعرف قدره.
_عدم المعرفة
من اسوء ما قد يحدث لك في اثناء البحث او اللقاء بنفسك، انك لن تعرفها!، وان لم تعرف نفسك فستضيع او تتخبّط في هذه الحياة لامحالة، بالفعل الكثير منّا لايعرف نفسه، لا يعرف نقاط قوته وضعفه، داءه ودواؤه، ماذا يحب وماذا يريد، الصحيح والخطأ، فإنك ان عرفت نفسك ستعرف مهامك ومهاراتك، عن رسول الله (ص): الطريق الى معرفة الحق معرفة النفس.
تلكم الاجابات الانفة الذكر ومايدور في فلكها ابرز مايمكن ان يخطر في بال الكثير، وفيها من العبر والموعظة لمن اراد ذلك، فقد يطرح هذا السؤال بشكل عابر و على سبيل الفكاهة، ولعل من المفيد ان يتبنّ المرء بعض تلك الاجابات على حسب المواقف والحالات، فاللانسان جانبين خيّر وشرير وكل منهما يحتاج الى تعامل وموقف مغاير.
وعلى كل حال تلك المفردات تحمل في طياتها الكثير من الدروس والارشادات، وجلّها جاءت في النصوص القرآنية والاحاديث الشريفة، ولعل اهمها؛ قضية المحاسبة والمراقبة الدائمة للانسان لنفسه، وتشذيبها وتهذيبها في كل يوم، وكذلك تبرز اهمية تقبّل النقد والنصيحة التي يهديها الاخرون لنا ويرشدوننا لعيوب قد لانراها بسبب قصر النظر او بعده!..
هذه واحدة واخرى اهمية الالتفات الى اصلاح النفس لتكون مقدمة لاصلاح الغير، والا سنكون كطالب القرن جذعت اذنه، صدق امير المؤمنين (ع) عندما قال: كيف يهدي غيره من يضل نفسه!.
واخيرا اذا التقيت بنفسك وابصرت عيوبك ولم تحب ان يراها غيرك، فالاجدر ان تتشاغل بها عن عورات الاخرين وتستر عليهم كما تحب ان يفعلوا معك، فكلك عورات وللناس اعين..
"أتبصر في العين مني القذى وفي عينك الجذع لاتبصر!".
للكاتبة
رقية تاج