ينبغي أن يكون لنا ردُّ فعل لكل آية نسمعها! فبعض الآيات تتطلب إحساسًا معينًا، مثل الفرح أو الحزن، أو الخوف أو الرجاء، وبعض الآيات تتطلَّب ترديدًا لأذكار معينة، وبعضها يتطلَّب دعاءً وابتهالًا.. وهذه هي سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما وهو يصف قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل: «.. يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ..»[1]. وكذلك قال عوف بن مالك رضي الله عنه: «قُمْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ..»[2].
ولنأخذ أمثلة على بعض ردود الفعل التي ينبغي لنا أن نتعلَّمها:
1- إذا مررت بآية فيها أمر بذِكْرٍ معيَّن لله عز وجل فاذكره بهذا الذِّكر؛ فإذا قرأتَ مثلًا: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[الأعلى: 1]؛ فقل: سبحان ربي الأعلى. وإذا قرأتَ: {وَقُلِ الحَمْدُ للهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا..}[النمل: 93] فقل: الحمد لله. وإذا قرأتَ: {.. وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}[الإسراء: 111]، فقل: الله أكبر. وهكذا.
2- وإذا مررتَ بآية تدعوك إلى الاستغفار؛ مثل قوله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}[غافر: 55]، فاستغفر الله قائلًا: أستغفر الله. وإذا كانت الآية تدعوك إلى التوبة؛ مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا..}[التحريم: 8]، فاستحضر ذنوبك وتُب منها، واعزم ألَّا تعود إليها، واطلب من الله أن يتقبَّل توبتك، ويُعينك عليها.
3- إذا مررتَ بآية تتحدَّث عن يوم القيامة؛ مثل قوله تعالى: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}[هود: 104، 105]، فاسأل الله أن تكون من السعداء في هذا اليوم العظيم.
4- وإذا مررتَ بآية تتحدَّث عن الجنة ونعيمها؛ مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل: 32]، فاسأل الله أن تكون من الطيبين الذين يُقال لهم هذا القول الجميل.. أما إذا مررتَ بآية تتحدَّث عن النار وعذابها؛ مثل قوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف: 77] فاستعذ بالله من هذا المصير.
5- إذا قرأتَ آية تتحدَّث عن صفات المؤمنين؛ مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لمَعَ المُحْسِنِينَ}[العنكبوت: 69]، فقل: اللهم اجعلني من المجاهدين فيك، واهدني سبيلك، واجعلني من المحسنين، أو نحو ذلك من الدعاء، أمَّا إذا قرأتَ آية تتحدَّث عن صفات الكفار أو المنافقين أو العُصاة؛ مثل قوله: {.. وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ..}[الحديد: 23، 24] فقل: اللهم اعصمني من الخيلاء والفخر، وقني شرَّ البخل. أو نحو ذلك من الأدعية.
6- إذا مررتَ بآية دعاء من أدعية الأنبياء أو الصالحين أو الملائكة؛ مثل قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[إبراهيم: 40، 41]، فأمِّنْ على هذا الدعاء قائلًا: آمين. أو كرِّر الدعاء نفسه، أما إذا مررتَ بآية تتطلب منك الدعاء فاستجب بسرعة، وقِفْ للدعاء خاشعًا، وأطِلْ في الدعاء، فإنه موضع إجابة إن شاء الله؛ وذلك مثل قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..}[غافر: 60]، أو قوله: {.. وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ..}[النساء: 32]، أو قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..}[البقرة: 186].
7- إذا قرأتَ قصة من قصص القرآن فتفاعل معها، واسأل الله أن يرزقك خاتمة المؤمنين فيها، وأن يعصمك من خاتمة المشركين والأشقياء فيها؛ وذلك كما في قوله تعالى في قصة نوح عليه السلام: {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}[الصافات: 76]، فقل: اللهم يا من نجَّيتَ نوحًا وأهله من الكرب العظيم نجِّني وأهلي من الكرب العظيم. ومثل قوله تعالى في قصة فرعون وقومه: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال: 52]، فقل: اللهم يا قوي، يا شديد العقاب، يا مَن أهلكت فرعون وآله، لا تجعلني من الكافرين بآياتك، ولا تأخذني بذنوبي. أو مثل ذلك من الأدعية.
8- إذا مررتَ بموقف فيه فرح وسرور فافرح مع الفرحين، وليدخل قلبك السرور مع المسرورين؛ مثل فرحة الثلاثة الذين تاب الله عليهم في قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[التوبة: 118]، ومثل سرور يعقوب عليه السلام عندما رجع إليه بصره، ووجد ابنه يوسف عليه السلام في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا..}[يوسف: 96]، أما إذا وجدت صالحًا يحزن فشاركه حزنه وهمَّه، وتأثَّر لموقفه وألمه، مثل موقف نوح عليه السلام وهو يُشاهد فلذة كبده يغرق كافرًا أمام عينه في قوله تعالى: {.. وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقِينَ}[هود: 43]، أو عند حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مقتل أصحابه رضي الله عنهم في أُحُد، وعلى رأسهم عمُّه الجليل حمزة رضي الله عنه؛ وذلك عند قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ المُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 166].. أو عند خوف موسى عليه السلام وحذره عندما قتَلَ المصريَّ، وصار مطلوبًا من فرعون وجنده، فاضطر إلى الهرب من مصر إلى مصير مجهول؛ وذلك عند قوله تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالمِينَ}[القصص: 21].
9- إذا مررتَ بآية تتحدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ..}[الأنفال: 65]، أو قوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ..}[الأحزاب: 40]، أو قوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا..}[الحشر: 7]، فصلِّ عليه، واسأل الله أن يحشرك معه، وأن يجعلك قريبًا منه في الجنة.
10- وإذا مررتَ بآية تسألك سؤالًا فأجب السؤال بإيمان ويقين؛ وذلك مثل قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ؟}[التين: 8]، فقل: بلى أحكم الحاكمين، وأنا على ذلك من الشاهدين. ومثل قوله: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ المَوْتَى؟}[القيامة: 40]، فقل: بلى قادر، وأنا على ذلك من الشاهدين. ومثل قوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا؟}[النساء: 87]، فقل: لا أحد. ومثل قوله: {أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ؟}[الزمر: 36]، فقل: بلى أشهد أن الله كافٍ عبده.. أو قل نحو هذه من الإجابات التي تُعَبِّر عن فهمك للسؤال وتفاعلك معه..
11- إذا مررتَ بآية سجدة فاسجد، واستشعر أنك قد رُفعت وقُدِّمت على الشيطان بسجودك لله ورفضه هو للسجود؛ فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلِي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ»[3].. واستشعر كذلك حماسة الصحابة للسجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سجود التلاوة؛ فقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ، فَنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ»[4]. وقد اختلف العلماء في حكم سجود التلاوة؛ فذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن سجود التلاوة واجب؛ لقول الله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}[الانشقاق: 20، 21]، وقال: هذا ذمٌّ، ولا يُذَمُّ إلا على ترك واجب. واختار هذا القول ابن تيمية؛ بينما ذهب الإمام أحمد، والإمام مالك، والإمام الشافعي، وهو قول عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما إلى أن سجود التلاوة ليس بواجب بل سُنَّة مؤكَّدة، وهذا الرأي الأخير هو الذي عليه جمهور العلماء[5]، وإذا كان سجود التلاوة في الصلاة، فإن الإمام يُكبِّر حين يسجد وحين ينهض من السجود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكَبِّر في الصلاة في كل خفض ورفع[6]، وإذا قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة، فإن شاء ركع، وإن شاء سجد ثم قام فقرأ شيئًا من القرآن ثم ركع، وإن شاء سجد ثم قام فركع من غير قراءة[7]، أما ما يقال في السجود فقد ورد في روايتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما الأولى فهي عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ: «سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ». وأما الثانية فهي عَنِ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ، فَسَجَدْتُ فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ: «اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَجْدَةً ثُمَّ سَجَدَ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ[8]. ويمكن أن تجمع في سجودك بين الروايتين فتُحَقِّق الأجر الأكبر إن شاء الله.
فهذه بعض التفاعلات مع القرآن، مع التأكيد أن معظم ما ذكرتُه من أمثلة للتفاعل ليس فيها نصٌّ صريح من السُّنَّة النبوية؛ إنما الأصل الذي نعتمد عليه هو وصف حذيفة رضي الله عنه لصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: «.. يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ..». وهو هنا لم يُحَدِّد طريقة السؤال أو صيغته؛ فدلَّ ذلك على سعة الأمر، وعلى أنه متروك للمسلمين حيث يختار كلُّ مصلٍّ أو قارئ الصيغة التي يراها مناسبة لكي يُحَقِّق التفاعل المطلوب، وما ذكرناه هو مجرَّد أمثلة، ولا شكَّ أن الأمر أوسع من ذلك بكثير.
إن خشوعنا في الصلاة مرتبط أشدَّ ارتباط بمدى استيعابنا لمعاني الرسالة الإلهية التي أرسلها لنا الله عز وجل، وما ذكرناه سالفًا هي أمور تجعلك قريبًا من القرآن ومعانيه؛ ولكن ما أجمل أن نختم هذه الصفحات ببشارة إلى القارئين لكتاب الله والمتدبِّرين فيه؛ وهي أن هذا التدبُّر لا يجعلك فقط قريبًا من القرآن، بل يجعل القرآن نفسه قريبًا منك! فيصبح القرآن مدافعًا عنك، وشافعًا عند الله لك! وهذا ما رواه النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ الْكِلَابِيُّ رضي الله عنه حين قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ». وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: «كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ[9] أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ[10] مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ[11] تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا»[12]!..
فأبشر يا صاحب القرآن..
متعة في الدنيا في صحبة كتاب الله..
ومتعة في الآخرة في حماية كلام الله..
ولله الفضل والمنة..
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
[1] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، (772)، والنسائي (1377).
[2] أبو داود: كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، (873)، والنسائي (718)، وأحمد (24026)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده قوي. وقال النووي: رواه أبو داود بإسناد صحيح. انظر: خلاصة الأحكام 1/396، وحسنه ابن حجر، انظر: نتائج الأفكار 2/74، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 4/27 (817).
[3] مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على مَنْ ترك الصلاة، (81)، وابن ماجه (1052)، وأحمد (9711).
[4] البخاري: أبواب سجود القرآن، باب ازدحام الناس إذا قرأ الإمام السجدة، (1026)، ومسلم: كتاب المساجد، باب سجود التلاوة، (575).
[5] انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/74-79، وابن قدامة: المغني 1/446، والجزيري: الفقه على المذاهب الأربعة 1/420، والموسوعة الفقهية الكويتية 24/212- 215، وسيد سابق: فقه السنة 1/219، 220، والزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته 2/1127- 1130.
[6] انظر: الجزيري: الفقه على المذاهب الأربعة 1/424، ومحمد نعيم محمد هاني ساعي: موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي 1/183، والموسوعة الفقهية الكويتية 24/223، والزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته 2/1134، 1135.
[7] ابن قدامة في المغني، 1/448.
[8] الترمذي: كتاب الدعوات، باب ما يقول في سجود القرآن (3424)، وابن ماجه (1053)، وابن حبان (2768)، والحاكم (799)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه النووي، خلاصة الأحكام 2/623، والألباني، السلسلة الصحيحة (2710).
[9] الشَّرْقُ: هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا أَيْ ضِيَاءٌ وَنُورٌ. النووي: المنهاج 6/91.
[10] حِزْقَان: قطيعان وجماعتان، يقال في الواحد: فِرْقٌ وَحِزْقٌ وَحَزِيقَةٌ؛ أَيْ جَمَاعَةٌ. انظر: النووي: المنهاج 6/90، 91.
[11] مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ: جَمْعُ صَافَّةٍ؛ أَيْ بَاسِطَاتٍ أَجْنِحَتَهَا فِي الطَّيَرَانِ. المباركفوري: تحفة الأحوذي 8/155.
[12] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، (805)، والترمذي (2883)، وأحمد (17674).
من كتاب كيف تخشع في صلاتك للدكتور راغب السرجاني