خيال آمن
قبل قليل شبكتُ كفي بكفها، أخذتها الى النافذة، طلبتُ منها أن ترسل نظرها بعيدا، الى تلك الحدائق التي تموج بالحركة، ربما هي حركة اشجار، أو اجساد رشيقة لصبايا العيد، أو حمائم تتنقل بين الاغصان، قلتُ لها، لنحوّل غرفتنا الأمينة هذه الى متنزّه أو خميلة جميلة، نتمتع بها معا، فالحياة خارج غرفتنا هذه غير آمنة، لنذهب الى الحدائق ونحن في غرفتنا……..
أطلقتْ بصرها الى البعيد البعيد، وانا فعلت الشيء نفسه، أصابعها كانت تلامس أصابعي كالنسيم، دفء جسدها يتسرّب عبر اصابعي، تجولنا تحت الاشجار، ألقيتُ جسدي على الحشيش الناعم، نامت الى جانبي، رأسها على ذراعي، المساء في حدائق بغداد رائق جميل منعش لايشبه مساءات المدن الاخرى!، يباغتنا مساء بغداد بعذوبةٍ بِكْر، عشرون سنة قضيتها متسكعا في هذه المدينة، لم أعش لحظات كهذه، لم يمر بي نسيم كهذا، حتى الطيور التي تنام ليلا، تطلق الآن ترانيمها الساحرة، بالقرب منّا كانت تمر أجساد كثيرة لرجال ونساء واطفال، العيون تنظر الينا بمرح وحبور، تلتمع فيها اضواء الحب…..
أصابعها تلامس أصابعي وكأنها تعزف موسيقى أغنية سكن الليل لفيروز، كل شيء عذب هنا، حتى أريج الزهور يملأ الرئتين ويحيل الجسد الى مملكة عطر، رأيت ألعاب الاطفال قريبة منا، تتحرك بطلاقة، رأيت الاطفال يتقافزون بمرح، لاحظت العشاق ينفردون ببعضهم تحت اشجار وارفة، احدهم سرق قبلة خلسة، حاولت أن أقبِّلها، تمنّعت ثم رفضت لأننا في مكان عام.
القمر او الهلال الصغير يبعث نورا رقيقا، نجيمات السماء تغني للقمر، قلبي يغني لها، وضعت كفي على كفها بحنو، عدنا الى النافذة في غرفتنا الامينة، المساء صامت في الافق، لا حدائق ولا طيور ولا اشجار ولا اجساد…
أغلقتُ النافذة.. نحن الآن في غرفتنا الآمنة ……..
القاص
علي حسين عبيد