قصيدة [ ورَّطني الجواهريُّ ] :
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
وَقَفْتُ أدْعُو فُوَيقَ الجِسْرِ : حَيِّينِـي ** يَا دِجْلَةَ الخَيرِ يَا أُمَّ البَسَاتِيـنِ
وَقْفْتُ أدْعُو ولاَ صَوتٌ يُجَاوُبُنِـي ** حَتَّى يَئِسْتُ وكَادَ اليَأْسُ يَثْنِينِـي
يَا دِجْلَةَ الخَيـرِ ، مَا يُبْقِيكِ سَاجِيَـةً ؟ ** صَمَّاءَ بَكْمَاءَ عَنِّي لا تُجِيبِينِـي
فَزُلْزِلَتْ أرْضُهَا مِنْ تَحْتِ زَلْزَلَـةً ** ولاَزِبُ الطِّينِ يَغْلِي كَالبَرَاكِيـنِ
وزَمْجَرَ المَاءُ تَحْتَ الجِسْرِ فِي لَجَبٍ ** وأزْبَدَ المَوْجُ حَتَّى كَادَ يُرْدِينِـي
إذَا بِدِجْلَةَ مِثْلَ الطَّوْدِ فِي عِظَـــمٍ ** مُطِلَّةٌ مِنْ عَلَا : مَنْ ذَا يُنَادِينِـي ؟
فَكِدْتُ أُصْعَقُ مِنْ هَولٍ بِمَطْلَعِهَا ** كَمِثْلِ مُوسَى غَدَا فِي طُورِ سِينِيـنِ
فَقُلْتُ : إنِّي مُحَيٍّ أنْتِ لِي وَطَنٌ ** يَا نَبْعَـةَ الطِّيـبِ ، يَا شَمَّ الرَّيَاحِيـنِ
قَالَتْ : لُحِيتَ ولاَ حُيِّيتَ مِنْ رَجُلٍ ** بِنَاهِقِ الصَّوتِ ظَلَّ اليَومَ يُؤذِينِـي
أمَا سَئِمْتَ طُوَالَ اليَومِ تَنْدَهُنِي ! ** حَيِّينِـي حَيِّينِـي ، يَـا أُمَّ البَسَاتِيـنِ
أيْنَ البَسَاتِينُ والأشجَارُ ؟ قَدْ هَلَكَتْ ** تَعَالَ وانْظُـرْ إلَى رَوثِ البَرَاذِيـنِ
أينَ القَوَارِبُ تَحْدُوهَا الرِّيَاحُ ضُحَىً ؟ ** أينَ النَّسَائِمُ تَلْوِي بِالأفَانِيـنِ ؟
أخْلُـو مِنَ الأُنْسِ إلاَّ حَرَّ هَـاجِـرَةٍ ** زَوَابِعُ الرِّيحِ بِالتِّرْبَانِ تَسْفِينِـي
وسَدَّةُ التُّرْكِ فِي الحُلْقُومِ تَخْنُقُنِي ** حَتَّى نَضَبْتُ وقَدْ جَفَّتْ شَرَايِينِـي
وفِي سعوديَّةِ الأعرابِ كفَّـرَنِي ** مشايخُ الجَهْـلِ هُمْ شرُّ العَثانِيـنِ
فآلُ موشي يهودُ العُرْبِ قدْ جَمَعُوا ** رِجْسَ الضَّلالةِ فِي دِينِ الشَّياطِينِ
يا أُمَّـةً أركَبَتْ أُمَّاً على جَمَلٍ ** يا مِرْقَةَ السَّهْمِ ، يا أحقادَ صِفِّيـنِ
أنا العُرُوبَـةُ ، والإسلامُ خالِصَـةً ** أنا الحَضارَةُ فِي سَـنِّ القَوانِيــنِ
والشَّمْسُ فِي ظُلَمِ الدَّهْماءِ مُشْرِقَةً ** ومَرْقَـدُ الأتقِيـا مِـنْ آلِ ياسِيـنِ
هَذِي مِيَاهِي أرَاهَا بِالدِّمَا امْتَزَجَتْ ** وذِي ضِفَافِيَ مَلأى بِالجَثَامِيـنِ
بِالأمْسِ كُنْتُ حَيَاةَ النَّاسِ قَاطِبَـةً ** واليَـوْمَ أصْبَحْتُ قَبْرَاً لِلمَلاَيِيـنِ
يَـا نَاظِـرِي وكِلاَبُ الحِقْدِ تَنْهَشُنِي ** وسَامِعِي وسِياطُ الغَدْرِ تُدْمِينِـي
لَولاَ البَهَائِمُ والأطْيَارُ تَألَفُنِــي ** لَمْ أُسْقِكُمْ قَطْرَةً مِنْ مَاءِ تَكْوِينِـي
مِنْ ثَمَّ قَامَتْ بِرَشْقِ المَاءِ تَصْفَعُنِي ** طَورَاً وطَورَاً بِحُرِّ الطِّينِ تَرْمِينِي
شَعْثَاءَ تَرْعُدُ مِنْ غَيظٍ ومِنْ حَنَـقٍ ** وتَنْفُشُ الشَّعْرَ أشْتَـاتَ الشَّعَانِيـنِ
غَدَوْتُ أرْكُضُ أثْوَابِـي مُمَزَّقَـةٌ ** والطِّيـنُ يَمْـلأُ آذَانِي وعِرْنِينِـي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ