معنى ( البشارة ) في القرآن وكلام العرب :
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
• ( البِشَارَة ) هي خصوص الإخبار بالشَّيء السَّار ، كقوله تعالى { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى } وقوله { وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } وقوله { بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } .
وضدُّها ( الإنْذَار ) فهو الإخبار بالشَّيء الضَّار ، كقوله تعالى { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } وقوله { وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا } وقوله { وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا } .
والدَّليل على تقابل المعنيين قوله تعالى { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا } وقوله تعالى { وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } .
أمَّا قوله تعالى { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيْمٍ } حيث اسْتُعمِلت ( البشارة ) في ضدِّ معناها وهو الإخبار بالشَّيء الضَّار ، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أنَّه مجازٌ جاء على سبيل الاستعارة التهكميَّة سخريةً منهم واستهزاءً بهم .
• وذهَبَ المبرَّد إلى أنَّ لفظ ( البشارة ) يُطْلَق على الخبر السَّار والضَّار ، لأنَّه مأخوذٌ من ( البَشَرَة ) والمُخْبِر لغيره بخبر الخير أو بخبر الشَّر ، يُلقِي في قلب سامعه ما يظهر تأثيره في بشرة وجهه ، فإن كان خيراً ظهرت تباشير المسرَّة ، وإن كان شرَّاً ظهرت فيه علامات المَسَاءة .
أقول : وبناءً على هذا التَّوجيه يكون قوله تعالى { فبشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أليمٍ } حقيقةً لا مجازاً ، ولكنَّه تعميمٌ للوضع على غير أساس سوى التَّعليل والقياس فلا يثبت به وضع ، ألا ترى أنَّ اشتقاق ( المَسَرَّة ) مِن ( سِرَار الوجه ) وهي خطوطه وطيَّاته ، فعلى قياسه يجوز أنْ تقول ( سَرَّتْنِي رُؤْيَتُكَ ) وأنت تريد ( ساءَتْنِي رُؤيَتُكَ ) لأنَّ المساءة يظهر أثرها على أسارير الوجه كالفرح .
• وذهب بعض الفقهاء ومنهم المحقِّق الحلِّي إلى أنَّ ( البِشَارة ) هي الخبر الأوَّل بالشَّيء السَّار ، فهؤلاء الفقهاء يتَّفقون مع المشهور في تخصيص البشارة بالخبر السَّار ولكنَّهم يضيفون إلى معناها قيداً آخر وهو كونها الخبر الأوَّل ، فلو قلت مثلاً ( لأعْطِيَنَّ مَنْ بَشَّرَنِي بِقُدومِ زَيْدٍ ديناراً ) فبشَّرك اثنان بقدومه على نحو التَّعاقب ، استحقَّ الأوَّل العطيَّة دون الثَّاني ، بخلاف ما لو قال ( مَنْ أخْبَرَنِي ) فإنَّ الثَّاني مُخْبِرٌ كالأوَّل فيستحقَّان العطيَّة كلاهما معاً .
وهذا القيد الذي أضافوه لا دليل عليه من لغةٍ ولا عُرْف ، وإنَّما لم يستحقّ الثَّاني البشرى لأنَّ معنى الإخبار مطلقاً سواءٌ كان عامَّاً نحو ( أخْبَرَنِي ) أم خاصَّاً نحو ( بَشَّرَنِي ) و( أنْذَرَنِي ) معناه : أعلَمَنِي ، وقد حصل العلم الذي هو فائدة الخبر وثمرته التي جُعِلَتْ عليها العَطِيَّة بإخبار الأوَّل ، ولا معنى لحصول العلم بَعْده بإخبار الثَّاني لامتناع تحصيل الحاصل ، فلا فرق بين ( بَشَّرَنِي ) و( أخْبَرَنِي ) في عدم استحقاق الثَّاني شيئاً .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الشيخ علي المحمدي