عناصر الدولة القانونية ووسائل تحقيقها
الحقوقي / عدنان طه ظاهر
عناصر الدولة القانونية ووسائل تحقيقها ان خضوع الدولة للقانون او لتحقيق الدولة القانونية الكامل ينبغي توافر عناصر مختلفة وتقرير ضمانات لبناء الدولة القانونية ونبين ما يلي :
اولاً : وجود دستور
وجود الدستور يعني اقامة نظام في الدولة وبيان قواعد ممارسة السلطة فيها ووسائل وشروط استعمالها ومن ثم يمتنع كل استخدام للسلطة العامة لاتراعي فيها هذه لشروط او تلك القواعد ، وبعبارة اخرى اذا كان الدستور للدولة يبين اختصاصات كل عضو من اعضائها فهو في الوقت نفسه يحرم عليهم جميع السلطات التي تخرج عن ذلك البيان ومن ذلك ان وجود الدستور يعد الضمانة الاولى لخضوع الدولة للقانون لان الدستور يقيم السلطة في الدولة ويؤسس وجودها القانوني كما يحيط نشاطها باطار قانوني لا يستطيع الحياد عنه وليس ذلك راجعاً الى ان الدستور يقيم حكماً ديمقراطياً اذ انه لا ارتباط بين وجوده ولكن وجود الدستور وقيام الحكم الديمقراطي كما انه ليس تحت تلازم بين خضوع الدولة للقانون واعمالها للمبدأ الديمقراطي ولكن وجود الدستور يؤدي الى تقيد السلطات في الدولة اذ سينظم السلطة فيها ووسائل ممارستها كما يعين الدستور حقوق الحاكم ويحددها والدستور بطبيعته اسمى من الحاكم لانه يحدد طريقة اختياره ويعطيه الصفة الشرعية كما يبين الدستور سلطاته وحدود اختصاصاته . ومن ثم فأن السلطة مصدرها الدستور لابد ان تكون مقيدة لانها يجب ان تمارس وفقاً للاوضاع الديمقراطية ولكن لوجوب احترامها لوضعها الدستوري والا فقدت صفتها القانونية . ووجود الدستور يعني تقييد جميع السلطات المنشأة في الدولة اي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية لان الدستور هو الذي انشأها ونظمها وبين اختصاصها ولان الدستور تابع الى السلطة التأسيسية .
ثانياً : الفصل بين السلطات
واذا كان الدستور يعين السلطات في الدولة ويحدد اختصاص كل منها فأنه يعني احترام وضمان هذه القواعد وعدم خروج السلطة عن حدود اختصاصها ولعل الضمانة الاولية تنحصر في الفصل بين السلطات فصلاً عضوياً او شكلياً بمعنى تخصيص عضو مستقل لكل وظيفة من وظائف الدولة فيكون هناك جهاز خاص للتشريع وجهاز خاص للتنفيذ وجهاز ثالث للقضاء ومتى ما تحقق ذلك اصبح لكل عضو اختصاص محدد لا يمكنه الخروج منه اما اذا تجمعت السلطات الثلاث بيد واحدة وحتى لو قيدها بقواعد معينة في الدستور فلن تكون هناك اية ضمانة للاحترام هذه القواعد ولن يقف في وجه الحاكم شيء اذا استبد بالسلطة . وبذلك يكون الحاكم قد خرج عن الدستور وقد مارس دور المستبد في حالة عدم احترامه الى القواعد الدستورية ومسكه جميع السلطات بيده .
ثالثاً : خضوع الادارة للقانون :
خضوع الادارة للقانون او مبدأ سيادة القانون يكون عنصراً من عناصر الدولة القانونية ، فلا يجوز للادارة ان تتخذ اجراء او قرار او عملاً مادياً الا بمقتضى القانون وتنفيذاً للقانون ومرد ذلك الى امرين الاول هو انه حتى يتحقق مبدأ خضوع الدولة للقانون يلزم ان تكون الاجراءات الفردية التي تتخذها السلطات العامة فيها منفذة لقواعد عامة مجردة موضوعة سلفاً وبذلك تسود العدالة والمساواة والامر الثاني هو ان القانون في الدول الديمقراطية يصدر عن هيئة منتخبة تمثل الشعب وتمارس السيادة باسمه وخضوع الادارة للقانون يحقق لتلك الهيئة المنتخبة الهيمنة على تصرفات الادارة على ان لا يفهم من ذلك ضرورة خضوع الجهاز الاداري بوصفه هيئة للجهاز التشريعي .
رابعاً : تدرج القواعد القانونية :
ان القواعد القانوني التي يتكون منها النظام القانوني في الدولة يرتبط ببعضها ارتباطاً تسلسلياً بمعنى انها ليست جميعاً في مرتبة واحدة من حيث القوة والقيمة القانونية بل تتدرج فيما بينها مما يجعل اسمى مرتبة من البعض الاخر فنجد في القمة القواعد الدستورية التي تكون على مرتبة من القواعد التشريعية العادية اي الصادرة عن السلطة التشريعية وهذه بدورها اعلى مرتبة من القواعد القانونية العامة (اللوائح) التي تصدرها السلطات الادارية ونستمر في هذا التدرج التنازلي حتى تصل الى القاعدة الفردية اي القرار فردي الصادرة من سلطة ادارية دنيا . ويترتب على مبدأ تدرج القواعد القانونية وجوب خضوع القاعدة الادنى الى القاعدة الاعلى من حيث الشكل والموضوع اي صدورها من السلطة التي حدد فيها القاعدة العليا وباتباع الاجراءات المتفقة في مضمونها ان القواعد القانونية تتابع مع حلقات تنازلية او تدرج في النظام القانوني هرمي وهذا النظام يقوم على اساس قانوني وفي حالة تعديل الدستور لابد من مراعاة القواعد التي تنص في الدستور السابق واذا كان التعديل نتيجة ثورة او انقلاب فأن الدستور الجديد لابد ان يلتزم المبادئ والاهداف التي قامت من اجلها الثورة او حدث انقلاب .
خامساً : الاعتراف بالحقوق الفردية :
ان نظام الدولة القانونية يهدف الى حماية الافراد من تعسف السلطات العامة واعتدائها على حقوقهم فهو يفترض وجود حقوق للافراد ف مواجهة الدولة لان المبدأ ما وجد الا لضمان تمتع الافراد بحرياتهم العامة وحقوقهم الفردية . غير ان الحقوق الفردية في الدولة الحديثة قد فقدت مدلولها التقليدي الحر الذي كان يجعل منها حواجز منيعه امام حاكم الدولة ويمنع الحاكم اقتراب الشعب منه واصبحت الحقوق الفردية بمدلولها الجديد لا نتطلب تقيد السلطات الدولة حيث نشأتها حقوق فردية جديد هي الحقوق الاقتصادية تفرض على الدولة التدخل من اجل تحقيق مستوى مادي معين للافراد يسمح لهم بممارسة حرياتهم الاخرى التقليدية ويبدو ان الحقوق الفردية هي الاقرب الى تحقيق نظام الدولة القانونية الكامل لما تفرضه من قيود على سلطات الحاكم ولما تتضمنه من امتيازات للافراد وهذا يعني خضوع الدولة للقانون من خلال الحقوق الفردية التي اقرها الدستور وهنا يجب على الدولة القانونية احترام واعتراف بالحقوق الفردية .
سادساً : تنظيم رقابة قضائية :
ولتحقيق نظام الدولة الديمقراطية يجب تنظيم حماية للقواعد المقيدة لنشاط السلطات العامة اذ انه ما لم يوجد جزاء منظم لتلك القواعد فانها لن تكون قيداً حقيقياً \على نشاط الدولة ومن الممكن تنظيم صور مختلفة لهذه الحماية فهناك الرقابة البرلمانية والرقابة الادارية والرقابة القضاية والحماية التي تحققها كل من الرقابة البرلمانية والرقابة الادارية غير كافية لان الاولى اي الرقابة البرلمانية سياسية يتحكم فيها حزب الاغلبية وتخضع لاهوائه الثانية اي الادارية تجعل الافراد تحت رحمة الادارة اذ تقوم من الرقابة الادارية هلي الخصم والحكم في وقت واحد اما الرقابة القضائية فهي مصدرها التي تحقق الضمان الحقيقية للافراد وذلك لتمتع السلطة القضائية بالضمانات الكافية لصيانة هذا الاتجاه لما يتمتع القضاء من حصانة واستقلال وعلى الخصوص تجاه السلطة التنفيذية وهذا ما يعطي الى السلطة القضائية باخضاع الحكام جميعاً لاحكام القانون وتحديد سلطاتهم تحديداً فاعلاً اما من حيث يفقد القضاء استقلاله ويكون رجال القضاء من حيث اختيارهم او ترقيتهم او ممارسة اختصاصاتهم خاضعين للسلطة التنفيذية فان الرقابة القضائية تفقد معناها على الاقل بالنسبة للحكام ويصبح مبدأ خضوع الدولة للقانون وهمياً لا وجود له .