بين طفولته وشيخوخته يعيش الإنسان في أبعد مداراته عن البراءة، ففي مرحلة الطفولة كل إنسان لا يعرف معنى للكذب أو الخداع أو المكر أو الغش، وغالباً ما ينتهي عمر الإنسان في مرحلة الشيخوخة بسريرة صافية وقلب طاهر وعقل واع، ولكن فيما بين هاتين المرحلتين يحاول الإنسان أن يكذب ويتقلب ويخدع ويغش، مستلهما كل ذلك من الأخلاقيات السائدة في المجتمع والمحيطين به، ولأن الإنسان كائن اجتماعي لا مناص من أن يكتسب من محيطه ومجتمعه الكثير، إن لم يكن الأكثر من أخلاقياته وأطباعه، وفي هذه الأثناء يفتقد كل البراءة التي حظى بها في مرحلة طفولته، ولكنه بعد أن يضعف ويتعب في طلب الحصول على رغباته ومبتغياته من خلال هذه الأخلاقيات السيئة يعود ليتخلى عنها ويتجرّد منها، فيعود طفلاً كبيراً، ولكنه بعقل شيخ مسن قد أنهكته التجارب التي كوّنت لديه قناعات راسخة وخبرات مؤكدة بأن طريق الحيلة والمكر لا يمكن أن ينتهي إلا إلى نفق مسدود، وحينها -وكما يقول أحد العرفاء- يصبح مدركاً بأن: (البراءة هي أغلى الأشياء...لأن ماهو ثمين.....
لايمكن أن يحدث إلا للقلب البريء....
للماكر لايحدث شيء.....
الحب مستحيل على الماكر......
والنشوة مستحيلة، وأي شيئ مستحيل عليه....
المال ممكن، والقوة، والمظاهر.....
وهي كلها أشياء لا قيمة لها....
فالموت يدمّرها جميعا....
لكن يحدث شيء للبريء....
لايمكن للموت حتى أن يزيله...
كن بريئا، وسيكون الله إلهك....
أسقط كل فكر، وكل شطارة، وكل معرفة...
فكلها تعطيك فكرة أنك تعرف.....
اتجه نحو الله بقلب مشدوه....
آنذاك يكون النجاح أكيدا...).
ولأنه كما يقول تعالى: (كل يعمل على شاكلته)، ولأن (شبيه الشيء منجذب إليه) فلذلك دائماً ترى الأطفال أكثر ما ينجذبون ويرتاحون إلى أجدادهم وكبار السن من البشر، والعكس صحيح...