التعريف به

السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر برسباي الدقماقي الظاهري سلطان الديار المصرية. والملك الأشرف جراكسي الجنس، جُلب من هذه البلاد، فاشتراه الأمير دقماق المحمدي الظاهري نائب ملطية، وأقام عنده مدة، ثم قدمه إلى الملك الظاهر برقوق في عدة مماليك أُخر.

وجلس على تخت الملك يوم خلع الملك الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر في يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر سنة 825هـ/ 1422م، والأشرف هذا هو السلطان الثاني والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، والثامن من الجراكسة وأولادهم[1].

أهم المعارك ودوره فيها

دولة المماليكفي عام 767هـ/ 1365م استولى الفرنجة ومعهم ملك قبرص على الإسكندرية، وذلك أن الحروب الصليبية لم تنتهِ بطرد الصليبيين من عكا عام 690هـ/ 1291م، والانتهاء منهم من كل بلاد الشام كان في عهد الأشرف صلاح الدين خليل بن المنصور.

لقد تم طردهم من "جزيرة أرواد" عام 702هـ/ 1302م أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون، واستمرت الحروب الصليبية بعد ذلك؛ لأن كثيرًا من الصليبيين قد لجئوا إلى جزيرة قبرص بعد طردهم من بلاد الشام، واتخذوا هذه الجزيرة مستقرًّا لهم، وأخذوا يقومون بالإغارة على بلاد المسلمين كلما وجدوا الفرصة سانحة لهم.

وكانت أسرة "لوزجنان" التي حكمت الجزيرة في تلك الآونة تقوم بهذه المهمة، وقد تولى أمرَ هذه الأسرة وحكم الجزيرة عام 760هـ/ 1358م بطرسُ الأول، وقد زار غربي أوربا، ودعا البابا لمساعدته للقيام بحرب ضد المسلمين، فحصل على بعض التأييد، وسار مع من جاءه من الصليبيين ووصل إلى شواطئ الإسكندرية عام 767هـ/ 1365م في يوم جمعةٍ والمسلمون في المساجد، فاستطاع أن يعيث في الإسكندرية فسادًا ولكنه فر لما تحرك المماليك إليه، وقد أخذ معه قُرابة خمسة آلاف أسير، وفرحت بذلك أوربا، وهنّأ ملوكها بعضهم بعضًا، كما هنأهم البابا.

فتح قبرص

وفي عام 827هـ/ 1423م أرسل الأشرف برسباي حملة استطلاعية إلى جزيرة قبرص، وقد اتجهت إلى ميناء "ليماسول" كرد فعلٍ على تلك الحملات التي قام بها ملوك تلك الجزيرة على الإسكندرية ودمياط في أثناء اشتداد حملات "تيمورلنك" على بلاد الشام، فلما تصدعت دولة تيمورلنك بعد وفاته، قام السلطان الأشرف برسباي بهذا الرد.

وفي العام التالي 828هـ/ 1424م أرسل حملة ثانية وكانت جهتها في هذه المرة مدينة "فاما غوستا"، وقد أحرزت النصر، ومكثت أربعة أيام، ثم اتجهت إلى مدينة "ليماسول"، وتمكنت من فتحها بعد جهد، ثم رجعت الحملة إلى مصر.

السلطنة المملوكية بأوج عزهاوبعد عام خرجت حملة جديدة سارت نحو "ليماسول" ففتحها، ثم اتجهت نحو الداخل فالتقت بجيش كبير يقوده ملك قبرص "جانوس" بنفسه، فجرت معركة طاحنة بين الفريقين، انتصر فيها المسلمون انتصارًا كبيرًا، وأسروا الملك، وحملوه معهم، وساروا نحو "نيقوسيا"، فصلوا الجمعة في كنيستها، ثم رجعوا إلى مصر والملك معهم أسير. وفي القاهرة فدى الملك نفسه، ووافق على أن تكون قبرص تابعة لدولة المماليك، وبقيت بعدها كذلك مدة بقاء الدولة المملوكية، وبذا انتهى الأثر الصليبي نهائيًّا، إذ بقي في قبرص بعد طرده من بلاد الشام[2].

وفاته

توفي سنة 841هـ/ 1437م، ومدة ولايته ست عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام[3].

قالوا عنه

كان -رحمه الله- ملكًا جليلاً، مهابًا، عارفًا، سيوسًا، حازمًا، شهمًا، فطنًا، له خبرة بالأمور، ومعرفة، وتدبير، محبًّا لجمع المال. وكان يحب الاستكثار من المماليك، حتى بلغت عدة من اشتراه من المماليك زيادة على ألفي نفر. وكان يقدِّم الجراكسة على غيرهم من الأجناس، ويشره في جمع الخيول والجمال، وما أشبه ذلك.

وكان يتصدى للأحكام، ويباشر أحوال المملكة، غالبها بنفسه، وكان متواضعًا، حسن الخلق، غير سبّاب، لين الجانب، طوالاً، دقيقًا، ذا شيبة نيرة، وهيبة حسنة، متجملاً في حركاته، حريصًا على ناموس الملك.

وكان يميل إلى فعل الخير، ويكثر من الصوم، ولا يتعاطى شيئًا من المسكرات. وكانت أيامه في غاية الحسن من الأمين، والخير، ورخاء الأسعار، وعدم الفتن مع طول مكثه في السنة.

وفي فتح قبرس (قبرص) يقول الأديب البليغ زين الدين عبد الرحمن بن الخراط، أحد كُتَّاب الإنشاء بالديار المصرية، قصيدةً أنشدها بين يدي السلطان بحضور أركان الدولة، وفرغ عليه بعد فراغها بالحضرة الشريفة، أوَّلها:

بشراك يا ملك المليك الأشرف ... بفتوح قبرس بالحسام المشرفي
فتح بشهر الصوم تم له فيا ... لك أشرف في أشرفٍ في أشرف
فتح تفتحت السموات العلى ... من أجله بالنصر واللطف الخفي
واللهُ حفَّ جنودَه بملائـكٍ ... عاداتها التأييد وهو بها حفـي
الأشرف السلطان أشرف مالكٍ ... لولاه أنفس ملكه لم تشرف
هو مكتفٍ بالله أحـلم قـادرٍ ... راضٍ لآثار النبوة مقتفـي
حامي حمى الحرمين بيت الله وال ... قبر الشريف لزائر ومطوف[4]

[1]ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 4/102.
[2]انظر: محمود شاكر: التاريخ الإسلامي 7/66، 77-80، وعلي عبد الحليم: الغزو الصليبي والعالم الإسلامي ص214.
[3]العصامي: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 2/301.
[4] ابن تغري بردي: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 1/254، 255.
- قصة الإسلام